المخلّفون الضعفاء والجهّال

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
القسم الثانیالقسم الأول

حین بلغ الإمام (علیه السلام) هجوم أعوان معاویة على بعض المناطق الحدودیة، جمع الناس وأمرهم بالحرکة إلى الجهاد، لکن وکما ورد فی الخطبة المذکورة سکت الناس ولم یجیبوه، فامتعظ الإمام (علیه السلام) وتأثر شدیداً فقال: فَقَالَ (علیه السلام) : «مَا بَالُکُمْ أَمُخْرَسُونَ أَنْتُمْ؟

فَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ: یَا أَمِیرَالْمُؤْمِنِینَ، إِنْ سِرْتَ سِرْنَا مَعَکَ».

فردّ علیهم الإمام بعنف بعدم التوفیق وبلوغ الهدف(1)، فلا ینبغی للإمام الحرکة فی مثل تلک الظروف: «فَقَالَ (علیه السلام) : مَا بَالُکُمْ! لاَ سُدِّدْتُمْ(2) لِرُشْد! وَلاَ هُدِیتُمْ لِقَصْد! أَفِی مِثْلِ هذَا یَنْبَغِی لِی أَنْ أَخْرُجَ؟ وَإِنَّمَا یَخْرُجُ فِی مِثْلِ هذَا رَجُلُ مِمَّنْ أَرْضَاهُ مِنْ شُجْعَانِکُمْ وَذَوِی بَأْسِکُمْ».

فلم یکم متعارفاً فی أی مکان من الدنیا ولا عصر من العصور أن ینهض زعیم فرقة أو رئیس دولة بشخصه للتدخل فی حادثة صغیرة وبلبلة معینة، بل عادة ما یوجه لها أحد آمریه برفقة مجموعة من العناصر الشجاعة والوفیة من أجل إخماد الفتنة وحل النزاع، وذلک لأنّ التخلی عن مرکز الحکومة من شأنه أن یقود إلى عدّة مخاطر جانبیة، ومن هنا واصل الإمام کلامه قائلاً: «وَلاَ یَنْبَغِی لِی أَنْ أَدَعَ الْجُنْدَ وَالْمِصْرَ وَبَیْتَ الْمَالِ وَجِبَایَةَ الاَْرْضِ، وَالْقَضَاءَ بَیْنَ الْمُسْلِمیْنَ، وَالنَّظَرَ فِی حُقُوقِ الْمُطَالِبینَ، ثُمَّ أَخْرُجَ فِی کَتِیبَة(3) أَتْبَعُ أُخْرَى، أَتَقَلْقَلُ تَقَلْقُلَ(4) الْقِدْحِ(5) فِی الْجَفِیرِ(6) الْفَارِغِ(7)».

فقد أشار الإمام (علیه السلام) بهذه العبارة إلى ستة جوانب تتضمن الوظائف المهمّة لرئیس الدولة یمکنها الإنهیار جمیعاً فیما إذا شغر مرکز الحکومة من ذلک الرئیس، وهى الاشراف على الجند وأمور العسکر والجیش والحفاظ على مرکز الدولة وحفظ بین مال المسلمین وجبایة الخراج والضرائب والقضاء بینهم والدفاع عن حقوق عنهم.

فمن البدیهی یمکن لرئیس الدولة أن یشخص بنفسه للتعامل مع الحوادث الضحمة ویهب لمواجهة العدو، أمّا فی غیرها من الحوادث ذات الطبیعة العادیة، فیمکن لغیره التعامل معها، وتشیر سیرة الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) أنّه کان یشخص بنفسه الشریفة فی الغزوات المهمّة المصیریة، فیتزعم الجند، وکان ینصب بعض الأفراد فی الغزوات العادیة فیسلمه الرایة ویوصیه ببعض التعالیم کما یوصی الجیش بطاعة أوامره، وهکذا کانت تحصل أغلب الغزوات فی تاریخ الإسلام والتی یصطلح علیها عادة بالسریة، غایة ما فی الأمر أنّ صحابة النبی  الأکرم (صلى الله علیه وآله) کانوا یأتمرون بأوامره بحیث یطیعونه فی کل ما یقول ولم یکن یرد علیه أحد بأن سرت سرنا معک.

نعم، صحیح لکل قسم مسؤول على أساس تقسیم وتنظیم شؤون البلاد، لکن لا یخفى الدور الحیوی الذی یلعبه الرئیس المشرف على اُولئک المسؤولین فی تقدم الأعمال والنهوض بها قدماً، هذا الأمر واضح تماماً، بل هو من البدیهیات، لکن اُولئک المتقاعسون المسلوبون الإرادة والضعاف الذین یتذرعون بمختلف الذرائع من أجل إجتناب مواجهة العدو فیشترطون شرطاً غایة فی البعد عن المنطق لخروجهم، وبعبارة أخرى شرطهم هو تعلیق على المحال، ویواصل الإمام (علیه السلام) کلامه من خلال تشبیه رائع لشخصه بقطب الرحا ومحورها والذی یفید ضرورة بقائه فی موضعه (بحیث تدور کل الأمور من خلاله) فان إبتعد هذا المحور عن مرکزه اختلت حرکة جمیع الأشیاء: «وَإِنَّمَا أَنا قُطْبُ الرَّحَى، تَدُورُ عَلَیَّ وَأَنَا بِمَکَانِی، فَإِذَا فَارَقْتُهُ اسْتَحَارَ(8) مَدَارُهَا، وَاضْطَرَبَ ثِفَالُهَا».

فقد جرت العادة سابقاً على الاستفادة من الرحى الیدویة أو المائیة والهوائیة من أجل طحن الحنطة والشعیر، وکانت بنیة هذه الآلیات بسیطة وواضحة، فقد کانت هناک حجرة ثابتة فی الأسفل وأخرى تتحرک فی الأمام بواسطة حرکة الید أو ضغط الماء الذی یعبر من تحتها أو الریاح، وکان وسط الحجرین قطب یدور حول محوره الحجر لو کسر القطب لخرج الحجر عن مساره ووقع جانباً إلى جانب ذلک کان هناک جلد کبیر أو قطعة من القماش تبسط تحت الرحا لجمع الدقیق بسهولة، حیث إذا خرج الدقیق من وسط الحجرین وقع علیه، ولو زال ذلک القطب والمحور الأصلی لوقفت الرحا عن الحرکة ووقع الحجر على تلک القطعة من القماش أو الجلد وإضطراب.

هذا ما أشار إلیه الإمام بقوله: «اسْتَحَارَ مَدَارُهَا، وَاضْطَرَبَ ثِفَالُهَا»، إضافة إلى ذلک فانّ الشیء الذی یحرک الحجر فی الرحا هو ذلک الواقع فی وسط الحجر والذى یتصل من الأسفل بمحور أکبر یصب علیه الماء من جانب ویحرکه، وهکذا یکون القطب عامل حرکة وعامل تنظیم، وهذه هى منزلة الإمام والقائد.

وأخیر یخلص الإمام إلى النتیجة صریحة بأنّ ذلک الاقتراح مرفوض تماماً فی أنّ یشخص بنفسه لإطفاء کل فتنة هنا وهناک تارکاً لمرکز الحکومة: «هذَا لَعَمْرُ اللّهِ الرَّأْیُ السُّوءُ!».

حقاً أنّه لإقتراح فاشل بشهادة کل مدیر ومسؤول له علم بهذه الأمور فی أنّ القائد لا یفارق موقعه ومرکز ثقله ومهامه سوى فی الحوادث المهمّة.


1. هنالک خلاف بین شرّاح نهج البلاغة بشأن هذه الجملة هل هى جملة خبریة تخبر عن وضع جماعة الکوفة الضعیفة والمسلوبة الإرادة على أنّهم سلکوا سبیلاً لا یدعهم یتوفقون فی حیاتهم أبداً، أم أنّها جملة إنشائیة ونوع من الاشمئزاز، یبدو المعنى الثانی هو الأنسب.
2. «سددتم»: من مادة «سد» المعروف المعنى ولما کان السد هو البناء المحکم فالتسدید یعنی الإحکام والترسیخ وسدده وفقه للسداد.
3. «کتیبة»: طائفة من الجیش قال بعض أرباب اللغة یتراوح عددها من مئة إلى ألف.
4. «تقلقل»: الحرکة من جانب إلى آخر.
5. «قدح»: بکسر القاف السهم أو القطعة من الخشب وقیل أیضاً هو السهم قبل أن یراش وینصل.
6. «جفیر»: الکنانة التی توضع جانب الفرس وتوضع فیها السهام.
7. «الفراغ»: بمعنى الخالی.
8. «استحار»: من مادة «تحیر وحیرة» بمعنى التردد والاضطراب وتطلق على السحب الثقیلة التی لا تدعها الریاح تتحرک فی مسارها وکأنّها تبقى مضطربة مترددة.

 

القسم الثانیالقسم الأول
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma