إنَّ من السهل معرفة الله وإدراک وجوده عزّ وجلّـ وخاصةً عن طریق التفکُّر بعالم الوجود ـ، ولکن بقدر ما تکون معرفته تعالى سهلةً ، فإنّ فهم وإدراک صفاته صعب للغایة ، وذلک لأنّنا نمتلک فی مرحلة إدراک وجود الله أدلّة بعدد نجوم السماء وأوراق الأشجار وأنواع النباتات والحیوانات ، بل بعدد خلایا کل نبات وحیوان ، وبعدد ذرات الکون ، وکلّها تدل على أصل وجوده عزّ وجلّ .
وبما أنّ سلوک الطریق الصحیح المتمثّل بتنزیهه عزّ وجلّ عن صفات مخلوقاته وترک تشبیهه تعالى بمخلوقاته هو الشرط الأول فی معرفة صفاته ، فإنّ الأمر یصبح معقداً.
والدلیل على ذلک واضحٌ أیض ، فقد ترعرعنا فی أحضان الطبیعة وتطبّعنا بطباعه ، وکل ما رأیناه وسمعناه ینحصر فی إطار الحوادث الطبیعیّة ، وهذه الطبیعة بذاتها أعانتنا على معرفة الله أیض .
ولکننا عندما نصل إلى بحث صفاته تعالى ، فإننا لا نجد حتّى صفة واحدة من صفاته یُمکن قیاسها ومقارنتها بما رأیناه وسمعناه ، وذلک لأنّ صفات المخلوقین ینقصها الکمال دائم ، وصفاته عزّ وجلّ منّزهة عن أی نقص وهی عینُ الکمال .
وعلیه فإنّ نفس هذه الطبیعة التی تعتبر أفضل معین ومرشد لنا فی طریق معرفة وإدراک وجوده تعالى ، فانّها تصبح أحیاناً عائقاً لنا فی طریق معرفة صفاته .
لذلک یجب علینا رعایة جوانب الاحتیاط عند سلوک طریق معرفة صفات الله قدر الإمکان کی نکون فی مأمن من الوقوع فی محذور التشبیه والقیاس .
إنّ ما ذکرناه یمثل لمحة خاطفة ، ولننطلق الآن إلى مطالعة الآیات النازلة فی هذا المجال :
1 ـ (وَللهِِ الأَسْمـَاءُ الحُسْنَى فَادعُوهُ بِهـَا وَذَرُوا الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِى أَسْمـَائِهِ) .( الاعراف / 180 )
2 ـ (لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَىءٌ وَهُوَ السَّمِیعُ البَصِیرُ) . ( الشورى / 11 )
3 ـ (فَلاَ تَضْرِبُوا للهِِ الأَمثـَالَ إِنَّ اللهَ یَعْلَمُ وَاَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) . ( النحل / 74 )
4 ـ (وَلَمْ یَکُنْ لَهُ کُفُواً اَحَدٌ) . ( الاخلاص / 4 )
5 ـ (سُبْحـَانَ اللهِ عَمَّا یَصِفُونَ) . ( الصافات / 159 )
6 ـ (مـَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ اِنَّ اللهَ لَقَوِىٌ عَزِیزٌ) . ( الحج / 74 )
7 ـ (یَعْلَمُ مـَا بَینَ اَیْدیهِمْ وَمـَا خَلْفَهُم وَلاَ یُحیطُونَ بِهِ عِلْماً) . ( طه / 110 )