أشار الإمام(علیه السلام) فی هذا الموضع من الخطبة إلى وضع المنافقین والمعاندین من بنی أمیة، فقال(علیه السلام) سرائرهم وبواطنهم ظاهرة لأهل البصائر، وقد إتضح سبیل الحق لسالکه (وعلیه فقد تمت الحجة على الجمیع) «قد انجابت(1) السرائر لأهل البصائر، ووضحت محجة الحق لخابطه(2)».
ثم قال(علیه السلام): «واسفرت(3) الساعة عن وجهها، وظهرت العلاّمة لمتوسمها».
یمکن أن یکون المراد من علامات ظهور القیامة، بعثة النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) بصفته خاتم الأنبیاء(علیه السلام) وآخر بنی من أنبیاء الله، وکذلک ظهور الفتن فی العالم الإسلامی وعلى الأرض، ولیست هناک من منافاة بین هذا الأمر ومرور آلاف السنین، لأنّ هذا الزمان قصیر جداً إذا ماقورن بعمر الدنیا.
فقد ورد فی الحدیث النبوی أنّه(صلى الله علیه وآله) قال: «بعثت أنا والساعة کها یتن وضم السبابة والوسطى»(4).
ونخلص ممّا سبق إلى أن اتضاح السرائر ووضوح سبیل الحق واقتراب الساعة لمن دواعی یقظة الغافلین من نوم الغفلة والتوبة إلى الله من الذنوب والمعاصی وسلوک طریق الحق والاستقامة علیه.
ومن هنا یتعجب الإمام(علیه السلام) لعدم وجود ردود الفعل المناسبة من قبل الناس ازاء هذه الاُمور فقال(علیه السلام): «مالی أراکم اشباحا بلا أرواح، وأرواحاً بلا أشباح، ونساک(5) بلا صلاح، وتجاراً بلا أرباح وأیقاظ(6) نوم(7)، وشهوداً غیباً، وناظرة عمیاء، وسامعة صماء، وناطقة بکماء».
العبارة: «أشباح بلا أرواح، وأرواح بلا أشباح» بعض الجماعات التی لها قدرة ظاهریة بینما لیس لها من تفکیر أو تدبر، أو أنّها مفکرة ومدبرة لکنها تفتقر إلى قدرة الاستخدام. ومن الطبیعی ألا تکون کلا الجماعتین على صواب ولیس من شأنها فعل شیء، کخواء الجسم الذی لاروح فیه والروح التی لاجسم لها. والعبارة: «نسا کابلا صلاح» إشارة إلى العبادات الجوفاء لعباد ذلک الزمان. لأنّ الأثر الأول للعبادة إنّما یتمثل بالتربیة والصلاح الإنسانی; فاذا لم یکن العبد صالحاً کان ذلک دلیل على أنّ عبادته قشر لا لبّ فیه.
والعبارة «تجاراً بلا أرباح» یمکن أن تکون إشارة إلى ماورد فی سورة العصر: (وَالعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسانَ لَفِی خُسْر * إِلاّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ).
والعبارة «أیقا ظانوماً» والعبارات الأربع القادمة إشارة إلى الأفراد الیقظین ظاهراً ولهم حضور فی الساحة ویتمتعون بالسمع والبصر والنطق، إلاّ أنّهم لایبدون أی رد فعل تجاه الحوادث الحسنة والسیئة، وکأنّهم نیام غیر شهود، ولا سمع لهم ولابصر ولا کلام.
نعم فالإسلام یرى وجود کل شیء فی آثاره، والإنسان الحی الذی لا اثر له کأنّه فی عداد الأموات، ومن لابصیرة له فهو أعمى، وقد ورد هذا المعنى کراراً فی القرآن بشأن المنافقین من الأفراد عدیمی الإیمان، کالایة: (صُمٌّ بُـکْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لا یَعْقِلونَ)(8) وما شابه ذلک فالذی یستفاد من کلامه(علیه السلام) أنّه وبخ بشدة أصحابه على عدم ابداء أی رد فعل تجاه بنی أمیة بعد أن اتضح لهم باطنهم وخبث مقاصدهم، وکأنّهم نیام فقدوا السمع والبصر والنطق، فلا یأبهون بجنایات بنی أمیة. و لا یعلمون أی مصیر مظلم ینتظر الإسلام و المسلمین.