العلماء والمتشبهون بهم

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
العلماء الحقیقیون القسم الثالث

اتجه الإمام(علیه السلام) فی هذا المقطع من الخطبة ـ والذی یبدو منفصلاً، وان کان له نحو ارتباط بالمقاطع الماضیة ـ صوب التعریف بالعلماء الحق ومن تشبه بالعلماء (العلماء الحقیقیون والعلماء المزیفون) حیث یعرض لصفات کل منهما، فقال(علیه السلام): «العالم من عرف قدره».

ثم أکد هذه العبارة بقوله(علیه السلام) «وکفى بالمرء جهلا ألا یعرف قدره».

وقد وردت عدة احتمالات فی تفسیر هاتین العبارتین کلها مناسبة، ویمکن جمعها فی مفهوم کلامه(علیه السلام).

الأول: أنّ العالم الحقیقی من یعرف قیمته وقدره ازاء عظمة الله سبحانه فی هذا العالم، فیرى أنّه لیس بشیء یذکر بالنسبة لذلک الوجود المطلق، وأنّه تابع له، فیحث الخطى للفوز بقربه، ولعل هذا هو المعنى الذی هدف إلیه الحدیث: «من عرف نفسه فقد عرف ربّه»(1).

والثانی: أن المراد معرفة القیم والمکانة الواقعیة فی المجتمع، وبعبارة اُخرى: العالم الحقیقی من یبتعد عن الامال التی لا تستند لأی المنطق، ولایتجاوز حدود نفسه، ولایضع نفسه فی موضع لیس له باهل، فلا یعبث بماء وجهه وقدره. على غرار ما ورد فی بعض الروایات: «رحم الله من عرف قدره، ولم یتجاوز حده»(2).

والثالث: أنّ المراد هو أنّ الإنسان موجود قیم له استعدادته العالیه، فلا ینبغی أن یبیع هذه الجوهرة الثمینة برخص ولایزهد فی نفسه وإمکاناته; الأمر الذی ورد فی الشعر المنسوب لأمیر المومنین علی(علیه السلام) إذ قال:

أتزعم أنک جرم صغیر *** وفیک انطوى العالم الأکبر

وبالنظر إلى إمکانیة استعمال اللفظ لأکثر من معنى، حیث یعد ذلک من جمالیة الکلام وبدائعه، فلا یبدو من المستبعد الجمع بین هذه الاحتمالات الثلاث فی تفسیر الکلام المذکور; وإن کانت العبارات القادمة أنسب للمعنى الثانی والثالث.

ثم واصل(علیه السلام) کلامه بالتعریف بمن تشبه من العلماء من الجهال البعیدین عن الحق والصواب فقال(علیه السلام): «وإن من أبغض الرجال إلى الله تعالى لعبدا وکله الله إلى نفسه، جائراً عن قصد السبیل، سائراً بغیر دلیل».

طبعا لایسع الإنسان ما لم تحفه عنایة الله والطافه ان یتجاوز هذه الموانع والآفات الخطیرة التی تعترض طریقه، فاذا وکلّ إلى نفسه فسوف لن تکون عاقبته سوى المهلکة; فهو ینحرف عن الصراط، ویفقد الدلیل فیسیر على عمى وضلال.

ثم وضح ذلک(علیه السلام) بالقول أنّه اغتر بالدنیا وخدع بها بحیث لایعمل إلاّ لها ولا یجهد نفسه إلاّ من أجل الحصول على متاعه: «إن دعی إلى حرث الدنیا عمل، وإن دعی إلى حرث الآخرة کسل».

فهو نشط من أجل الدنیا، کسل من أجل الآخرة، وذلک لضعف ایمانه بالآخرة وعدم اعتقاده بالوعد والوعید الإلهی. فلم یبصر سوى الدنیا و ینسى الآخرة.

ومن هنا إختتم(علیه السلام) کلامه بهذا الشأن بالقول: «کأن ما عمل له وأحب علیه، وکأن ما ونى فیه ساقط عنه»(3).

والتعبیر بالزرع عن الدنیا والآخرة هو اقتباس من الآیة الشریفة: (مَنْ کانَ یُرِیدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِی حَرْثِهِ وَمَنْ کانَ یُرِیدُ حَرْثَ الدُّنْیا نُـؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِی الآخِرَةِ مِنْ نَصِـیب)(4).

یمکن للدنیا أن تکون مزرعة الآخرة، کما یمکنها أن تکون مزرعة لنفسها. ویذرها الأعمال الحسنة والسیئة، وأعمالها الحسنة کالحبة التی تنبت سبع سنابل وفی کل سنبلة مأة حبة، أمّا الأعمال السیئة فهى البذور التی تزرع فی الأراضی المالحة: (لا یَخْرُجُ إِلاّ نَکِد)(5).

وتشیر العبارة الأخیرة ضمنیا إلى أنّ الأعمال الصالحة والطالحة إنّما تفرزها طبیعة الاعتقادات القویة والضعیفة.


1. بحار الانوار 2/34 ح 22.
2. اشتهرت هذه العبارة التی یطلقها العلماء بالاستفادة من الاحادیث.
3. «ونى» بمعنى ضعف وتعب.
4. سورة الشورى/20.
5. سورة الاعراف/58. 
العلماء الحقیقیون القسم الثالث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma