الوحی شمس مشرقة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن ( الجزء الأول)
1 ـ أقسام «الوحی» فی القرآن المجیدشرح المفردات

لقد انعکس صدى الوحی فی القرآن الکریم بشکل واسع.

حیث أشارت مئات الآیات إلى الوحی کمصدر عظیم للعلم والمعرفة، وأشارت بعضها إلیه بهذا العنوان «الوحی» وبعضها بـ «التنزیل» و«الانزال» وبعضها بـ «تبیین الآیات الإلهیّة» وبعضها بـ «تکلیم الله للرسل»، وبمصطلحات اُخرى.

وأفضل تعبیر یُذکر فی هذا المجال أن یقال: إذا کان العقل فی المنظار القرآنی بمثابة «مصباح» شدید الاضاءة لکونه مبیناً للحقائق، فإنّ الوحی «کالشمس» الساطعة التی تضیء أرجاء المعمورة».

اُشیر فی الآیة الاُولى إلى ثلاثة طرق من طرق اتصال الأنبیاء بالله عزّ وجلّ، حیث قالت: (وَمَا کَانَ لِبَشَر اَنْ یُکَلِّمَهُ اللهُ اِلاَّ وَحْیاً اَوْ مِنْ وَراءِ حِجَاب اَو یُرْسِلَ رَسُولا فَیُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا یَشاءُ اِنَّهُ عَلِىٌّ حَکِیمٌ) فالطریق الأول هو الایحاء، والثانی هو التکلم من وراء الحجاب کما تکلم الله مع موسى فی جبل طور سیناء، والطریق الثالث هو إرسال رسول لابلاغ الخطاب الإلهی إلى النبی، کما کان یهبط جبرئیل(علیه السلام) على النبی(صلى الله علیه وآله) لإبلاغه الخطابات الإلهیّة.

وعلى هذا، فالالهام القلبی وایجاد الأمواج الصوتیة وهبوط ملک مکلف بنقل الوحی، ثلاثة طرق لاتصال الأنبیاء بعالم ما وراء الطبیعة.

والآیة الثانیة بعد أن أقسمت بالنجم قالت: (وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * اِنْ هُوَ اِلاَّ وَحىٌ یُوحَى).

إنّ القسم (بالنجم إِذا هوى) یعنى النجم فی حالة الأفول قد یکون إشارة إلى غروب واُفول نور الإیمان والهدایة عن الوجود فی عصر الجاهلیة، الغروب الذی کان مقدمة لطلوع آخر، أی طلوع شمس الوحی على لسان الرسول الأعظم(صلى الله علیه وآله).

وعلى هذا الأساس، فالآیة أدرجت کلام الرسول(صلى الله علیه وآله) تحت أصل کلیٍّ ناتج عن الوحی والإرتباط الغیبی.

والآیة الثالثة أمرت الرسول بأن یتخذ موقفاً تجاه طلبات بعض المشرکین العجیبة وغیر المألوفة، ویقول لهم: إِنی لستُ ملکاً من ملائکة الله ولا موجوداً أعلى من البشر ولا ابن الله، ولا شریکه، (إنّمَا أنـَا بَشَرٌ مِثْلُکُم یُوحَى إِلَىَّ) وهذا (الإیحاء) هو الذی یمثل الاختلاف بینی وبینکم.

وعلى هذا، فالرسول یمتاز عن بقیة البشر بمیزة خاصة وهی اختصاصه بمصدر المعرفة هذا وهو (الوحی).

والآیة الرابعة، بعد ما ذکرت ستة من أحکام الإسلام المهمّة (حرمة قتل الأولاد وحرمة الزنى وقتل النفس والتصرف فی مال الیتیم ووجوب الوفاء بالعهد وایفاء الکیل) خاطبت الرسول(صلى الله علیه وآله) قائلة: (ذَلِکَ مِمَّا اَوْحى اِلَیکَ رَبُّکَ مِنَ الْحِکْمَةِ).

وطبقاً لهذه الآیة، فإنّ الأحکام الجزئیة شأنها شأن اصول الدین والعقیدة توحى إِلى الرسول(صلى الله علیه وآله).

والآیة الخامسة نزلت لتجیب على أولئک الیهود الذین قالوا: إنّ جبرئیل عدونا عندما سمعوا أنّه یأتی الرسول بتعالیم الإسلام، حیث أمرته بأن یقول لهم: (قُلْ مَنْ کَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِیلَ فَاِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِکَ بِاِذْنِ اللّهِ).

والتعبیر فی هذه الآیة یکشف عن أن جبرئیل(علیه السلام) کان یُنزل ـ أحیاناً ـ آیات القرآن على قلب الرسول مباشرة فی حین أنّ بعض الروایات تشیر إلى أنّ جبرئیل کان یأتی للرسول(صلى الله علیه وآله) على هیئة إنسان أحیاناً ویقوم بابلاغه الخطاب الإلهی بهذا الطریق(1).

والآیة السادسة وضحت الحقیقة الآتیة: إنّ القرآن الذی أنزلناه على الرسول فیه تبیانٌ لکلِّ شیء وحاملا للهدایة والرحمة والبشارة إلى جمیع المسلمین، وعلیه فإنّ جمیع هذه المعارف تصدر عن هذا المصدر العظیم أی الوحی.

بدیهی أنّ المراد من «کل شیء» هو جمیع القضایا التی تتعلق بسعادة الإنسان، فتعلم أنّ اُسس جمیع هذه القضایا قد جاءت فی القرآن (سواء المادیة منها أو المعنویة) فی صورة قوانین کلیة.

وقد صرحت الآیة السابعة بأنّ القرآن روح نزلت على الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) من قِبَل الله عزّ وجلّ، ولم یکن یدری ما الکتاب ولم یکن یدری ما الإیمان، وقد قیل للقرآن «روح» لأنّه یبعث الحیاة فی قلوب المجتمع البشری، وهذا حدیثٌ یذهب إلیه کثیر من المفسرین(2).

والمراد بـ: «ما کنت تدری ما الکتاب» هو أنّ الرسول لم یکن عارفاً بمحتوى الآیات قبل البعثة، وهناک شواهد تاریخیة وروائیة تکشف عن سبق معرفته بالله قبل البعثة.

وعلى أیّة حال إنّ هذا تأکید آخر على قبول «الوحی» کأهم مصدر للمعرفة، لأنّ القرآن عُدَّ هنا «روحاً و«نوراً» و«هدایة».

والآیة الثامنة بعد ما تجاوزت نبوة الرسول(صلى الله علیه وآله) أشارت إلى الأنبیاء من قبله وقالت: (وَمَا اَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ اِلاَّ رِجَالا نُّوحِى اِلَیهِمْ فَاسْئَلُوا اَهْلَ الذِّکْرِ) فهم على ارتباط وعلم بمنبع المعرفة هذا.

وتحدثت الآیة التاسعة عن «البینات» ونزول الکتب السماویة وقوانین الحق والعدالة على الرسل، وقالت: إنّا أنزلنا الرسل وزودناهم بمعاجز من جهة، وبکتب وقوانین حقة من جهة اُخرى لکی یقوم الناس بالقسط والعدول عن الظلم، وهذه کلها اُمور ملهمة من مصدر الوحی.

وقد تحدثت الآیة العاشرة عن انزال «الذکر» أی الآیات التی تکون سبباً لتذکر الناس ووعیهم، فی الوقت نفسه فإنّ الله یعد الناس فی هذه الآیة بحفظ هذا القرآن من أی نقص أوزیادة أو تلف أو تحریف، فالوحی ـ إذن ـ هو عامل یقظة الناس، وبما أنّ الله له حافظ، فسیحفظه کمصدر مهم للمعرفة.

وتقول الآیة الحادیة عشرة: (قَدْ بَیَّنَا لَکُمُ الآیَاتِ اِنْ کُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) وهذا دلیل واضح على أنّ الآیات الإلهیّة سبب لیقظة العقول ونشاطها.

وأخیراً، فقد تحدثت الآیة الثانیة عشرة عن تکلیم الله لموسى(علیه السلام)، وقد کان الکلام هذا مصدراً لمعرفة موسى الإلهیّة، وهو نوع من الوحی.

هذه نماذج من آیات القرآن التی صرحت ـ رافعةً لأی ابهام وشبهة ـ بأنّ الوحی مصدر وأساس للمعرفة.

هذا فی وقت ینکر فیه الفلاسفة المادیون هذا المصدر على الاطلاق، ویفسرونه بتفاسیر نقرأُها فی البحوث القادمة.

وبعدما اتّضح أصل هذا المصدر، نذهب إلى بحث قضایا مختلفة تحوم حوله.


1. أصرَّ الفخر الرازی على تأویل الآیة بما یتناسب مع ما ذهبت إلیه الروایات من أن جبرئیل(علیه السلام) کان یتمثل امام الرسول(صلى الله علیه وآله) فی صورة إنسان، وبما أن القلب هو مرکز حفظ الآیات عبر الله بهذا التعبیر (فَاِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِکَ  )(تفسیر الکبیر، ج 3، ص 196)، لکننا لا نرى ضرورة لتأویل الآیة بالشکل الذی قاله الفخر الرازی، بل یمکن القول بأن اتصال جبرئیل(علیه السلام) بالرسول کان یتم بطریقین: جسمانی وروحی.
2. یقول الراغب: «سمی روحاً لکون القرآن سبباً للحیاة الاُخرویة».

 

1 ـ أقسام «الوحی» فی القرآن المجیدشرح المفردات
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma