أفعال العقل

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن ( الجزء الأول)
قیمه العقل فی مقیاس القرآنشرح المفردات

إنَّ «الذکر» یمثل الاصطلاح المقابل للنسیان، وکما یقول الراغب: إنّه حالة فی الإنسان تمکنه من حفظ ما أدرک واستحضاره فی الذهن عند الحاجة، وهذا المعنى قد یتم بالقلب وقد یحصل باللسان.

وإنّ «الفکر» یعنی فعالیة العقل، وعلى ما یقوله الراغب: إنّه قوة تسوق العلم إلى المعلومات، ویعتقد بعض الفلاسفة: أنّ حقیقة الفکر تترکب من حرکتین: حرکة نحو المقدمات، ثم حرکة من المقدمات إلى النتیجة، ومجموع هاتین الحرکتین اللتین تؤدّیان إلى العلم والمعرفة یقال لهما «الفکر».

و«الفقه» یعنی «الفهم» بصورة عامة ـ کما جاء ذلک فی لسان العرب ـ إلاّ أنّ الراغب فی مفرداته یقول: إنّه بمعنى الاطلاع على أمر خفی بالاستعانة بأمر ظاهر وجلی، وعلیه فالفقه علم یحصل بالأدلة (بالطبع إنّ الفقه المصطلح فعلیاً هو علم الأحکام الإسلامیة).

أمّا «الشعور» فیعنی العلم والمعرفة ـ کما یقوله بعض من أئمّة اللغة کصاحب القاموس ولسان العرب ومقاییس اللغة وغیرهم ـ إلاّ أنّ الراغب قال فی مفرداته: یعنی «الاحساس»، وإذا کان المقصود هو الاحساس الباطنی فلا اختلاف مهم بین ما قاله الراغب وما قاله الآخرون فی شرح معنى الشعور، وقد جاء الشعور فی کثیر من آیات القرآن وأُرید به (العلم)، إلاّ أنّه استعمل فی موضع آخر وقصد به الاحساس الخارجی.

إنَّ کلمة «البصیرة» اشتقت من البصر، وقد جاءت ـ کما یقول الراغب ـ بثلاثة معان: بمعنى العین، وبمعنى قوة العین، وبمعنى قوة الإدراک والعلم.

وقد قال البعض: إنّ معناها فی الأصل هو العلم سواء حصل بالمشاهدة الحسیة أو بالعقل(1).

وتستعمل مفردة «البصیرة» بالخصوص فی «الإدراک القلبی والعلم»، ولهذا جاء فی لسان العرب أنّها تعنی الاعتقاد القلبی، وقد فسرها البعض بالذکاء الذهنی.

وقد استعملت بالمعنى الأخیر فی القرآن الکریم حیث یقول: (قُلْ هَذِهِ سَبِیْلِى أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِیرَة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى)(2). (یوسف / 108)

وکلمة «الدرایة» تعنی العلم والخبرة بصورة عامة، أو العلم والخبرة فی الاُمور الخفیة والمستترة، کما قد جاءت بمعنى «الکیاسة»، کما یستفاد من قوامیس اللغة أنّها فی الأصل تعنی الالتفات إلى شیء ثمّ استعملت وأُرید منها الخبرة بشیء، وقد استعملت فی القرآن الکریم مراراً وقصد بها مفهوم «العلم»، ویستخلص من هذا القسم من بحثنا أنّ الألفاظ التی استعملت للتعبیر عن العقل وأرید منها مفهوم العلم والإدراک ألفاظ متنوعة، وکلٌّ منها تُعبّر عن بُعد وجانب من أبعاد وجوانب العقل، وقد استعملت کلٌّ فی موردها!

فعند البحث عن الخبرة مع الدقة استعملت «الدرایة»، وعند البحث عن التحلیل والعقل استعمل «الفکر»، وعند البحث عن أمر خفی ومعرفته بالاستعانة بأمر محسوس استعمل «الفقه»، وعند البحث عن الخبرة المقترنة بالحفظ والحضور بالبال استعمل «الذکر»، وعلى هذا السیاق تستعمل کل مفردة فی محلها وکل لفظ فی مقامه.

وینبغی الالتفات هنا إلى هذه النقطة وهی أنّ التعبیرات التی استعملت فی القرآن لبیان مهام العقل لها مراحل ورتب، تبدأ بـ «الشعور» ویراد منه الإدراک البسیط، ثم مرحلة «الفقه» والذی یعنی إدراک المسائل الخفیة من المسائل الجلیّة، وبعدها تأتی مرحلة «الفکر» ویُراد منه التحلیل العقلی، ثم تأتی مرحلة «الذکر» أی الحفظ فی الذهن والحضور فی البال، ثم مرحلة «النُهى» التی تعنی الإدراک العمیق لحقائق الاُمور، وتنتهی هذه المراحل بمرحلة «البصیرة» التی تعنی النظر الذهنی العمیق.

وهذا هو معنى البلاغة والفصاحة!


1. التحقیق فی کلمات القرآن الکریم مادة (بصر).
2. وقد جاءت فی آیات اُخرى وارید منها نفس المعنى کما فی الآیات: القیامة 14; و الأنعام 104; الأعراف 203; الاسراء 102.

 

قیمه العقل فی مقیاس القرآنشرح المفردات
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma