سبع وصایا فی فنون القتال

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
القسم الثانیالقسم الأول

یرى بعض کبار المحدثین أنّ هذه الخطبة تبتدأ کالآتی: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجلَّ دَلَّکُم عَلَى تِجارَة تُنجِیکُم مِنْ عَذاب أَلِیم وَتُشفِی بِکُم عَلَى الخَیرِ الإِیمـانُ بِاللهِ وَالجِهادُ فِی سَبِیلِ اللهِ وَجَعَلَ ثَوابَهُ مَغفِرَةً لِلذَنْبِ وَمَساکِنَ طَیِّبَة فِی جَنَّاتِ عَدْن وَقَالَ عَزَّ وَجلَّ: (إِنَّ اللهَ یُحِبُّ الَّذِینَ یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِهِ صَفّاً کَأَنَّهُمْ بُنیَانٌ مَرْصُوصٌ)(1) فَقَدِّمُوا الدَّارِعَ...»(2).

ثم أشار فی مواصلته لهذا الکلام إلى سبع وصایا هامّة فی فنون تحقیق النصر، فقال فی وصیّته الاُولى بهذا الشأن: «فَقَدِّمُوا الدَّارِعَ(3)، وَأَخِّرُوا الْحَاسِرَ(4)».

فمن الطبیعی أن یکون قلیلاً هو الضرر الذی یتعرض له من یلبس الدرع بفعل السهام والسیوف، ومن هنا لا یسع العدو السیطرة علیهم، ومن لم یتدرع یمکنه أن یواصل قتاله وهجماته من خلفهم، والذی یستفاد من هذه العبارة وجود فئة فی میدان القتال لم ترتدی الدرع، وذلک إمّا یعود إلى الأزمات والمشاکل التی یعیشها المجتمع الإسلامی، أو أنّ إرتداء الدرع کان یثقل على البعض ویعیق حرکته فی میدان القتال، ولذلک کان الأشداء من المقاتلین هم الذین یتدرعون.

وقال (علیه السلام) فی وصیّة الثانیة: «وَعَضُّوا عَلَى الاَْضْرَاسِ(5)، فَإِنَّهُ أَنْبَى(6) لِلسُّیُوفِ عَنِ الْهَامِ(7)».

وکما ذکرنا فی شرح الخطبة الحادیة عشرة أنّ لهذه الخطبة فائدتان، الاُولى إزالة الخوف والرعب، أو الحدّ من هذا الخوف إلى أقلّ درجة، ومن هنا فانّ الإنسان یعمد إلى إطباق أسنانه على بعضها حین الخوف بهدف إزالته، والأخرى تبقی على صلابة عظام الرأس فلا تتأثر کثیراً بضربات السیف.

وقال فی الوصیّة الثالثة: «وَالْتَوُو(8) فِی أَطْرَافِ الرِّمَاحِ، فَإِنَّهُ أَمْوَرُ(9) لِلاَْسِنَّةِ».

والوصیّة أشبه بما یقال الیوم، إن أراد أحد أن یرمیک تحرک یمیناً وشمالاً، أی علیک بتغییر موضعک باستمرار حتى لا یتمکن العدو من التصویب باتجاهک.

جدیر بالذکر أنّ بعض شرّاح نهج البلاغة أشار أنّ المراد بالانعطاف والانحناء حین الهجوم بالحربة على العدو، فانّ ذلک یضاعف من دقّة الحربة لمواجهة ضد جسد العدو، لکن بالإلتفات إلى الوصایا السابقة واللاحقة لهذه الوصیة والتی تبیّن فنون الدفاع، فانّ المعنى الأول یبدو هو الأنسب، لا سیّما التعبیر بالحرف فی لا یتناسب والمعنى الثانی، بینما یتناسب ما إخترناه حتى التعبیر الأمور المأخوذ من مادة مور والذی یعنی الاضطراب.

وقال فی الوصیّة الرابعة بعض النظر (وعدم النظر إلى کثرة العدو وآخره) فذلک أسکن للقلب: «وَغُضُّوا الاَْبْصَارَ، فَإِنَّهُ أَرْبَطُ لِلْجَأْشِ(10)، وَأَسْکَنُ لِلْقُلُوبِ».

تختلف هذه الوصیّة عن سابقاتها لاشتمالها على بعد نفسی ونعلم جمیعاً أنّ روحیة الجنود کلما کانت مرتفعة کان الأمل بالنصر أکثر، ومن هنا أکّد الإمام (علیه السلام) هذا المعنى مراراً وقد مرّ علینا نموذج ذلک فی الخطبة 11 و 66.

وقال فی الوصیة الخامسة: «وَأَمِیتُوا الاَْصْوَاتَ، فَإِنَّهُ أَطْرَدُ لِلْفَشَلِ».

من الطبیعی أنّ الإنسان حین ینشغل بالحدیث فانّه یستهلک جانباً من قواه الفکریة وکذلک جانباً من طاقته البدنیة ویحد من ترکیزه الفکری والالتفات إلى حملات العدو المبرمجة، ومن هنا فانّ العدو الصامت البعید عن الضوضاء والضجیج یبدو أخطر من غیره. ولذلک ورد بشأن معرکة بدر أنّ قریش تعجبت من قلّة عدد جیش الإسلام وتصورت أنّ عدد المسلمین أکثر ممّاترى ولعلهم إختفوا خلف التلة حیث یردون میدان القتال فی الوقت المناسب، فبعثوا بعمیر بن وهب لینظر أطراف المیدان، فرکب فرسه وجعل ینظر حول الصحرا ولم یر شیئاً، فعاد وقال: عدد المسلمین یقارب الثلاثمائة، إلاّ أنّی رأیتهم مستعدین للقتال ولا یقوى أحد على مواجهتهم، أمّا ترونهم خرسا لا یتکلمون، یتلمذون تلمذ الأفاعی ما لهم ملجأ إلاّ سیوفهم وما أراهم یولون حتى یقتلوا ولا یقتلون حتى یقتلوا بعددهم(11).

وقال فی الوصیّة السادسة: «وَرَایَتَکُمْ فَلاَ تُمِیلُوهَا وَلاَ تُخِلُّوهَ(12) وَلاَ تَجْعَلُوهَا إِلاَّ بِأَیْدِی شُجْعَانِکُمْ، وَالْمَانِعِینَ الذِّمَارَ(13) مِنْکُمْ».

ثم أتمّ کلامه باستدلال منطقی قائلاً: «فَإِنَّ الصَّابِرِینَ عَلَى نُزُولِ الْحَقَائِقِ(14) هُمُ الَّذِینَ یَحُفُّونَ بِرَایَاتِهِمْ، وَیَکْتَنِفُونَهَا: حِفَافَیْهَ(15)، وَوَرَاءَهَا وَأَمَامَهَا; لاَ یَتَأَخَّرُونَ عَنْهَا فَیُسْلِمُوهَا، وَلاَ یَتَقَدَّمُونَ عَلَیْهَا فَیُفْرِدُوهَا».

کان للرایة أهمیّة خاصة فی میدان القتال فی الأزمنة الماضیة، وذلک لدورها فی إرتباط الصفوف والتحامها، وحین کان ینهمک المقاتلون وسط المیدان وجوانبه بالقتال، کانوا یلتفون حین الضرورة حول الرایة لإعادة تنظیم صفوفهم وشن الحملات من جدید، وإن سقطت الرایة اضطرب العسکر وأحیاناً کان ینهار، ولذلک ترى العدو یسعى جاهداً للإحاطة بالرایة، بینما یحاول الطرف الآخر الابقاء على الرایة مرفوعة وهو یدافع عنها بکلّ ما اُوتی من قوّة، فقد کان سقوطها یعنی الهزیمة، وزبدة الکلام فانّ انتصاب الرایة دلیل على القدرة وسبب قوّة وعزیمة المقاتلین وحلقة اتصالهم مع بعضهم، ولهذا ما انفک الإمام (علیه السلام) عن التأکید وصایاه بحفظ الرایة، حیث أکد من جهة ضرورة ثبوت موضع الرایة وأنّ حماتها من أشجع الأفراد، ومن جهة اُخرى یوصی حملة الرایة بعدم التخلی عنها ومراقبتها من جمیع الجهات، لا أنّ یتخلفوا عنها ولا یتقدمواعلیها، ویضحوا بالغالی والنفیس من أجل حفظها بفضلها علامة الاقتدار والشموخ وورد فی شأن غزوة خیبر التی.لف الفریقان بخصوصها عشرات الروایات أنّ رسول الله (صلى الله علیه وآله) أعطى الرایة فی الیوم الأول إلى أبی بکر فلم یتمکن من فتح قلاعها، وفی الیوم الثانی أعطاها عمر بن الخطاب، فلم یفلح، فقال (صلى الله علیه وآله): «لاَُعطِیَنَ الرایةَ غَداً رَجُلاً یُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ ویُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ کَرّارٌ غَیرُ فَرّار یَفتَحِ اللهُ عَلَیهِ»(16).

فامتدت الأعناق فی الیوم التالی لیروا من هو ذلک الرجل، وقد تمنى کل فرد (شجاع) أن یکون هو المعنی فیعطیه رسول الله (صلى الله علیه وآله) الرایة، نادى رسول الله (صلى الله علیه وآله) علیاً (علیه السلام) وسلّمه الرایة فلم یرجع إلاّ بعد أن فتح خیبر واستسلم له أهلها، هذه دلالة على الأهمیّة الفائقة للرایة وحاملها فی ذلک الزمان، وقد تکرر نفس هذا المعنى فی عصر علی (صلى الله علیه وآله) مالک الأشتر النخعی وقال له علمت بوقوفک فی القتال وشجاعتک ولولا ذلک لدفعت الرایة إلى غیرک، فردّ علیه بالقول: «لأسرنّک الیوم یا مالک أو اُقتل شهیداً»(17).

ثم أشار الإمام (علیه السلام) فی وصیّته السابعة والأخیرة إلى قضیة أخرى من تکتیکات الحرب أنذاک فقال: «أَجْزَأَ امْرُؤٌ قِرْنَهُ(18)، وَآسَى(19) أَخَاهُ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ یَکِلْ قِرْنَهُ إِلَى أَخِیهِ، فَیَجْتَمِعَ عَلَیْهِ قِرْنُهُ وَقِرْنُ أَخِیهِ».

یتضح المفهوم الدقیق لهذا الکلام فیما لو دققنا بصورة صحیحة على وضع الحروب فی ذلک الزمان، فقد کانت للمعرکة فی ذلک الوقت ثالث صور (وأحیاناً کانت تتحقق الصور الثلاث فی نفس المعرکة):

الأولى: أن یتقدم أحد الشجعان وسط المیدان ویدعو شجاعاً آخر من العدو لمبارزته، فیتبارزان حتى یهلک أحدهما.

الثانیة: أن یتقدم المیدان عدّة أفراد لیقف کل واحد منهم أمام خصمه فیبدأ بینهم القتال.

الثالثة: أن تدور المعرکة بین المعسکرین بأکملهما طبعاً هناک صورة رابعة تکون المعرکة فیها غادرة کأن تنهال طائفة على فرد فتنزل علیه ضرباتها من کل جانب، ویبدو أنّ العبارة تشیر إلى هذه الصورة الثانیة التی یبرز فیها عدّة أفراد إلى أمثالهم، وفی هذه الحالة لا ینبغی لأحد أن یترک خصمه لآخر، بل یبارز کل واحد خصمه فیراعی المساواة والمواساة وتقف من خلال هذه الوصایا على مدى خبرة الإمام (علیه السلام) بفنون القتال حیث یعرّف أصحابه على أدق تفاصیل القتال قبل البدء فیه.


1. سورة الصف / 4.
2. الکافی 5/39، ح4.
3. «الداع»: بمعنى لابس الدرع من مادة درع على وزن فعل.
4. «الحاسر»: من لا درع له من مادة حسر على وزن عصر بمعنى العری.
5. «أضراس»: جمع «ضرس» على وزن حرس الإنسان وردت بمعنى سن العقل.
6. «أنبى»: من مادة «نبو» على وزن عفو بمعنى عدم العمل.
7. «الهام»: جمع «هامة» على وزن قامة رأس الإنسان أو رأس أی موجود حی.
8. «التووا»: من مادة «التواء» بمعنى الانعطاف أو المیل لهذا الجانب وذاک.
9. «أمور»: من مادة «مور» على وزن غور بمعنى الحرکة السریعة، کما وردت بمعنین الذهاب الإیاب والاضطراب وهذا هو المعنى المراد فی العبارة.
10. فسرّت هذه المفردة سابقاً.
11. منتهى الآمال، ج1، وقائع العام الهجری الثانی.
12. «تخلّوا»: من مادة «تخلیة» بمعنى الإخلاء والترک، وعلیه فالصحیح فتح الخاء لأنّها من باب التفعیل.
13. «ذمار»: بکسر الذال ما یلزم الرجل حفظه وحمایته.
14. «الحقائق»: جمع «حاقة» على وزن جادة النازلة الشدیدة.
15. «حفافی»: مثنى «حفاف» على وزن کتاب بمعنى جانب الشیء وحفافیها هنا إشارة إلى جانبی الرایة یمینها وشمالها.
16. الکامل لابن الأثیر 2/219، وتفسیر الثعلبی (طبق نقل غایة المرام، /467) وصحیح مسلم، ج4 کتاب الفضائل الصحبة الحدیث 32; صحیح البخاری 5/171 باب غزوة خیبر (طبعاً ذکرت الجملة الأخیرة فقط بشأن علی (علیه السلام) فی صحیح البخاری مسلم).
17. شرح نهج البلاغة للعلاّمة التستری 13/558.
18. «قرن»: الکفؤ وعدل الإنسان فی الشجاعة فی میدان القتال ویطلق أحیاناً القرن على کل کفو، وقد اشتق فی الأصل من قرن بفتح القاف والاقتران الذی یعنی الاقتراب بین شیئین أو عدة أشیاء، ومن هنا یقال للزمان الطویل قرن حیث تکون فیه طائفة من الأجیال مع بعضها.
19. «آسى»: من مادة «وسى» على وزن مشى بمعنى عاون والمواساة تعنی المعاضدة ومساعدة کل واحد الآخر.

 

القسم الثانیالقسم الأول
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma