الله مالک الملک

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الثالث)
1 ـ الآثار التربویة للإیمان بتوحید المالکیة والحاکمیةشرح المفردات

قال المفسّرون: إنّ الآیة الاُولى نزلت بعد فتح مکّة، أو حینما کان النبی الکریم (صلى الله علیه وآله)مشغولا بحفر الخندق قبیل معرکة الأحزاب حیث بشّر المسلمین بفتح بلاد فارس والروم وقد اعتبر المنافقون ذلک تخیّلات وتکهّنات وتشبّثاً بالمحالات(1).

وفی هذه الأثناء نزلت الآیة المذکورة وأنذرت الجهلاء بأنّ الله مالک کلّ البلدان حیث قالت: (قُلِ اللّهُمَّ مَالِکَ المُلکِ تُؤْتِى المُلْکَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلکَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ) ولیس الحکومات فقط ولیس العزّة والذلّة بل: (بِیَدِکَ الخَیرُ إِنَّکَ عَلى کُلِّ شَىء قَدِیرٌ)(2).

وقدرة الله عزّوجلّ على کلّ شیء هی ـ فی الحقیقة ـ دلیل حاکمیته على الأرض والسماء.

ومن الواضح أنّ لمالکیة الله بُعداً عامّاً وحقیقیّاً، فی حین ما جاء فی المورد الآخر فی جملة: ( تؤتی الملک من تشاء ) یکون له بعد جزئی ومجازی.

ولا دلیل على تحدید مفهوم الآیة بفتوحات الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) أو عزّة المؤمنین وذلّة الیهود وما شاکل ـ کما یعتقد بعض المفسّرین ـ بأنَّ للآیة مفهوماً واسعاً یشمل کلّ الحکومات وکلّ عزّة وذلّة، وما قالوه فهو من مصادیقها الواضحة، والجملة الأخیرة: (إِنَّکَ عَلى کُلِّ شَیء قَدیرٌ ) هی فی الواقع بمثابة الدلیل على هذه المالکیة الإلهیّة العامّة والمطلقة.

وواضح أنّ المشیئة والإرادة الإلهیّة التی استند إلیها فی هذه الآیات لا تعنی أنّ الله یعزّ أو یذلّ أو یعطی الحکومة ویسلبها بدون حساب، بل إنّه وضع فی عالم الأسباب مجموعة من عوامل النصر والهزیمة وهی مظاهر مشیئته وإرادته.

فحینما یوفَّقُ المسلمون یوماً لفتح الأندلس وهی بوابة اوربا أو یخرجون من تلک الدیار المعمورة یوماً آخر فإنّ ذلک حدیث وفق تلک الأسباب التی هی مظاهر لمشئیته الإلهیّة.

وعندما یتسلّط أمثال یزید وجنگیزخان على الناس فلعلّه نتیجةً لأعمال الناس أنفسهم حیث إنهم یستحقون مثل هذه الحکومات فقد ورد: «کیفما تکونوا یولّى علیکم».

من هنا یتّضح الجواب على الأسئلة التی تطرح حول آیة البحث ولیست بحاجة إلى توضیح أکثر.

الآیة الثانیة تنظر إلى الإشکالات الواهیة التی أُثیرت من قبل الیهود حول تغییر القبلة بقولهم: هل بإمکان الله أن ینسخ حکماً ویحلّ حکماً آخر محلّه؟ أن یرفع حکم القبلة من بیت المقدس ویجعله للکعبة؟ فتقول: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْکُ السَّماوَاتِ وَالاَْرضِ).

وعلیه هل یکون عجیباً أن یقوم مثل هذا الحاکم العظیم بنسخ حکم؟

إنّه لیس مطّلعاً على مصالح العباد فحسب بل له الحاکمیة أیضاً وهو مالک التدبیر والتصرّف المطلق فی الکون وفی عباده.

ولذا تضیف الآیة فی ذیلها: (وَمَا لَکُمْ مِّنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِیٍّ وَلاَ نَصیر).

إنّه یعینکم فی ضوء علمه بالمصالح والمفاسد وفی ظلّ حاکمیته یسنّ القوانین، ثمّ أنّ الله تعالى لیس له مکان لکی تتوجّهوا إلیه فی الصلاة، وعلیه فإن قیمة المکان المتّخذ کقبلة ـ مع أنّ الکون بأسره ملک له ـ ناشئة من أمره بذلک.

وقد ورد وصف الله تعالى بأنّه (ولی) و(نصیر) فی القرآن بکثرة، ویمکن أن یکون الاختلاف بینهما من جهتین: الاُولى أنّ (ولی) یعنی حافظ المصالح و(نصیر) هو الذی ینصر الإنسان على عدوّه، والاُخرى: أنّ (ولی) هو الذی یؤدّی عملا لشخص تحت ولایته، ولکن (نصیر) هو الذی یعین الإنسان لیتغلّب على مشکلته.

الآیة الثالثة ومن خلال الإشارة إلى خلق الإنسان والحیوانات والتطوّرات العجیبة تقول: ( ذلِکُمُ اللهُ رَبُّکُمْ لَهُ المُلْکُ )، فهو الخالق وهو المربّی ولذا فهو المالک والحاکم، ثمّ تجعل الآیة هذه القضیّة مقدّمة لإثبات توحید العبادة وتضیف: ( لاَ إلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنّى تُصْرَفُونَ ).

فیا أیّها الغافلون الجاهلون ویاأیّها التائهون فی وادی الضلالة! کیف تحیدون مع وجود هذه الدلائل الواضحة عن الإعتراف بخالقیة الله وربوبیته ومالکیته؟! هذا الجزء من الآیة یثبت فی الحقیقة (توحید العبادة) استناداً إلى (توحید الحاکمیة) لله تعالى وحاکمیته بالإستناد إلى مسألة الخلق التی یذعن حتّى المشرکون بأنّها مختصّة بالله عزّوجلّ.

الآیة الرابعة تنظر إلى قصّة طالوت وجالوت، فقد کان جالوت جبّاراً ومجرماً وحاکماً على بنی إسرائیل وقد آذاهم کثیراً.

وقد قام النبی (اشموئیل)(3) بطلب من بنی إسرائیل بتنصیب (طالوت) الذی کان من القرویین الفقراء قائداً للجیش وحاکماً على بنی إسرائیل!

أمّا الملأ من بنی إسرائیل فقد احتجّوا على هذا الإنتخاب واعتبروا أنفسهم أرجح منه، وذلک لما لهم من ثروة وفخامة! إلاّ أنّ نبیّهم قال لهم بصراحة: (إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَکُمْ طَالُوتَ مَلِک) وأضاف: ( إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَیْکُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِى العِلْمِ والجِسْمِ واللهُ یُؤْتِى مُلْکَهُ مَنْ یَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِیمٌ ). (البقرة / 247)

وعلیه فانّه لا یکون حاکماً تکوینیاً على عالم الوجود فحسب، بل إنّ الحاکمیة القانونیة والتشریعیة على المجتمع البشری هی لذاته المقدّسة ویمنحها لمن یشاء وإن کانت إرادته ومشیئته قائمة على أساس الأهلیة واللیاقة.

الآیة الخامسة تبیّن هذه المسألة فی إطار جدید، فبعد بیان حاکمیة الله على الشمس والقمر ونظام النور والظلم تستنتج بهذا النحو بقولها: (ذَلِکُمُ اللهُ رَبُّکُم لَهُ المُلکُ).

فی حین لیس للمعبودات من دونه حاکمیة ولا مالکیة حتّى بحجم الغشاء الرقیق الذی یغلّف نوى التمر: ( وَالَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا یَمْلِکُونَ مِنْ قِطْمِیر ).

وقد ذکر المفسّرون واللغویون معانیَ مختلفة لکلمة قطمیر، أشهرها هو الغشاء الرقیق الذی یفصل النوى عن التمر.

وقد فسّره البعض بأنّه یعنی التجوّف الأبیض الصغیر الذی یوجد على ظهر النوى وینمو منه نبات التمر، وفسّره البعض بأنّه رأس التمرة، وفسّره بعض آخر بمعنى الشقّ الموجود على بطن النوى، أو بمعنى النطفة الحیّة الموجودة فی بطن النوى.

ترتبط هذه المعانی الخمسة بنوى التمر التی کانت فی متناول العرب، وهناک تفسیر آخر ذکر لهذه الکلمة وهو غشاء البصل، ولکن الأشهر ـ کما ذکرنا ـ هو المعنى الأوّل وعلى کلّ حال هو کنایة عن الشیء الصغیر والتافه الذی لا یؤبه له(4).

والآیة هذه دلیل واضح على أنّ المالکیة والحاکمیة لا تکون لأحد سوى الله عزّوجلّ إلاّ أن تکون بمشیئته وهبته.

وفی الآیة السادسة والأخیرة جاء هذا المضمون فی إطار جدید، حیث تخاطب النبی(صلى الله علیه وآله): ( قُلِ ادْعُوا الَّذِینَ زَعَمْتُم مِنْ دُونِ اللهِ ) هل بإمکانهم أن یحلّوا عقدة من مشکلاتکم؟

ثمّ تقیم دلیلا على عجزهم فی حلّ المشکلات وتضیف: (لا یَمْلِکُونَ مِثْقَالَ ذَرَّة فِى السَّماوَاتِ وَلاَ فِى الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِیهِمَا مِن شِرْک وَمَا لَهُ مِنْهُم مِنْ ظَهِیر).

وعلیه فانّهم لیسوا مالکین مستقلّین ولا شرکاء ولا معاونین، فأی عمل هم قادرون على إنجازه حتّى تسجدوا لهم وتعبدوهم؟!

بهذه الاستدلالات الواضحة ینفی القرآن الکریم کلّ شریک فی المالکیة والحاکمیة فی عالم الوجود الواسع بصورة مستقلّة ومشترکة ومتعاضدة، وتعتبر ذلک کلّه مختّصاً فی الله، وینزّه الله عن کلّ شریک ومعین وناصر فی عالم الوجود کلّه.

المستفاد من مجموع هذه الآیات الستّ والآیات القرآنیة المشابهة لها هو أنّ المالک والحاکم على عالم الوجود بأسره لا یکون فی منظار الموحّد الکامل إلاّ الله، ولا یملک أحد فی أی موضع ومنصب جزءاً صغیراً، وبهذا لا یبقى للمشرکین أی مبرّر لعبادة الأصنام أو ربّ الأنواع أو الملائکة وغیرها.


1. تفسیر مجمع البیان، ج 2، ص 427; وتفسیر الکبیر، ج 8، ص 4.
2. قال بعض اللغویین: الخیر والإختیار لهما مادّة واحدة، والحسنات خیر لأنّ کلّ إنسان یختارها (التحقیق، المفردات، تفسیر المیزان فی ذیل آیة البحث).
3. احتمل بعض المفسّرین أنّه النبی شمعون أو یوشع ولکنّهما یبدوان بعیدین، أمّا بالنسبة لیوشع الذی کان وصیّاً لموسى (علیه السلام) فهو غیر ممکن تقریب.
4. راجع تفاسیر مجمع البیان; روح المعانی; القرطبی; المیزان; المراغی; ومفردات الراغب، لسان العرب; ومجمع البحرین.

 

1 ـ الآثار التربویة للإیمان بتوحید المالکیة والحاکمیةشرح المفردات
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma