بحث فی اسلوب تقسیم العطاء

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
الخطبة 127المنصب والعدالة

یستفاد من هذه الخطبة الشریفة أنّ الإمام (علیه السلام) کان شدید الحرص على تقسیم أموال بیت مال المسلمین بینهم بالسویة دون أن یکون هناک أدنى امتیاز لشریف على وضیع وشخصیة سیاسیة واجتماعیة وحتى السابقین فی الإسلام، بل حتى أهل الحاجة على أحد من الناس، وهذا ما کانت علیه الحال على عهد رسول الله (صلى الله علیه وآله) ویبدو أنّه کان النهج الذی اعتمده الخلیفة الأول أیضاً، حتى خلافة عمر حیث إتّبع التمییز والاخذ بنظر الاعتبار الاُمور السیاسیة والاجتماعیة فی تقسیم بین المال.

قال ابن أبی الحدید: أمّا عمر فانّه لما ولّى الخلافة فضل بعض الناس على بعض، ففضّل السابقین على غیرهم، وفضّل المهاجرین من قریش على غیرهم من المهاجرین، وفضّل المهاجرین کافة على الأنصار کافة، وفضلّ العرب على العجم، وفضّل الصریح على المولى، وقد کان أشار على أبی بکر فی أیّام خلافته بذلک، فلم یقبل وقال هذا خلاف کتاب الله، ولما ولّى عثمان الخلافة بلغ التمییز قمته، فقد فضّل آنذاک کافة قرابته وبطانته، فقسم بینهم أغلب أموال بیت المال(1)، وقد ذکر العلاّمة الأمینی(رحمه الله) فی المجلد الثامن من کتابه الغدیر الصفحة (486) عنواناً أسماه (الفوضى فی مال الله) جمع فیه الأرقام الدقیقة التی روتها مختلف مصادر العامّة بشأن هباته إلى قبیلته وأعوانه، وهى الأرقام التی تذهل کلّ إنسان حین یتأملها، فکان هذا أحد العوامل التی دعت الناس للقیام علیه، کما أنّ رفع هذه الامتیاز من قبل الإمام (علیه السلام) کان أحد العوامل التی جعلت زعماء القبائل یتمردون علیه (کما یفهم من هذه الخطبة وسائر خطب نهج البلاغة)(2).

والطریف فی الأمر أنّ أصحاب الإمتیازات فی ذلک الزمان لم یخفوا هذا الأمر، کما نقل ذلک الطبری فی تاریخه، حیث قال رجل لأبی عبدالرحمن السلمی (الذی کان معروفاً آنذاک)(3): ناشدتک الله متى عادیت علیاً (علیه السلام) ألیس ذلک حین قسم العطاء ولم یعطک وأهلک شیئاً (وقد استغلوا بیت المال قبل ذلک)؟ قال أبو عبدالرحمن: بلى هو کذلک.(4)

على کلّ حال لابدّ من بحث جذور مسألة المساواة التی تأکدت على عهد رسول الله (صلى الله علیه وآله)وعلی (علیه السلام)، قطعاً إن ذلک یعود إلى ماهیة الأموال التی کانت ترد بیت المال، وتوضیح ذلک أنّ الأموال التی کانت ترد بیت المال تستند إلى نواحی:

الأولى: غنائم الحرب وتعلم أنّ لیس هناک أی تفاوت بین المقاتلین بخصوص الغنائم الحربیة، سوى أنّ الفارس کان یأخذ ضعف الراجل (بسبب التکالیف المتعلقة بالمرکب، فهم الذین کانون یعدونه، إضافة إلى دور الفارس مقارنة بدور الراجل فی المعرکة).

الثانیة: أموال الخراج وهى الأموال المتعلقة بالأراضی الإسلامیة والتی کانت تشکل أغلب بین المال على عهد الخلفاء، فهذه الأموال تتعلق بجمیع المسلمین ولابدّ من تقسیمها بالسویة علیهم، وذلک لأنّ أراضی الخراج ملک لعامّة المسلمین وینبغی توزیعها علیهم بالسویة، حیث یتقسم دخل الملک المشاع بالتساوی على جمیع المالکین، لأنّ سهم ملکیة الجمیع متساوی.

الثالثة: الجزیة والأموال التی تجبى من غیر المسلمین إزاء ما یتمتعون به من دعم وحمایة من جانب الحکومة الإسلامیة إلى جانب حفظ أموالهم وأعراضهم، ویرى طائفه من کبار الفقهاء أنّ مصاریف الجزیة هى مصارف الخراج المتعلقة بجمیع المسلمین.

الرابعة: الزکاة التی تفرض على بعض الأجناس بمقدار معین وقد تکفل القرآن الکریم ببیان مصاریفها الثمانیة، وقد قسمت بصورة عامّة إلى الفقراء، والمساکین، حسب حاجتهم وفی موارد مصاریف الجهاد حسب الحاجات، وعلیه فالمعیار فی تقسیمها الحاجة لا المساواة.

الخامسة: الخمس وهى الأموال المفروضة على کافة الإیرادات بعد طرح التکالیف ومخارج السنة، وعلى وضوء ما أورده القرآن الکریم والروایات فانّ الخمس نصفان، نصف یتعلق بأهل الحاجة من بنی هاشم، والنصف الآخر بإمام المسلمین والذی ینفقه فی حاجیات الحکومة الإسلامیة.

السادسة: الأنفال التی تشمل جمیع الأموال التی لیس لها ملکیة خاصة کالأراضی الموات والبساتین وبعض المعادن وسواحل البحار والأرضی البوار التی غادرها أصحابها وانصرفوا عنها، فهى الأخرى جزء من أموال الدولة وتتعلق بجمیع المسلمین، ولکل مصدر من المصادر الست الماضیة بحث مفصّل ورد فی الکتب الفقهیة مثل کتاب الخمس وکتاب الزکاة وکتاب الجهاد.

وهنا یطرح هذا السؤال: أی من هذه الأموال الست التی ینبغی توزیعها بصورة مساویة بین المسلمین وقد عمل بذلک رسول الله (صلى الله علیه وآله) واستمر العمل بها حتى فی زمان الخلیفة الأول، وواصلها الإمام علی (علیه السلام) إحیاءً للسنّة بعدما إندرست على عهد الخلیفة الثانی والثالث؟

یبدو أنّ تلک الأموال هى أموال الخراج (ویحتمل إلحاق الجزیة بها) والتی کانت تشکل فی ذلک الزمان القسم الأعظم من بیت المال، وقد کانت إلى درجة من الکثرة بحیث لم تکن هناک من أهمیّة لسائر موارد بیت المال فی مقابلها، ولذلک فانّ أحد البرامج الرئیسیة للولاة الذین یتجهون إلى مختلف المناطق جبایة الخراج، ویستفاد هذا المعنى من أغلب الرسائل الواردة فی نهج البلاغة، ومن ذلک عهد الإمام (علیه السلام) إلى مالک الأشتر(رضی الله عنه) ورسالته (علیه السلام) إلى مصقلة بن هبیرة (الرسالة 53 و 43).

وبناءاً على ما تقدم فانّ وزع قسم آخر من أموال بیت المال بصورة غیر متساویة على أساس مصالح المسلمین والحکومة الإسلامیة على ضوء المدارک الفقهیة، فلیس هناک من منافاة مع ما ورد فی هذه الخطبة وأمثالها.

أضف إلى ذلک فانّ هناک تقسیماً لأموال بین المال على أساس مصالح المسلمین والخدمات التی یقوم بها بعض الأفراد، لا على أساس المصالح الشخصیة کما کان یفعل ذلک معاویة، حیث کان یشتری زعماء القبائل بما یغدق علیهم من أموال، حتى کان یغرر ببعض الأفراد ضعاف الإیمان من جیش الإمام (علیه السلام) فیغریهم بما ینفقه علیهم من أموال کثیرة(5)، وهذا بحدّ ذاته یمثل جنایة عظمى لا یمکن تدارکها والإغماض عنها، وقد کان الإمام (علیه السلام) کما ورد فی هذه الخطبة یتنفر من هذا العمل، وقد غضب بشدّة على من اقترح علیه استمالة الأشراف وزعماء القبائل بالأموال.

وبالطبع فانّ هذه مدرسة الأحرار والأتقیاء الأوفیاء التی کانت وما زالت تتضاد ومدرسة سماسرة السیاسة وعبدة المناصب وأسرى الأهواء.


1. مرّت تفاصیل ذلک فی شرحنا للخطبة الشقشقیة.
2. انظر الخطبة 232.
3. ابو عبدالرحمن السلمی من مشاهیر التابعین، ولم یکن من الصحابة وقال البعض کان بادىء الأمر من خواص أمیرالمؤمنین (علیه السلام) (الکنی والالقاب).
4. کتاب منتخب ذیل المذیل، ص147 نقلاً عن العلاّمة التستری فی شرحه لنهج البلاغة 6/491.
5. ورد عن معاویة أنّه قال: «واللهِ لأستَمِیلنّ بالأموالِ أَهلَ ثُقاتِ علیٍّ ولااُقسِمَنَّ فِیهِم المالَ حتّى تَغلِبَ دُنیای عَلَى آخِرَتِهِ» شرج نهج البلاغة للعلاّمة التستری 6/491.

 

الخطبة 127المنصب والعدالة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma