حاجة الجمیع إلى الله

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الثالث)
1 ـ برهان الوجوب والإمکان من الناحیة الفلسفیةشرح المفردات

الآیة الاُولى تخاطب جمیع الناس وبدون استثناء: ( یَاأَیُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَراءُ إلَى اللهِ )إنّ (للفقر) هنا معان واسعة وتشمل کلّ احتیاج لأی شیء فی الوجود، فانّنا ومن أجل مواصلة حیاتنا المادیّة بحاجة إلى ضوء الشمس، والماء، والهواء، وأنواع من الغذاء والملبس والمسکن.

ومن أجل بقاء الحیاة فی أجسامنا نحن بحاجة إلى الأجهزة الداخلیة من قلب وعروق وجهاز للتنفّس والمخ والأعصاب.

ونحتاج فی الحیاة المعنویة ـ من أجل أن نمیّز الطریق السلیم عن غیره ونعرف الحقّ من الباطل ـ إلى قوّة عاقلة، وأرقى من ذلک نحن بحاجة إلى القادة الإلهیین والکتب السماویة.

وبما أنّ منشأ کل هذه الاُمور یعود کله إلى الله لذا فانّنا بحاجة إلیـه فی وجودنا کلّه.

إنّ الشهیق والزفیر فی عملیة التنفس یحدثان بتعاضد الآلاف من العوامل وبدونها لا یحدثان، وکلّ هذه العوامل هی هبات إلهیّة، ففی کلّ نفس هناک آلاف النعم، وینبغی الشکر على کلّ نعمة.

هذه الآیة وإن کانت تقصد کلام الذین یستغربون من إصرار النبی (صلى الله علیه وآله) على عبادة الله تعالى کما یذهب إلى ذلک بعض المفسّرین(1) ویقولون هل أنّ الله بحاجة إلى عبادتنا؟ فیجیبهم القرآن: أنتم الفقراء إلى الله وبعبادته تتکامل أرواحکم.

ولکن هذا الکلام لا یحدّد من سعة مفهوم الآیة فی جهاتها المختلفة، لأنّ قضیّة استغناء الله واحتیاجنا هی الأساس فی حلّ الکثیر من المشکلات.

وعلى أیّة حال فإنّ الفقر نافذ إلى أعماق ذات البشر أجمع، بل وکلّ الموجودات، ولا تقتصر الحاجة إلیه فی الرزق ومستلزمات الحیاة فقط، بل إنّ وجودَها یحتاج إلى فیضه فی کلّ لحظة وآن (فلو تَوقَف لحظة تهدّمت الهیاکل).

أجل، إنّ الغنی فی عالم الوجود هو الذات المقدّسة، ولمّا کان البشر ـ وهم تحفة عالم الخلق ـ بحاجة إلیه فی کلّ وجودهم فإنّ حال سائر الموجودات واضحة ولا تحتاج إلى بیان، ولذا فإنّ الآیة تضیف فی ذیلها: (وَاللهُ هُوَ الغَنىُّ الحَمِیدُ )وبملاحظة أنّ التعبیر أعلاه یدلّ على الحصر ـ وفق القواعد الأدبیة ـ فإنّ مفهومه لیس إلاّ هذا، وهـو إنّ الغنی المطلق هو الـذات المقدّسة لله سبحانه، ولـو قسّمنا البشر إلى (فقیر) و(غنی) فإنّ هذا أمر نسبی غیر حقیقی.

وبتعبیر آخر، إنّ الموجودات کلّها فقیرة ومحتاجة، وإنّ ذات الله المقدّسة تمثل الغنى والإستغناء، وهذا هو أوّل الکلام وآخره.

على هذا الأساس فإنّ الله سبحانه لا یحتاج إلى عبادتنا وطاعتنا أبداً، کما لا یحتاج إلى مدح وثناء، بل إنّ طاعتنا وعبادتنا لهُ ومدحنا وثناءنا علیه هی جزء من احتیاجنا إلیه وسبب لتکاملنا المعنوی والروحی، حیث إنّنا کلّما اقتربنا من منبع النور فإنّا نزداد نوراً، وکلما اقتربنا من المصدر الفیّاض ذاک فإنّا نستفید أکثر، وبتمثیل ناقص إنّنا کالنباتـات والأشجار التی تستقبل نـور الشمس دون أن تحتاج إلیهـا الشمس.

إنّ فهم هذه الحقیقة یقدّم للبشر درساً فی التوحید حتّى لا یخضعوا إلاّ إلى الله ولا یُطأطئوا رؤوسهم ویستسلموا لغیره وأن یمدّوا ید الحاجة إلیه لأنّهُ (غنی وکریم ورحیم وودود).

إنّ الإنتباه إلى هذه الحقیقة له الأثر البالغ فی تربیة الإنسان، فمن جهة یخرجه من حالة الغرور وعبادة هوى النفس، ومن جهة اُخرى یحرّره من جمیع القیود ویجعله غنیّاً عن سواه، وبهذه الرؤیة والفهم سوف لا یضیع فی عالم المادیات، ویتوجّه دائماً إلى مسبّب الأسباب.

وهنا لابدّ من الإلتفات إلى أمرین:

الأوّل: أنّ الله هنا (فی الآیة) قد وُصف بـ (الحمید) بعد وصفه بـ(الغنی)، وکما أشرنا أنّ هذا التعبیر قد تکرّر فی عشر آیات ممّا یدلّ على وجود نقطة مهمّة فیه ـ هی کما یحتمل ـ: إنّ الکثیر من الأغنیاء یتّصفون بصفات ذمیمة نظیر الکبر والغرور والحرص والبخل، حتّى لو کان لدى أحد إخوانهم نعجة واحدة ولدیهم 99 نعجة فانّهم سیصرّون على أن یسلبوه نعجته، إلى حدّ یتبادر فی ذهن الکثیر بأنّ لفظ (الغنی) تعنی الظلم والکبر والبخل، فی حین أنّ الله سبحانه فی عین کونه غنی فهو رحیم وعفو وغفور، ولذا هو أهل لکلّ مدح وثناء.

أجل، إنّ (الغنی) الوحید المُبرَّأ من کلّ عیب ونقص وذو الفضل واللطف والرحمة هی الذات المقدّسة.

الثانی: أنَّ المخاطبین فی الآیة هم البشر فقط: ( یَاأَیُّهَا النَّاسُ ) فلماذا لم تذکر الموجودات الاُخرى فی حین أنّها فقیرة إلى الله أیضاً؟

قال الکثیر من المفسّرین إنَّ ذلک ناشی من سعة حاجة الإنسان، فکلّما کان الموجود أکمل فانّه أکثر احتیاجاً فی مسیرته ویزداد شعوراً بالحاجة کما هو الحال فی الإحتیاج المادّی، فالطیر یقنع بشیء من الماء والحبّ والعشّ البسیط فی حین لا یقتنع الإنسان بألوان الطعام واللباس والبیوت والقصور!(2).

والآیة الثانیة تحدثت عن (الإنفاق فی سبیل الله) وبخل البعض فی الانفاق فی سبیل الله وانعکاس بخل البخلاء على أنفسهم لأنّهم محرومون من فیض الله ورحمته اللامحدودة، فتقول: (وَاللهُ الغَنىُّ وأنتُمُ الفُقَراءُ ).

قد یکون هذا التعبیر من أجل رفع التصوّر بأنَّ الله تعالى عندما یدعو الناس إلى الإنفاق فی سبیل الله فانّه محتاج إلى إنفاقهم، أو أنَّ هـذه الجملة تتنافى مع الجملة التی وردت فی آیات سابقة حیث تقول: ( ولا یَسئَلکُمُ أَموَالَکُم).

فتقول الآیة: إنّ الله غنی على الإطلاق والجمیع محتاجون إلیه، فعندما یأمرهم بالإنفاق فلیس ذلک لحاجته، بل لأنّهم هم المحتاجون، ویصلون إلى الکمال عن هذه الطرق ویتقرّبون إلى ذلک الوجود اللامحدود.

صحیح أنّ بدایة الآیة ترتبط بـ (الفقر والغنى المالیین) وتنظر إلى الإنفاق فی سبیل الله، غیر أنّ الإطلاق فی ذیل الآیة یعطی مفهوماً واسعاً، ففی الوقت الذی تعرّف الله سبحانه بالغنی المطلق فانّها تعتبر البشر محتاجین فی کلّ وجودهم، وقد نفذ الفقر إلى أعماق ذواتهم ولهذا یمکن استخدامه للاستدلال فی هذا البحث.

على أیّ حال فإنّ من الملفت أنّه هو الذی تفضّل بالهبات کلّها ووهبها للعباد ثمّ یطلب منهم أن ینفقوا فی سبیل الله، وهذه مقدّمة لهبات أکبر.

ولا ینحصر هذا فی قضیّة الإنفاق فحسب، بل یجری فی کلّ التکالیف وتعود بنتائجها على العباد أنفسهم.

وقد جاء هذا المضمون فی آیات عدیدة منها ما تضمّنته هذه الآیة حیث نقرأ: ( قُلْ مَا سَأَلتُکُم مِّنْ أَجْر فَهُوَ لَکُم إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلىَ اللهِ ). (سبأ / 47)

وکما جاء فی قوله تعالى: (وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّما یُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ، إِنَّ اللهَ لَغَنِىٌ عَنِ العَالَمِینَ).(العنکبوت / 6)

والآیة الثالثة والأخیرة من بحثنا تُصوِّر هذا المضمون (الفقر العامّ للموجودات والغنى المطلق لله) فی حُلّة جدیدة وجمیلة وتقول: (یَسئَلُهُ مَنْ فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ).

وکلّ یوم هو فی شأن ومنح مواهب جدیدة: ( کُلَّ یَوم هُوَ فی شَأْن ).

وبملاحظة الفعل المضارع (یسأل) والذی یدلّ على الاستمرار، وملاحظة ما للآیة من معنى واسع یشمل البشر جمیعاً والملائکة وسکنة السماء والأرض (وباحتمال قوی یشمل کلّ الموجودات العاقلة وغیر العاقلة، والتعبیر بـ(من) الذی یستعمل للعاقل هو للتغلیب) وملاحظة أنّ الآیة لم تذکر الموضوع المسؤول عنه فیدلّ ذلک على شمولیة الآیة، وسیکون مفهوم الآیة هو أنَّ کلّ الموجودات فی عالم الخلیقة تستمدّ الفیض من مبدأ الفیض بلسان حالها بصورة دائمة ومستمرّة، (فیض الوجود ومتعلّقاته).

ولیس هذا الطلب من ذات ممکن الوجود فی حالة الحدوث فحسب، بل فی البقاء أیضاً یکون محتاجاً إلى واجب الوجود وفی کلّ لحظة یطلب منه الوجود.

وقد ورد هذا المعنى بتعبیر واحد تقریباً فی تفسیر (روح البیان) و(روح المعانی) حیث جاء فیهما «.. قاطبة ما یحتاجون إلیه فی ذواتهم ووجوداتهم حدوثاً وبقاءً وسائر أحوالهم سؤالا مستمرّاً بلسان المقال وبلسان الحال فانّهم کافّة من حیث حقائقهم الممکنة بمعزل عن استحقاق الوجود وما یتفرّع علیه من الکمالات بالمرّة بحیث لو انقطع ما بینهم من العنایة الإلهیّة من العلائق لم یشمّوا رائحة الوجود أصلا فهم فی کلّ آن مستمرّون على الإستدعاء والسؤال»(3) من هنا یتّضح أنّ اعتقاد البعض بأنَّ السؤال یرتبط بـ (الرزق) أو (الرحمة الإلهیـّة) أو (متطلّبات الدیـن والدنیا) أو (العلم بعاقبـة العمل وصلاح النفس وفسادها) فقط لا دلیل علیه وإنْ اندرجت فی المفهوم الواسع للآیة.


1. تفسیر الکبیر; وتفسیر روح المعانی فی ذیل آیة مورد البحث.
2. انتبه بعض المفسّرین إلى هذه النقطة أیضاً وهی أنّ ذکر (الفقراء) بصورة معرفة (مع أنّ الخبر یکون نکرة عادةً فلو کان معرفة لما احتاج المخاطب إلى الخبر) هو للتنبیه والتذکیر، أی أنّ المخاطب نفسه یعلم بأنّه فقیر إلى الله وهذا تذکیر لیس إلاّ، وقد جاء فی علم البلاغة أیضاً أنّ المخاطب العالم الذی لا یعمل بعلمه یعتبر جاهلا وینذر عن طریق الأخبار (تأمّل جیّداً).
3. تفسیر روح البیان، ج 9، ص 299; وتفسیر روح المعانی، ج 27، ص 95.

 

1 ـ برهان الوجوب والإمکان من الناحیة الفلسفیةشرح المفردات
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma