الشرح والتفسیر

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
الخطبة 143القسم الثانی

عرض الإمام (علیه السلام) بالذم الشدید لصانع المعروف فی غیر أهله کما ورد ذلک فی المقطع الأول من الخطبة والذی کان یمثل الجانب السلبی من القضیة، أمّا فی هذا القسم فقد تعرض إلى جانبها الإیجابی فبیّن الموارد الطبیعة التی تستحق الانفاق والبذل والعطاء، حذراً من استغلال البعض لما مرّ معنا سابقاً فی العبارات، فیعتمد البخل وعدم الانفاق فقال: «فَمَنْ آتَاهُ اللّهُ مَالاً فَلْیَصِلْ بِهِ الْقَرَابَةَ، وَلْیُحْسِنْ مِنْهُ الضِّیَافَةَ، وَلْیَفُکَّ بِهِ الاَْسِیرَ وَالْعَانِیَ(1)، وَلْیُعْطِ مِنْهُ الْفَقِیرَ وَالْغَارِمَ(2)».

فقد أشار الإمام (علیه السلام) إلى ستة موارد للانفاق والبذل وفی مقدمتها القرابة من ذوی الحاجة، فمما لا شک فیه أنّ هؤلاء مقدمون على غیرهم، وهذا ما ورد فی الخبر المروی عن الإمام الصادق (علیه السلام) أنّه قال: «سُئِلَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله علیه وآله)أَیُّ الصَّدَقَةِ أَفضَلُ؟ فقال (صلى الله علیه وآله): عَلَى ذِی الرَّحِمِ الکَاشِحِ»(3)، ثم رکز الإمام على قضیة الضیافة وهى الأمر الذی یؤدّی إلى إشاعة أجواء المودّة والمحبّة بین الأصدقاء ویزیل الأحقاد، کما یوطد العلاقات العاطفیة والاجتماعیة وقد أولى الإسلام هذه المسألة الإنسانیة والأخلاقیة أهمیّة قصوى حتى ورد فی الخبر أنّ الإمام الصادق(علیه السلام) سأل أحد أصحابه: «أَتُحِبُّ إِخوانَکَ یـا حُسَین؟ قُلتُ: نَعم، قَالَ: تَنفَعُ فُقَرائَهُم؟ قُلتُ: نَعم، قَالَ: إِنَّهُ یَحُقُّ عَلَیکَ أَنْ تُحِبَّ مَنْ یُحِبُّ اللهَ، أَمَا وَاللهِ لا تَنْفَعُ مِنهُم حَتّى تُحِبَّهُ، أَتَدعُوهُم إِلى مَنزِلِکَ؟ قُلتُ: نَعم، مَا أَکُلُ إِلاّ وَمَعِی مِنْهُم الرَّجُلانِ والثَّلاثَة وَالأقَلُّ وَالأَکثَرُ، فَقالَ أَبُوعَبدِاللهِ (علیه السلام): أَمَ إنَّ فَضْلَهُم عَلَیکَ أَعظَمُ مِنْ فَضلِکَ عَلَیهِم، فَقُلتُ: فِداکَ أَطعِمُهُم طَعامِی وَأَوطِئُهم رَحلِی وَیَکُونُ عَلَیَّ فَضْلَهُم عَلَیَّ أَعظَمُ؟ قَالَ: نَعم، إِنَّهُم إِذا دَخَلُوا مَنزِلَکَ دَخَلُوا بِمَغفِرَتِکَ وَمَغفِرَةِ عِیالِکَ، وإِذا خَرَجُوا مِنْ مَنزِلِکَ خَرَجوا بِذُنُوبِکَ وَذُنُوبِ عِیالِکَ»(4).

ولمّا کان دفع الحقوق الواجبة والمستحبة وتعویض الخسائر شاقاً على النفس فقد أکد الإمام (علیه السلام) على الصبر والتحمل فقال: «وَلْیَصْبِرْ نَفْسَهُ عَلَى الْحُقُوقِ وَالنَّوَائِبِ(5)، ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ».

وبناءاً على هذا فالتعبیر بالحقوق یشمل الواجبة والمستحبة، والنوائب جمع نائبة والحادثة الألیمة، وتشیر هنا إلى جمیع الأمور التی تتضمن الخسارة المالیة، سواء کان من جانب ظلم الظلمة وحکّام الجور، أو الحوادث غیر المتوقعة التی تصیب الإنسان طیلة حیاته.

والعبارة «ابتغاء الثواب» إشارة إلى أنّ الصبر تجاه کل هذا البذل وصرفه فی الموارد المذکورة لابدّ أن یکون لله تعالى لیحصل الأجر والثواب.

وإختتم کلامه بالإشارة إلى الآثار العظیمة لهذا البذل فقال (علیه السلام): «فَإِنَّ فَوْزاً بِهذِهِ الْخِصَالِ شَرَفُ مَکَارِمِ الدُّنْیَا، وَدَرْکُ فَضَائِلِ الاْخِرَةِ; إِنْ شَاءَ اللّهُ»، فالحقّ أنّ البذل فی الموارد الستة المذکورة یؤدّی إلى حسن سمعة الإنسان فی المجتمع، کما یوجب فوزه فی الحیاة الآخرة، وأفضل شاهد على ذلک ما روی عن الإمام الحسین (علیه السلام) أنّه قال: «مَنْ جَادَ سَادَ»(6)، وقد أصبحت هذه العبارة مثل یضرب لتأکید المعنى المذکور، وکذلک ما روی عن أمیرالمؤمنین (علیه السلام) أنّه قال:

«وَأَحسن إلى مَنْ شِئتَ تَکُنْ أَمِیرَهُ»(7)، بل یؤید ذلک ما نلمسه فی حیاتنا الیومیة، وهذا على مستوى الدنیا.

أمّا من حیث الآخرة فانّ البذل من أهم أسباب النجاة ولاسیّما إعانة المحتاجین، فقد قال الإمام الصادق (علیه السلام): «أَوَّلُ مَنْ یَدخُلُ الجَنَّةَ المَعرُوفُ»(8).

والتعبیر بـ «فوزاً» بصیغة النکرة یفید حقیقة فی أنّ هذا البذل وإن کان قلیلاً فانّه یوجب عزّة الدنیا ورفعة الآخرة.


1. «العانی»: من ماد «عنى» بمعنى الشدّة والتعب، وعدها البعض من شرّاح نهج البلاغة مرادفة لأسیر، ویبدو أنّ معناها واسع یشمل کل إنسان یعیش التعب والإرهاق.
2. «الغارم»: من مادة «غرامة» من علیه الدیون.
3. الکافی 4/10.
4. المصدر السابق 2/401، ح8 .
5. «النوائب»: جمع «النائبة» تعنی الحوادث الألیمة التی تصیب الإنسان، ولکن فسّرها بعض أرباب اللغة بمطلق الحوادث سواء المطلوبة منها أو غیر مطلوبة.
6. کشف الغمة 2/242.
7. الإرشاد 1/303; وبحار الانوار 74/433.
8. میزان الحکمة، 12611.

 

الخطبة 143القسم الثانی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma