خلص الإمام (علیه السلام) إلى نتیجة بعد مقدمات دقیقة أوردها فی بدایة ووسط هذه الخطبة بشأن علم الله بکل شیء سیّما بأعمال العباد ونیّاتهم وکذلک قرب الموت والاعتبار بحیاة الماضین فقال: «فَمَنْ أَشْعَرَ التَّقْوَى قَلْبَهُ بَرَّزَ(1) ]بَرز [مَهَلُهُ(2)، وَفَازَ عَمَلُهُ».
فمن الواضح أنّ التقوى إذا تجذرت فی أعماق قلب الإنسان ظهرت ثمارها على یدیه ولسانه وعینه وسمعه، وذلک لأنّ التقوى ملکة نفسیة تتمثل بخشیة الله وهى الدافع القوی للإتیان بالأعمال الصالحة وحاجز عن الذنوب والمعاصی.
ثم واصل الإمام کلامه فقال: «فَاهْتَبِلُوا هَبَلَهَ(3)، وَاعْمَلُوا لِلْجَنَّةِ عَمَلَهَا»، إشارة إلى أنّ الجنّة لا تعطى لأحد بالمجان، کما لا تتأتى من خلال الظن والتصور والخیال والزعم الفارغ، فمفتاح الجنّة الأعمال الصالحة، والأعمال الصالحة تنبعث من التقوى.
ثم قال (علیه السلام) فی مواصلة لشرح وضع الدنیا والآخرة ومنزلة کل جماعة: «فَإِنَّ الدُّنْیَا لَمْ تُخْلَقْ لَکُمْ دَارَ مُقَام، بَلْ خُلِقَتْ لَکُمْ مَجَازاً لِتَزَوَّدُوا مِنْهَا الاَْعْمَالَ إِلَى دَارِ الْقَرَارِ»، فالنظرة الإسلامیة التی تعرض لها القرآن الکریم ونهج البلاغة مراراً تکمن فی أنّ الدنیا دار ممر وأنّها قنطرة ومیدان للتدریب وبالتالی فهى متجر ومقدمة للآخرة الموضوع الأصلی للإنسان، وإن اعتمدنا هذه النظرة للدنیا آنذاک سیبدو لنا کل شیء بصیغة أخرى وستحول دون مقارفتنا للذنب والظلم، وتسوقنا نحو الخیر والاحسان.
أمّا أتباع المدارس المادیة التی ترى الدنیا ولذاتها هدفها النهائی، وقد غفلت تماماً عن الآخرة، فلیس هناک من حد لتلوثها بالذنوب والنزاعات من أجل الاستحواذ على الأموال والمناصب الظاهریة، وعلیه فلا أمل فی إطفاء غائلة المعارک والنزاعات بینها، وأخیراً خلص الإمام إلى نتیجة رائعة عمیقة المعنى فقال: «فَکُونُوا مِنْهَا عَلَى أَوْفَاز(4). وَقَرِّبُوا الظُّهُورَ لِلزِّیَالِ(5)»، فی إشارة إلى أنّ الوقت ضیق والموانع کثیرة وزمان الرحیل مجهول تماماً، ولا ینبغی أن یقتصر التأهب على الکهول، بل لابدّ أن یعیش ذلک التأهب حتى الشباب على الدوام، فما أکثر من بقی من الآباء الکهول والعجزة، بینما رحل الشبان الأشداء.