5 ـ حدوث العالم والقوانین العلمیة الحدیثة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الثالث)
تمهید4 ـ العالم متغیّر وکلّ متغیّر حادث

لقد ثبت فی البحوث العلمیة الحدیثة ] خاصّة بحوث (الثرمودینامیک) والقانون الثانی المعروف بقانـون (الانتروبی) أو ما یسمى (بالکهولـة) أو (الإضمحلال) [ثبت:

«أنّ الحرارة تنتقل من الأجسام الحارّة إلى الباردة دائماً ولا یحدث العکس بنفسه أبداً، و(الانتروبی) فی الحقیقة هی نسبة الطاقة التی لا یمکن الانتفاع بها إلى الطاقة القابلة للإنتفاع، ومن ناحیة ثانیة نحنُ نعلم أنّ هذا الإنتقال والانتروبی فی العالم فی حالة تزاید، فلو کـان العالم أزلیّاً لکانت الحرارة فـی الأجسام کلّها متساویة منذ عصور قدیمة ولم تبق طاقة نافعة وبالتالی لم یتحقّق فی العالم أی فعل أو تفاعل کیمیائی، ولاستحالت الحیاة على الأرض، لکنّنا نلاحظ بأنّ التفاعلات الکیمیائیة مستمرّة والحیاة على الأرض ممکنة، ولذا فإنّ العلوم تثبت البدایة للعالم ـ دونما قصد ـ وبهذا تثبت ضرورة وجود الله نظراً إلى أنّ الحادث لا یحدث لوحده بل یحتاج إلى المحرّک الأوّل»(1).

والطریق الآخر الذی سلکوه لإثبات الحدوث للعالم هو التحقیق فی الأجسام (المشعّة) (و هی أجسام لها ذرّات غیر مستقرّة وفی حالة اضمحلال وزوال مستمرّ حتّى تتبدّل إلى ذرّات مستقرّة، ولها عدد ذرّی أکبر من 80! وتکون على شکل أجسام ثقیلة وغیر مستقرّة، وفی حالة إشعاع ذرّی، وکأنّها تلقی بنفایاتها إلى الخارج حتّى تتحوّل إلى عناصر مستقرّة.

إنَّ وجود هذه العناصر فی الطبیعة دلیل على أنّ العالم حادث وذو تاریخ، وکما یقول المفکّر الشهیر (دونالد روبرت کار) والمتخصّص فی (الکیمیاء الحیاتیة) کاتب کتاب (الأرض) وهو کتاب یعیّن عمر الأرض بحساب کاربون الإشعاع الطبیعی: «لو کان العالم أزلیّاً وأبدیّاً لما وجدنا عنصراً مشعّاً وذلک لتبدلّه إلى عناصر مستقرّة»(2).

ونستنتج من ذلک أنّ العلوم الطبیعیة تثبت حدوث العالم أیضاً بطرق مختلفة، ومن هنا تتّضح ضرورة وجود خالق أزلی أبدی لتفسیر ظهور عالم الوجود.

وبتعبیر أوضح: إنّ اضمحلال المادّة (الانتروبی) دلیل على أنّ للعالم تاریخاً ینبىء عن بدایة حدوثه، فلو کان عالم المادّة أزلیّاً لکان قد مضى علیه زمان غیر محدود، ولکانت الحرارة فیه متساویة وانعدم النشاط فیه وتعرّض للفناء.

ویشبه هذا إذا وضعنا وعاءً ملیئاً بالماء الحارّ فی غرفة، فما دامت الحرارة فی الوعاء تختلف عن حرارة الجوّ فإنّ الهواء حوله یکون متحرّکاً باستمرار ویزداد حرارة ویتصاعد إلى الأعلى ویحلّ محلّه الهواء المجاور له وهذا یحدث حرکة مستمرّة فی الفضاء المجاور، وعندما تتساوى الحرارة فی الغرفة فلن تکون أیّة حرکة.

وهذا هو مصیر العالم أخیراً، والحرکة الموجودة حالیاً دلیل على عدم مرور زمان لا محدود علیه، أی أنّ له تاریخ ظهور وحدوث.

وهو یشبه الأوانی المستطرقة المتصلة فإذا سکبنا الماء فی أحدها فانّه سوف یتحرّک فی الأوانی کلّها حتّى یتساوى فیها وبذلک یحلّ السکون، ویقول العالم الفلکی (استونتر): «قام العلم باحتساب أعمار الکثیر من الأشیاء مثل: عمر الأرض، والصخور الشهابیة، والقمر والشمس، والمجرّة وأخیراً عمر الدنیا، والعمر اللازم ـ لترکیب العناصر المختلفة وتفکّکها ـ وظهر أنّ هذه الأعمار متقاربة وتقدّر بـ 6000 ملیون سنة منذ بدایة حدوث العالم»(3).

وفی الختام نعود لنقول: إنّ حدیث إبراهیم (علیه السلام) فی الآیات المذکورة یستهدف مسألة إثبات وجود الله عن طریق الحکم العقلی القائل بأنّ الشیء المتغیّر لا یمکن أن یکون خالداً وإن کانت براهین اُخرى للحرکة کامنة فی طیّات استدلال إبراهیم (علیه السلام).


1. کتاب إثبات وجود الله، لادوارد لوثر کیسل، ص 55 (باختصار طفیف).
2. کتاب إثبات وجود الله، لادوارد لوثر کیسل، ص 155.
3. المصدر السابق، ص 160.

 

تمهید4 ـ العالم متغیّر وکلّ متغیّر حادث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma