تجلی الله لعباده فی القرآن

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
کیفیة تجلى الله فی القرآنالقسم الأول

أشار الإمام (علیه السلام) فی هذا القسم من الخطبة ـ کما ذکر ذلک الشارح البحرانی ـ إلى بعثة النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) ثم شرح أهداف البعثة، ثم أشار إلى الوسیلة التی اعتمدها لتحقیق ذلک الهدف وهى القرآن الکریم فقال: «فَبَعَثَ اللّهُ مُحَمَّداً صَلَّى اللّهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ، بِالْحَقِّ لِیُخْرِجَ عِبَادَهُ مِنْ عِبَادَةِ الاَْوْثَانِ إِلَى عِبَادَتِهِ، وَمِنْ طَاعَةِ الشَّیْطَانِ إِلَى طَاعَتِهِ»، یالها من عبارة بلیغة رائعة وقصیرة بشأن الهدف من بعثة النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) والتی تستند إلى رکنین:

الأول: ترک عبودیة الأصنام والتمسک بالتوحید فی العبادة، أی عبادة الله.

الثانی: التحرر من طاعة الشیطان والاقبال على طاعة الله سبحانه وتعالى.

لا شک أنّ طاعة الشیطان نوع من الوثنیة، وعلیه فهى داخلة فی مفهوم العبارة الاُولى یعنی عبادة الأوثان، إلاّ أنّ تقابل هاتین العبارتین یفید أنّ العبادة قد استعملت فی معناها الخاص، والمراد طاعة الشیطان، إتباع أوامره لا عبادته، على کل حال فانّ للأوثان والشیطان فی هاتین العبارتین مفهوم واسع یشمل کل معبود غیر الله سبحانه وتعالى ویضم شیاطین الانس والجن، وبناءاً على هذا یدخل فی مفهوم هذه الجمل التسلیم لحکام الظلم والجور وطاعة أوامرهم والاستسلام للاستعمار والاستغلال والانصیاع للقوانین غیر الشرعیة، وهذا هو هدف البعثة والذی یتمثل بالتحرر من کل هذه الأمور.

نقل المرحوم الکلینی فی الکافی العبارات المذکورة بهذه الصیغة: «إِنَّ اللهَ تَبَارَکَ وَتَعالى بَعَثَ مُحَمَّداً (صلى الله علیه وآله) بِالحَقِّ لِیُخرِجَ عِبَادَهُ مِنْ عِبَادَة عِبَادِهِ إِلى عِبَادَتِهِ وَمِنْ عُهُودِ عِبَادِهِ إِلى عُهُودِهِ وَمِنْ طَاعَةِ عِبَادِهِ إِلى طَاعَتِهِ وَمِنْ وِلایَةِ عِبَادِهِ إِلى وَلایَتِهِ»(1).

وهکذا بیّن الإمام الهدف الأصلی لبعثة النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) والذی تعود إلى سائر الأهداف بهذه العبارات المختصرة وقد أماط کل إبهام.

ثم أشار (علیه السلام) إلى الوسیلة اللازمة لتحقیق هذا الهدف السامی فقال: «بِقُرْآن قَدْ بَیَّنَهُ وَأَحْکَمَهُ، لِیَعْلَمَ الْعِبَادُ رَبَّهُمْ إِذْ جَهِلُوهُ، وَلِیُقِرُّوا بِهِ بَعْدَ إِذْ جَحَدُوهُ، وَلِیُثْبِتُوهُ بَعْدَ إِذْ أَنْکَرُوهُ».

لا شک أنّ مشرکی العرب کانوا یؤمنون بالله ویعترفون بوجوده وأنّه خالق السماوات والأرض ویرون الأوثان شفعائهم إلیه، ولکن لیس لهذا الاعتقاد الممزوج بالشرک أیة قیمة، وقد بعث الله نبیّه الأکرم (صلى الله علیه وآله) لیطهّر أرواحهم وأفکارهم من أدران الشرک والوثنیة ویشدهم نحو التوحید والعبودیة الخالصة، وهذا فی الواقع وظیفة کافة الأنبیاء والمرسلین فی تطهیر التوحید من رواسب الشرک.

وقال (علیه السلام) فی تعریفه للقرآن وآثاره البنّاءة فی الفکر والعمل: «فَتَجَلَّى(2) لَهُمْ سُبْحَانَهُ فِی کِتَابِهِ مِنْ غَیْرِ أَنْ یَکُونُوا رَأَوْهُ، بِمَا أَرَاهُمْ مِنْ قُدْرَتِهِ».

والعبارة إشارة إلى آیات التوحید وبیان أسماء الله وصفاته والتی تفعل مثل هذا الفعل فی الإنسان حین یتأملها وکأنّه یرى الله سبحانه وتعالى جهرة، نعم یراه ولکن بالبصیرة لا بالبصر، احتمل البعض أنّ المراد بالکتاب هنا کتاب عالم التکوین المملوء بآیات الله سبحانه بحیث نشاهدها أینما نظرن(3)، ولکن یبدو هذا المعنى مستبعداً بالاستناد إلى العبارة السابقة التی أشیر فیها إلى القرآن فی العبارة اللاحقة إلى الإنذار الإلهی، والمراد بالکتاب القرآن الکریم، ولما کان تجلی الله بواسطة الآیات القرآنیة قد یوهم إمکانیة رؤیة الله بالعین، فقد صرّح عقیب ذلک مباشرة بأنّ هذا التجلی یحصل دون رؤیة بالبصر.

وأشار فی العبارة القادمة إلى جانب آخر من آیات القرآن الکریم وهى آیات الإنذار والتخویف، فقال (علیه السلام): «وَخَوَّفَهُمْ مِنْ سَطْوَتِهِ»، ثم تطرق بعد ذلک إلى القصص الألیمة للأقوام السابقة وما تنطوی علیه من دروس وعبر فقال: «وَکَیْفَ مَحَقَ(4) مَنْ مَحَقَ بِالْمَثُلاَتِ(5)، وَاحْتَصَدَ(6) مَنِ احْتَصَدَ بِالنَّقِمَاتِ!».

وأخیراً مازال هناک احتمال فی تفسیر العبارات المذکورة فی أنّ الله تعالى قد تجلى فی کتابه بجمیع هذه الموارد (آیات القدرة والتخویف من السطوة والقصص الألیمة للأقوام العاصیة).


1. الکافی 8/386.
2. «تجلى»: من مادة «تجلی» وأصل جلو على وزن دلو بمعنى الظهور والبروز، وتجلى الله بمعنى أنّ آیاته على درجة من الوضوح وکأنّه یمکن رؤیته من خلالها.
3. قال الشاعر:
وله فی کل شیء آیة *** تدلّ على أنّه واحد
4. «محق»: من مادة «محق» على وزن خلق بمعنى المحو الکامل أو إزالة برکة الشیء.
5. «المثلات»: جمع «مثلة» على وزن عضلة بمعنى العقوبة.
6. «احتصد»: من مادة «حصد» بمعنى القطف.

 

کیفیة تجلى الله فی القرآنالقسم الأول
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma