نبوءة أخرى

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
فتنة المغولالقسم الثانی

خاض الإمام (علیه السلام) فی هذا القسم من الخطبة فی نبوءة عجیبة أخرى طبقها المرحوم السید الرضی وتقریباً کافة شرّاح نهج البلاغة على المغول وحملاتهم الوحشیة الهدّامة، ومن هنا قال المرحوم السید الرضی: القسم الآخر من الخطبة فی وصف الأتراک (المغول).

فقد قال الإمام (علیه السلام): «کَأَنِّی أَرَاهُمْ قَوْماً «کَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الَْمجَانُّ(1) الْمُطَرَّقَةُ(2)».

وردت المفردة «کأنّی» فی عدّة موارد من نبوءات أمیرالمؤمنین علی (علیه السلام)، والمفردة أراهم إشارة إلى الشهود الباطنی والبصیرة التی کانت ترى الحوادث المستقبلیة عبر القرون فیخبر عنها بصورة دقیقة، وتشبیه وجوههم بالدروع لأنّ وجوههم کانت عریضة وکبیرة ووصفها بالمطرقة یمکن أن یکون إشارة أنّ أغلب وجوههم کانت تشبه بالضبط موضع المطرقة على صفیحة الترس، ثم قال (علیه السلام): «یَلْبَسُونَ السَّرَقَ(3) وَالدِّیبَاجَ(4)، وَیَعْتَقِبُونَ(5) الْخَیْلَ الْعِتَاقَ(6)».

فالعبارة تفید أنّ هؤلاء وإن کانوا فقراء وجوعى أول أمرهم یرتدون الثیاب الخشنة، إلاّ أنّهم حین یستولون على البلدان الغنیة ویسیطرون على أموالهم وثرواتهم یتجهون صوب الثیاب الفاخرة والخیول النفیسة، ویحتمل أن یکون المراد أنّ لهم رغبة شدیدة فی القتال، ومن المعروف أن لبس الحریر یمنح الإنسان قوة القلب ویجعله أکثر مقاومة للسیف، کما للخیول الخفیفة دور مهم فی میدان القتال، وهذا ما یجعلهم یتجهون إلى هذه الأمور.

ثم خاض الإمام (علیه السلام) فی أعمالهم وأشار بعبارات قصیرة إلى أبعاد ما یرتکبونه من فاجعة فقال: «وَیَکُونُ هُنَاکَ اسْتِحْرَارُ(7) قَتْل حَتَّى یَمْشِیَ الَْمجْرُوحُ عَلَى الْمَقْتُولِ، وَیَکُونَ الْمُفْلِتُ(8) أَقَلَّ مِنَ الْمَأْسُورِ(9)!».

فالعبارتان تشیران إلى مدى سعة أبعاد الفاجعة، حیث لا یبقى فی الأرض مکان یسمح لعبور الجرحى، لابدّ من وضع أقدامهم على أجساد القتلى، ومن لم یقتل یؤسر، وقلیل هم الناجون، وإنّ أدنى مطالعة فی تاریخ المغول تفید انطباق جمیع هذه الأوصاف علیهم، قال ابن أبی الحدید: واعلم إنّ هذا الغیب الذی أخبر به علی (علیه السلام) قد رأیناه نحن عیاناً ووقع فی زماننا فقد فعل هؤلاء القوم ما لم تحتو التواریخ منذ خلق الله تعالى آدم إلى عصرنا هذا على مثله(10).

وهنا یبرز هذا السؤال: ماذا کان قصد الإمام (علیه السلام) بالإخبار عن فتنة صاحب الزنج التی وقعت بعد مئتی سنة وفتنة المغول التی وقعت بعد ستمائة سنة؟ ربّما أراد الإمام (علیه السلام) أن یذکّرهم بأنّ أعمالکم الطالحة هذه والتی تأتون بها فی هذا العصر وقد ولیتم ظهورکم للحق وأقبلتم على الباطل وضربتم أحکام الإسلام ووقعتم أسرى هوى أنفسکم، فانّ تواصلت هذه الأعمال فی أجیالکم القادمة ستشهدون عواقب وخیمة وسیطالکم العقاب الإلهی، کما یحتمل أن یکون الإمام (علیه السلام) أراد تحذیرهم من البلاء العظیم الذی ینتظرهم، علیکم أن تتحدوا وترکزوا قوتکم لتتمکنوا من التقلیل من آثاره المخربة.


1. «المجان»: جمع «مجن» ومجنة الترس.
2. «المطرقة»: من مادة «طرق» على وزن برق بمعنى دق الشیء بالمطرقة أو مطلق الدق، وعلیه فالمطرقة الشیء الذی دقّ بالمطرقة.
3. «السرقة»: بمعنى الحریر الفاخر أو الحریر الأبیض، وقال أغلب أرباب اللغة أصلها فارسی أخذ من السرّه بمعنى الحسن والخالص.
4. «الدیباج»: بمعنى القماش الحریری الملون، کما یستعمل أحیاناً بمعنى کل قماش حسن النقش، وأصله فارسی أیضاً.
5. «یعتقبون»: من مادة «اعتقاب» یحبسون کرائم الخیل ویمنعونها غیرهم.
6. «اعتاق»: جمع «عتیق» بمعنى کل شیء حسن وقیّم وتستعمل فی الخیل الأصیلة.
7. «استحرار»: من مادة «حرارة» بمعنى الشدّة والحدّة.
8. «المفلت»: من مادة «فلت» على وزن فرد بمعنى الهروب والفرار وتطلق مفردة المفلت على من ینجو من الشدّة.
9. «المأسور»: بمعنى الأسیر.
10. شرح نهج البلاغة ابن أبی الحدید 8/218.

 

فتنة المغولالقسم الثانی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma