الفکر والاعتبار

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
الخطبة 118نظرة إلى الخطبة

إستهل الإمام (علیه السلام) هذه الخطبة بذمّ طائفة من أصحابه وهو یعتب غلیهم ویوبخهم فقال: «فَلاَ أَمْوَالَ بَذَلُْتمُوهَا لِلَّذِی رَزَقَهَا، وَلاَ أَنْفُسَ خَاطَرْتُمْ بِهَا لِلَّذِی خَلَقَهَا».

فالواقع هو أنّ الله تبارک وتعالى خالق الأنفس هو المالک الأصلی لهذه الأموال، وهذه الأموال والأنفس أمانة استودعها الله سبحانه الناس مدّة من الزمان، وإلاّ أنّکم أخلدتم إلیها وإلتصقتم بها وکأنّکم أنتم المالک الأصلی والخالق لها، وهذا قمة الجهل بالواقع، فالعبارة تبدو متناسبة تماماً وإلقاء هذا الکلام بعد معرکة صفین، حیث کانت هناک فئة فی جیش الإمام (علیه السلام) لم تکن مستعدة للمخاطرة بأرواحها دفاعاً عن الحق ولم تکن حاضرة لبذل ما فی أیدیها من أموال لتجهیز جند الإسلام.

ثم واصل الإمام (علیه السلام) کلامه قائلاً: «تَکْرُمُونَ(1) بِاللّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَلا تُکْرِمُونَ اللّهَ فِی عِبَادِهِ!».

حقاً إنّ هذا الإزدواج لشیء عجیب فی أن یتوقع الإنسان أن یعزّه ویکرمه الناس على أنّه عبد من عباد الله، بینما لا یکرم أی من عبید الله سبحانه، فهو لا ینفق شیئاً من ماله ولا یضحی بنفسه من أجل الوقوف بوجه الظالم ونصرة المظلوم.

ثم یختتم الإمام (علیه السلام) کلامه بتحذیرهم وضرورة الاعتبار بمن سبقهم حیث سیجری علیهم نفس الحکم، وإن کانوا رحلوا فسترحلون ویأتی قوم آخرین یسکنون مساکنکم کما سکنتم منازل من کان قبلکم کما علیهم الإتعاظ بانفصام عرى القرابة حتى مع أقرب إخوانکم، فقد رأیتم بأعینکم ذهاب بعض أعزتکم وقریباً ما تلحقون بهم: «فَاعْتَبِرُوا بِنُزُولِکُمْ مَنَازِلَ مَنْ کَانَ قَبْلَکُمْ، وَانْقِطَاعِکُمْ عَنْ أَوْصَلِ إِخْوَانِکُمْ».

فهذا دلیل آخر على أنّ کافة الأموال والأنفس ودائع وهى مخلوقة جمیعاً لله، وأنّه سبحانه یداول هذه الأموال والمساکن والمناصب بین الناس إلى أجل مسمى، والتاریخ أعظم شاهد على هذا الأمر.

فلسنا أول من وطأنا هذا العالم، ولسنا بأخر من یغادره، إننا حلقة صغیرة ضمن هذه السلسلة الطویلة الممتدة منذ بدایة الخلیقة حتى نهایة العالم، فمن الغفلة ألا نرى الحلقات السابقة واللاحقة، فلا نعرف موقعنا فی هذا العالم ونرى هذه الدنیا خالدة دائمة لنا.

وزبدة الکلام فانّ الإمام (علیه السلام) کشف النقاب عن المکنون بهذه العبارات بما یوقظ النائم الغافل ویقض مضجع من یشهد سکر المال والمقام والجاه.


1. ورد الفعل تکرمون بصیغة الفعل الثلاثی المجرد المعلوم الذی یعنی الإکرام والاحترام، وهى هنا بمعنى انتظار الإکرام.

 

الخطبة 118نظرة إلى الخطبة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma