النور الوهّاج فی الظلمات

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الثالث)
تمهیداللجوء إلى الله فی الشدائد

فی الآیة الخامسة والأخیرة التی نبحثها نلاحظ أنّ محتوى الآیات السابقة نفسه ولکن فی اطار جدید وجمیل حیث تقول: ( قُلْ مَنْ یُنجِّیکُمْ مِّنْ ظُلُماتِ البَرِّ والبَحرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْیَةً)، فی هذه الحالة تنأى عنکم المعبودات المزیّفة وتلجأون إلى لطف الله وحده وتقولون: ( لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَکُونَنَّ مِنَ الشَّاکِرِینَ).

والتعبیر بـ «ظلمات البرّ والبحر» تعبیر جمیل یمکن أن یکون إشارة إلى الظلام الظاهری الذی یحدث فی اللیل أو عند هبوب الأعاصیر والریاح المحملة بالغبار وعند ظهور السحب السوداء فی السماء، وهذا الظلام مرعب ومخیف وخاصّة إذا کان فی البحر والصحراء، أو حصول الخوف من هجوم الحیوانات الوحشیة فی الصحراء.

ویمکن أن یکون له ـ کما ذکر ذلک بعض المفسّرین ـ معنى کنائی فیشمل المشکلات والشدائد والآلام(1).

کما یحتمل تضمّن الآیة الظلامین: الظلام الظاهری الذی یفرض الوحشة على الإنسان والظلام المعنوی الموحش المؤلم أیضاً، وعلى کلّ حال فإنّ هذه الآلام تحصل فی السفر غالباً، والآیة تقصد هذا المعنى أیضاً.

والتعبیر بـ «تضرّعاً وخفیة» تعبیر جمیل أیضاً لأنّ (التضرّع) یعنی الدعاء والطلب الصریح وإظهار التذلّل(2)، فی حین تشیر (خفیة) إلى الدعاء الکامن فی أعماق القلب، ویحتمل أن یقصد التعبیران الحالتین فی الإنسان، حیث یدعو الله فی قلبه حینما تبدو ظلمات المشکلات، وعندما یُبتلى بمشکلات عویصة وکبیرة یقوم بإظهار ما فی قلبه ویتضرّع إلى الله ویلتمسه.

ومن المحتمل أن یقصد هذا التعبیر حالات الفئات المختلفة، فبعضها تدعو الله جهاراً فی مثل هذه الأحوال وبعضها تدعوه خفاءً وکأنّها تشعر بالخجل أمام الأصنام! أو من الناس الذین عرفوا أنّها تعبد الأصنام فلماذا لا تلجأ إلى الأصنام فی المشکلات؟! على کلّ حال فإنّها ترجع إلى فطرتها فی مثل هذه الأحوال وتستضیء قلوبها بنور التوحید وعبادة الواحد، وترفض کلّ ما سواه وتنسى کلّ ما یذکرها به وتستیقن بأنّ الأصنام لیست أهلا، وعبارة الأصنام لا فائدة فیها ولا سبیل إلاّ التوحید.

فی مثل هذه الأحوال تعاهد الله وتنذر وتتعهّد بأنّه إذا نجاها من هذه الشدائد والآلام وأذاقها حلاوة اللطف والرحمة فإنّها ستبقى شاکرة ومدینة ورهینةً للطفه، ولکنّها بعد الخلاص من المضائق تنسى ـ فی الغالب ـ کلّ عهودها وتعهّداتها، کما یشیر إلى ذلک ذیل الآیة: ( قُلِ اللهُ یُنَجِّیکُمْ مِّنْها وَمِنْ کُلِّ کَرْب ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِکُونَ )(3).

وکما ذکرنا فإنّ هذه الحالة هی حالة أغلب المشرکین، وأمَّا الفئة التی لها قابلیة أکبر فإنّها تتیقّظ بصورة دائمة وتبصر طریقها وتهجر الشرک.

من مجموع الآیات التی ذکرت تظهر هذه الحقیقة وهی: أنّ القرآن الکریم لا یعدّ غریزة المعرفة الإلهیّة فی الإنسان أمراً فطریّاً وحسب بل یعتبر الإیمان بوحدانیته من الاُمور الفطریة أیضاً، وبما أنّ الفطرة الأصیلة فی الإنسان تتعرّض فی الغالب إلى حجاب الرسوم والعادات والأفکار المنحرفة والتعالیم المغلوطة فینبغی انتظار تلک الساعة التی تزول فیها هذه الحجب، من هنا فإنّ القرآن یشیر إلى لحظات حسّاسة فی حیاة الإنسان وذلک عندما تزول الحجب بواسطة عواصف الأحداث ویبقى الإنسان وفطرته وصریح وجدانه فیدعو حینئذ ربّه لوحده ویزول عنه ما سواه، ویدلّ هذا جیّداً على أنَّ عبادة الواحد والتوحید مستودعة فی أعماق روحه، وفی هذا المجال مرّت بحوث تکمیلیة اُخرى فی أوّل الکتاب فی بحث الفطرة والمعرفة الإلهیّة.


1. تفسیر المیزان، ج 7، ص 136; وتفسیر فی ظلال القرآن، ج 3، ص 269.
2. مفردات الراغب: تضرّع، أظهر الضراعة.
3. «الکرب» یعنی الغمّ والهمّ الشدید.

 

تمهیداللجوء إلى الله فی الشدائد
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma