الذنب یُعمی الإنسان ویصمه

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن ( الجزء الأول)
إنّ الذنب حجاب فی الروایات الإسلامیة1 ـ حجب الذنوب

أشارت الآیـة الاُولى إلى أولئک الذین أنـکروا القیامـة بالکـامل، وأضافت: أنّ القیـامة لا ینـکرها إلاّ المعتـدون والآثمون، فـانّهم لا یخضعون أمام الـحق ولا یسلمـون إلیه أنفسهم أبداً، ولهذا إذا تُلیت علیهم آیات الله قالوا: أساطیر الأولین.

وَیصرح القرآن: أنّ الأمر لیس کما یتوهم هؤلاء، وقولهم هذا سببه الصدأ الذی أحاط قلوبهم وحال دون أن یعقلوا شیئاً.

لقد استخـدمت مفـردة « رَیْن » فی هذه الآیـة الکریمة، وقـد قلنا سـابقاً: أنّ لها معانی ثلاثة ( على ما یدعیه أئمّة اللغة ) الأول: الصدأ الذی یعـلو الأشیاء القیّمة، الثانی: الصدأ الذی یعـلو الفلزات وهو علامة تآکل وفساد ذلک الفلز، الثالث: کل شیء غـلب علـى شیء آخر، ولهذا تستعمل هذه المفردة فی مجال غلبة الشراب المسکر على العقل وغلبة الموت على الأحیاء، وغـلبة النوم على العیون(1).

وبالطبع یمکن جمع هذه المعانی الثلاثة فی مفهوم واحد وهو الصدأ الذی یستحوذ على الأشیاء ویعلوها، ثم اطلقت هذه المفردة على غلبة کل شیء على شیء آخر.

ونستشف من هذه الآیة أنّ الإثم یعکر صفاء القلب بحیث یمنع انعکاس الحقائق فی هذه المرآة الإلهیّة، وإلاّ فإنّ آیات الله خصوصاً فی مسألة المبدأ والمعاد واضحة ولا تقبل الانکار.

ولهذا فقـد قال بعض المفسرین : یظهر مـن هذه الآیة أولا : أنّ الأعمـال القبیحة تُوجِد نقوشاً وصوراً فی نفس الإنسان، وثانیاً: أنّ هذه الصور والنقوش تحول دون إدراک الحق. وثالثاً : إنّ روح الإنسان ـ وحسب طبیعتها الأولیة ـ صافیة وشفافة، وتدرک الحقائق کما هی، وتمیز بین الحق والباطل وبین التقوى والفجور، کما جاء ذلک فی الآیات (وَنَفْس وَمَا سَوّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)(2).(الشمس / 7 ـ 8)

وقد حلل مفسرون آخرون المسألة بشکل ملخص آخر.

عندما یکرر الإنسان عملا مـا فإنّ ملکة نفسانیة لـذلک الـعمل ستحصل عنده تدریجیاً، کالقراءة والکتابة، ففی البدایة یشق علیه الأمر، وبعد الـممارسة یتمکن منهما بدرجة لا یحتاج فیهما إلى فکر ودراسة.

وکذلک الأمر بالنسبة للذنوب، فبالاصرار علیها وارتکابها مرات عدیدة تحصل هذه الملکةُ عند الإنسان، ونعلم أنّه لا حـقیقة للذنب غـیر إشغال القلب بغیر الله، والتوجه لغیر الله ظلمة، وعندما تتراکم الظلمات على القلب تسـلبه صفاءَه وشفافیته، وإنّ لهذه الظلمات درجات ومراحل، المرحلة الاُولى هی مرحلة «الرَیْن» أو الصدأ، والمرحلة الثانیة هی مرحلة «الطبع» والمرحلة الثالثة هی مرحلة «الأقفال» وهی أشد المراحل.

والآیة الثانیة ناظرة إلى المنافقین الذین یَدّعون الإیمان، فإذا مـا نزلت آیـة فـی الجهاد تمارضوا وتذرّعوا بذریعة من هو على وشک الموت، فیخاطبهم القـرآن قائلا، إنّ استمـرارکم فی مخالفتکم هذه وإعراضـکم عن العمل بکتاب الله، سیؤدی بکم إلى أن تفسدوا فی الأرض، وأن تقطعوا أرحامکم، ولا یأمن شرکم حتى أرحامـکم، ثم یضیف: (أولئِکَ الَّذِینَ لَعَنَهُمُ اللهُ ( بذنوبهم ) فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) فما کادوا یسمعون الحق ولا یرونه.

وقد کشفت هذه الآیات عن أنّ النفاق حجاب للقلب والروح من جهة، ومن جهة اُخرى عن التأثیر السلبی للذنوب خصوصاً (الفساد فی الأرض) و(قطع صلة الرحم) و(الظلم والجور) على إدراک الإنسان وتمییزه بین الحق والباطل.

ولقد فسّـر البـعض عبارة «إن تولیتم» بالاعراض، وفسرها بعض آخر بالولایة والحکومة، أی أنَّ مقالید الاُمور إذا أصبـحت بأیدیکم فستفسدون وتریقون الدماء وتقطعون الأرحام(3)، ولهذا جاء عن أمیرالمؤمنین(علیه السلام): أنّ الآیة نزلت فی بنی اُمیة(4)، وهذا تلمیح إلى أنّهم عند استلام زمام الاُمور والحکومة الإسلامیة سـوف لا یـرحمون صغیراً ولا کبیراً، ولم یسلم من ظلمهم أحد حتى أقاربهم وذووهم.

وسواء کان معنى «التولی» هنا هو الإعراض عن الجهاد أو استلام مقالید الاُمور فی الحکومة والفساد فی الأرض، فإنّ ذلک لا یضر ببحثنا، لأنّ الآیة على أیّة حال تبین أنّ الذنوب حجاب للقلوب.

وقد أشارت الآیة الثالثة إلى أولئک الذین ورثوا الاسلاف من دون أن یعتبروا بمصیرهم الذی ابتلوا به، فخاطبتهم: (لو نَشآءُ أَصَبْناهُم بِذُنوبِهِمْ ونَطْبَعُ على قُلُوبِهِمْ فَهُم لاَ یَسْمَعُونْ).

عطف العقاب على الذنوب مع الطبع على القلوب والآذان، تلمیح إلى العلاقة بین هذین الاثنین.

ویقول البعض: إنّ الله إذا شاء عذّبهم بأحد العذابین: إِمّا بإهلاکهم بسبب ذنوبهم، وإمّا بإبقاءهم أحیاء مع سلب قدرة تمییز الحق عن الباطل منهم، وهذا عذاب أتعس من عذاب الهلاک الإلهی.

إلاّ أنّه بالالتفات إلى مجیء «أصبناهم» بصیغة الماضی و«نطبع على قلوبهم» بصیغة المضارع، نفهم أنّ الجملة الثانیة مستقلة ولیست عطفاً على ما قبلها، فیکون معنى الآیة هکذا: (سواء عجلنا بعذابهم أم لم نعجل فَنحن نطبع على قلوب هؤلاء ونلقی حُجباً علیها)(5).

أشـارت رابع وآخر آیة إلى عاقبة الذین یرتکبون الأعمال السیئة فقالت: (ثُمَّ کـَانَ عاقِبَةُ الَّذِینَ أَسـاؤا السُّـوأَى أنَ کَـذَّبُوا بآیاتِ اللهِ) لِمَ لا یـکون مصیـرهم هذا والذنب کالمرض الذی ینقض على روح الإنسان فیتآکل الإیمان من جرائه؟ ولِمَ لا یکون هکذا وهو کالحجاب الذی یغطی القلب ویعمیه؟ والأسوأ أنّه لا یکفر فحسب، بل یفتخر بکفره، وقد شهد التاریخ الکثیر من هؤلاء.

وخلاصة الحدیث، إنّ القرآن یعدُّ الذنوب والمعاصی من موانع المعرفة، وهذه حقیقة ملموسة ومجربة عند کثیر من الناس، فبمجرّد صدور ذنب أو معصیة منهم یشعرون بظلمات خاصة فی قلوبهم، وإذا ما مالوا إلى الطهارة والتقوى یشعرون بأنوار ترتاح لها قلوبهم.


1. تفسیر الکبیر ، ج 31، ص 94; تفسیر روح المعانی، ج 3، ص 72.
2. تفسیر المیزان، ج 20، ص 349.
3. ورد کلا التفسیرین فی تفاسیر روح المعانی ومجمع البیان والمیزان فی ذیل الآیات المذکورة فی البحث.
4. تفسیر نور الثقلین، ج 5، ص 40، ح 59.
5. جاء هذا کاحتمال فی تفسیر الکبیر، فی ذیل نفس الآیة، إلاّ أنّ صاحب تفسیر المیزان عَدَّ الجملة الثانیة معطوفة على «أصبناهم» التی تفید الاستقبال، لکن الظاهر أنّ التفسیر الأول أنسب.

 

إنّ الذنب حجاب فی الروایات الإسلامیة1 ـ حجب الذنوب
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma