الصفات الکمالیة لله

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
القسم الثانیالقسم الأول

کما ذکرنا سابقاً فانّ هذه الخطبة من أعمق خطب نهج البلاغة و أروعها و أجملها، وقد تطرق(علیه السلام) فی بدایة الخطبة إلى أوصافه سبحانه وتعالى الجمالیة والجلالیة وصفات الأفعال بصورة واسعة جامعة.

فاشار(علیه السلام) إلى عشر صفات من صفات الکمال: «کل شیء خاشع له، وکل شیء قائم به: غنى کل فقیر، وعزّ کل ذلیل، وقوة کل ضعیف، ومفزع کل ملهوف».

فهذه الصفات الست تعود إلى قدرته المطلقة سبحانه ووجوده المطلق اللامحدود وحاجة جمیع الممکنات إلیه.

«خاشع» من مادة «خشوع» تعنی فی الأصل الخضوع; مع ذلک لها مفهوم أوسع یشمل الخضوع الظاهری والباطنی والتشریعی والتکوینی. وعلیه فخشوع کل شیء له بمعنى التسلیم لله والانصیاع لقوانینه.

وقیام کل شیء بالله من حیث إنّه واجب الوجود وغیره ممکن الوجود، والممکن یتوقف على الواجب، کتوقف ضیاء الشمس علیها. وإلیه یعزى أیضاً غنى کل فقیر وعز کل ذلیل وقوة کل ضعیف; وذلک لأنّ الممکنات والمخلوقات لا تملک لنفسها شیئاً، وکل ما لدیها من الله، وکل کمال تحصل علیه فانّما هو فیض من کماله المطلق.

ملهوف من مادة لهف تعنی فی الأصل الغم والهم الذی یعانی منه الإنسان اثر فقدانه لشیء: کما تستعل أحیاناً لمن یظلم من الأفراد ویصرخ مستغیثاً. ولما کانت قدرة الناس زهیدة لا تمکنهم من تحقیق کافة رغباتهم أو الحفاظ على مالدیهم، فان حالة الهم والغم والحزن تسیطر علیهم حین یفقدون سندهم المادی والمعنوی، فلیس أمامهم من سبیل سوى اللجوء إلى تلک الذات القادرة المقتدرة من أجل حل مشاکلهم والتغلب على مصاعبهم.

والواقع هو أن ماورد سابقاً إنّما اقتبس من عدّة آیات قرآنیة اشارت إلى هذه الصفات. فقد صرح القرآن فی موضع: (وَلِلّهِ یَسْجُدُ ما فِی السَّمـواتِ وَما فِی الأَرضِ)(1). وقال فی موضع آخر: (اللّهُ لا إِلـهَ إِلاّ هُوَ الحَیُّ القَیُّومُ)(2). وقال: (یا أَیُّها النّاسُ أَنْتُمُ الفُقَراءُ إِلى اللّهِ وَاللّهُ هُـوَ الغَنِىُّ الحَمِـیدُ)(3). وقال: (قُلِ اللّهُمَّ مالِکَ المُلْکِ تُـؤْتِی المُلْکَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ المُلْکَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِـیَدِکَ الخَیْرُ إِنَّکَ عَلى کُلِّ شَیء قَدِیرٌ)(4).

ثم اردفه(علیه السلام) بست صفات اُخرى: «ومن تکلم سمع نطقه، ومن سکت علم سره، ومن عاش فعلیه رزقه، ومن مات فاإلیه منقلبه».

نعم فهو علیم بظاهرنا وباطننا، وهو العالم بحیاتنا وموتنا، وإنا إلیه راجعون لا محالة.

والحق لو عشنا الإیمان على مستوى القلب والعمل بهذه الصفات التی بینها الإمام(علیه السلام)لکفتنا فی اصلاح أنفسنا، لابدّ أن نعلم بأنّ کل کالدینا منه سبحانه، وعلینا أن نسأله کل ما نرید، فهو العالم باسرارنا، وأنّ یوماً سنعود إلیه ونمثل بین یدیه فی محکمته العادلة.

ثم قال(علیه السلام) و قد ذکر بعضا من صفات الخالق السلبیة:«لم ترک(5) العیون فتخبر عنک، بل کنت قبل الواصفین من خلقک».

فالعبارة «لم ترک العیون» إشارة إلى أنّه لیس بمخلوق ولا بجسم لیرى، وتبیّن صفاته من خلال الرؤیة والمشاهدة.

والعبارة اللاحقة بمنزلة العلة; لأنّ الله کان منذ الأزل، ولا یمکن أن یکون جسماً. فالجسم حادث. وعلیه فان أردنا أن نصف الذات المقدسة علینا ان نستعین بما أورده انبیاء الله وکتبه السماویة.

ثم اشار(علیه السلام) إلى ثمان صفات اُخرى من صفات الجلال ذات البعد السلبی، وفی الواقع نتحدث عن غنى الحق المطلق.

«لَمْ تَخْلُقِ الْخَلْقَ لِوَحْشَة، وَلاَ اسْتَعْمَلْتَهُمْ لِمَنْفَعَة، وَلاَ یَسْبِقُکَ مَنْ طَلَبْتَ، وَلاَ یُفْلِتُکَ(6)مَنْ أَخَذْتَ، وَلاَ یَنْقُصُ سُلْطَانَکَ مَنْ عَصَاکَ، وَلاَ یَزِیدُ فِی مُلْکِکَ مَنْ أَطَاعَکَ، وَلاَیَرُدُّ أَمْرَکَ مَنْ سَخِطَ قَضَاءَکَ، وَلاَیَسْتَغْنی عَنْکَ مَنْ تَوَلَّى عَنْ أَمْرِکَ».

نعم فهو الغنی عن الجمیع، وکل کماله مصدره الحق سبحانه و لیس لشیء من قدرة على تحدی إرادته ـ و علیه فخلقه للمخلوقات یستند إلى فیضه لالدفع وحشة وحدة أو جلب منفعة، فلا عبادة العباد تزید من جلاله، ولاکفرهم ینال من کبریائه، فمن تولى عنه لم یستغن عنه، و من إعترض على قضائه لم یسعه دفعه. ثم ذکر الإمام(علیه السلام) خمس من صفاته الجمالیة فقال: «کل سر عندک علانیة، وکل غیب عندک شهادة، أنت الابد فلا أمد لک، وأنت المنتهى فلا محیص(7) عنک، وأنت الموعد فلا منجى منک إلا إلیک».

قد تبدو للوهلة الاولى مفردة «سر» و«غیب» بمعنى واحد، وکذلک مفردتی «علانیة» و«شهادة»، ولکن لایبعد أن یکون المراد بالسر، الأسرار الباطنیة للعباد التی یعلمها الله، وبعبارة اُخرى فانّ کل سر علانیة لدیه، أمّا الغیب فیعنی الحوادث الآتیة، أو الماضیة الغائبة على حسناً وشعورناً، أو الکائنات الموجودة حالیا فی هذه السموات والأرض والتی لایبلغها حسنا.(8)

والعبارة أنت الأبد تأکید لأبدیة الله سبحانه. فهو على درجة من الأبدیة وکأنه عینها وذاتها، فهو واجب الوجود، ومن هنا لابدایة له ولا نهایة، فالبدایة والنهایة من صفات المخلوقات المحدودة من مختلف الجهات.

والتعبیر بالمنتهى والموعد صفتان متفاوتان بشأن الله سبحانه وتعالى. فهو المنتهى بمعنى کل شیء ینتهی إلیه: «انا لله وانا إلیه راجعون»، ولیس لأحد القدرة على الفرار من محکمة عدله. وقد قال القرآن الکریم صراحة: (وَعُرِضُوا عَلى رَبِّکَ صَفّاً لَقَدْ جِئْتُمُونا کَما خَلَقْناکُمْ أَوَّلَ مَرَّة بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَکُمْ مَوْعِد)(9).

والرسالة التی تحملها هذه الصفات هو أن نعلم ونؤمن بان الله خبیر علیم بکل شیء بما فی ذلک بواطن أسرارنا وخفایانا، فما نکتمه على الخلق لیس بمکتوم على الخالق، واننا مرجعنا یوماً إلى محکمة العدل الإلهی، واخیراً لایخفى الدور التربوی والحیلولة دون الوقوع فی الذنب والمعصیة إذا ما التفتنا ألى هذه الصفات.

ثم واصل(علیه السلام) کلامه مؤکداً على قدرة الله وعودة جمیع الکائنات الحیة إلیه فقال: «بیدک ناصیة کل دابة، وإلیک مصیر کل نسمة».

فالتعبیر بالناحیة کنایة عن تسلیم المخلوقات لإرادة الله المطلقة. والتعبیر بکل نسمة یعنی فی الأصل هبوب الریاح المعتدلة، ثم اطلق على روح الکائنات الحیة، فی إشارة إلى أنّ کل موجود راجع إلیه ماثل فی محکمته.

ثم اختتم الإمام(علیه السلام) الخطبة بالقول: «سبحانک ما أعظم شأنک! سبحانک ما أعظم ما نرى من خلقک! وما أصغر کل عظیمة فی جنب قدرتک! وما أهول ما نرى من ملکوتک! وما أحقر ذلک فیما غاب عنا من سلطانک».

والحق ان عظمة هذا العالم وعمق غرائبه تتسع لدینا شیئاً فشیئاً کلما تقدمت مسیرة العلم وتطورت الأجهزة. وقد عبرّ أحد العلماء بأنّ عالم الخلقة ـ حسب ما لدینا من معلومات ـ بمثابة المکتبة العظیمة التی تضم ملایین الکتب، وکرتنا الأرضیة بکل ما فیها بمنزلة نقطة فی صفحة من صفحات کتاب من تلک المکتبة الضخمة. کما صرح آخر بأن ما ثبت الیوم أن کواکب السماء على قدر من الکبر بحیث تذهل الإنسان. فکوکب الجوزاء یبلغ أکبر من کرتنا الأرضیة ثلاثین ملیاردا، هذا بالنسبة لکواکب واحد ـ و ما أروع ما قاله الإمام(علیه السلام) بأن ماخفی عنا لأعظم مما نرى ـ و قد قال ذلک حیث تنعدم الإکتشافات آنذاک و حین کانت الهیئة البطلیموسیة التی ترى صغر عالم الوجود هى السائدة فی کافة الأوساط العلمیة.

فقد انطلق الإمام(علیه السلام) فی الواقع من خلال الرؤیة القرآنیة لهذه المسألة (لَخَلْقُ السَّمـواتِ وَالأَرْضِ أَکْبَرُ مِنْ خَلْقِ النّاسِ وَلـکِنَّ أَکْثَرَ النّاسِ لا یَعْلَمُونَ)(10).

ثم اختتم(علیه السلام) کلامه فی بیان نعم الدنیا والآخرة فقال: «وما أسبغ(11) نعمک فی الدنیا، وما أصغرها فی نعم الآخرة».


1. سورة النمل/49.
2. سورة البقرة/255.
3. سورة فاطر/15.
4. سورة آل عمران/26.
5. «لمتر» فعل، والکاف مفعوله، و فاعله «العیون» یعنی «لا تبصرک الانظار».
6. «یفلت» من مادة «افلات» ینفک أویفر. ومنه الحدیث المعروف لعمر فی کتب الفریقین «إن بیعة أبی بکر کانت فلتة وقى الله شرّها».
7. «محیص» من مادة «حیص» على وزن حیف بمعنى العودة والعدول واعتزال الشیء ومحیص اسم مکان، وعلیه قد تعنی الملاذ.
8. یستفاد من المصادر اللغویة ان السر ما یخفیه الإنسان، أمّا الغیب فما خفى على عیننا وحسنا.
9. سورة الکهف/48.
10. سورة غافر/57.
11. «اسبغ» من مادة «اسباغ» الکثیر الوافر. 
القسم الثانیالقسم الأول
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma