الذنب الذی لا یُغتفر

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الثالث)
أعظم الظلمشرح المفردات

تصرّح آیة البحث الاُولى بأنّ الشرک هو الذنب الوحید الذی لا یغتفر حیث تقول: (إِنَّ اللهَ لاَ یَغفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ وَیَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِکَ لِمَنْ یَشاءُ ).

ومفهوم هذه العبارة هو أنّ جمیع الذنوب الکبیرة والمظالم والجرائم والقبائح لو وضعت فی کفّة میزان ووضعَ الشرک فی الکفّة الاُخرى لرجّحت کفّة الشرک.

ولذا یقول ذیل الآیة من أجل التأکید أو إقامة الدلیل: (ومَنْ یُشرِکْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِیماً ).

ویعتقد بعض المفسّرین أنّ الآیة نزلت فی الیهود (بقرینة الآیات التی بعدها) حیث اتّحد بعضهم مع المشرکین العرب وکانوا یقدّسون أصنامهم ویعتقدون ـ فی الوقت ذاته ـ أنّهم من أهل النجاة!

ولو سلّمنا بسبب النزول هذا فإنّه لا یضیق دائرة مفهومها.

وقال بعض: إنّ الآیة نزلت فی جمع من المشرکین (کوحشی قاتل حمزة عمّ النبی، وأمثاله) وقد ندموا على ما فعلوا بعد مدّة وکتبوا إلى رسول الله (صلى الله علیه وآله): «إنّا قد ندمنا على الذی صنعناه ولیس یمنعنا عن الإسلام إلاّ إذا سمعناک تقول وأنت بمکّة: (وَالَّذِینَ لاَ یَدعُونَ مَعَ اللهِ اِلهاً آخَرَ وَلاَ یَقتُلُونَ النَّفسَ الَّتِى حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَلاَ یَزْنُونَ...). (الفرقان / 68)

وقد دعونا مع الله إلهاً آخر وقتلنا النفس التی حرّم الله وزنینا فلولا هذه لاتّبعناک فنزلت هذه الآیة: (إِلاَّ مَن تَابَ وعَمِلَ عَملا صَالِحاً... ). (الفرقان / 69)

فبعث بهم رسول الله (صلى الله علیه وآله)إلى وحشی وأصحابه، فلمّا قرؤوها کتبوا إلیه: إنّ هذا شرط شدید نخاف أن لا نعمل عملا صالحاً فلا نکون من أهل هذه الآیة فنزلت: (إنَّ اللهَ لاَ یَغْفِرُ...)فبعث بها إلیهم فقرأوها فبعثوا إلیه: إنّا نخاف أن لا نکون من أهل مشیئته فنزلت:

(قُلْ یَا عِبَادِی الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ) . (الزمر/53)

فبعث بها إلیهم فلمّا قرأوها دخل هو وأصحابه فی الإسلام ورجعوا إلى رسول الله(صلى الله علیه وآله)فقبل منهم...»(1).

على أیّة حال فإنّ الآیة کما یقول کثیر من المفسّرین ـ هی إحدى الآیات القرآنیة التی تبعث روح الأمل حیث تقول: إنَّ الإنسان إذا خرج من الدنیا بإیمانه فإنّه سوف لا ییأس من رحمة الله، ولکن إذا خرج بلا إیمان أی فی حالة شرک فإنّه لا سبیل له إلى النجاة.

الآیة الثانیة تتحدّث عن مضمون الآیة السابقة ذاته مع فارق هو أنّها تقول فی ذیلها: (وَمَنْ یُشرِک بِالله فَقَد ضَلَّ ضَلالا بَعید) والکلام فی الآیة السابقة دار حول الإثم العظیم وأمّا هنا فهو یدور حول الضلال البعید، وهذان أمران متلازمان إذ أنّ الذنب کلّما کان أعظم فإنّه یبعّد الإنسان أکثر ویزیده ضلالا.

والآیة السابقة لاحظت الجانب العلمی والعقائدی من الشرک وهنا لاحظت الآثار العملیة له، ومن الأکید أنّ هذه الآثار تنشأ من تلک الجذور.

الآیة الثالثة تحمل أوضح التعابیر وأقساها عن عاقبة الشرک والانحراف عن التوحید حیث تخاطب النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله): ( لقد اُوحِىَ اِلیکَ وَإِلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکَ لَئِن أَشْرکتَ لَیَحبطنَّ عَملُکَ وَلَتَکُوننَّ مِنَ الخاسِرینَ ).

ومن الثابت أنّ رسول الإسلام (صلى الله علیه وآله) وکلّ نبی من الأنبیاء، لم یسلکوا ـ لعصمتهم ـ طریق الشرک أبداً، إلاّ أنّ الآیة ومن أجل بیان أهمیّة المسألة ولکی یحسب الآخرون حسابهم قامت ببیان أخطار الشرک بهذه الدرجة من الحزم.

واستناداً إلى هذه الآیة فلو أفنى الإنسان حیاته فی العبادة وعبودیة الله ومارس الأعمال الصالحة ولکنّه أشرک فی آخر عمره لحظةً واحدة ومات بتلک الحالة فإنّ أعماله سوف تُحبط، فالشرک بمنزلة صاعقة محرقة تَلتَهم حصیلة عمره وتصیّره رماداً، وکما أشار القرآن الکریم فی الآیة 18 من سورة إبراهیم إلى أنّه رماد اشتدّت به الریح فی یوم عاصف.

«لیحبطن»: من (حبط) وأصله (حَبَط) ویطلق على الحیوان حینما یأکل الکلأ حتّى ینتفخ فیمرض ثمّ یموت، ثمّ استعمل فی الأعمال الکثیرة ذات المظهر الجمیل ولکن باطنها فاسد وتؤول إلى الفناء(2).

وقد جاء نظیر ذلک فی (لسان العرب) و(مصباح اللغة)، غیر أنّ لسان العرب ذکر أنّ أحد معانی (إحباط) هو جفاف ماء البئر وعدم توقّفه.

وفی (مقاییس اللغة) أنّ الأصل فی معناه هو (البطلان) أو (الألم) کما أنّ (حبط) یطلق کذلک على الجرح بعد شفائه.

على أیّة حال فإنّ هذه المفردة فی آیة البحث والکثیر من الآیات والروایات تعنی محق ثواب الأعمال الصالحة وزوال آثارها الإیجابیة.

وهناک أبحاث حول حقیقة حبط الأعمال وکیفیته ولکن لا مجال لبیانها.


1. تفسیر مجمع البیان، ج 3، ص 56.
2. مفردات الراغب، مادّة (حبط).

 

أعظم الظلمشرح المفردات
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma