و هو معکم أینما کنتم!

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن ( الجزء الرابع)
نتیجة البحثأینما تُولوا فثم وجه الله

تقول الآیة الثالثة بصراحة (وَهُوَ مَعَکُمْ أَیْنَ مَا کُنْتُم) . ولأنّه کذلک فهو بما تعملون بصیر: (وَالله بَمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ) .

یُشیر هذا التعبیر بوضوح إلى أنّه جلّ وعلا لا مکان له ، أو بتعبیر آخر ، هو فوق الزمان والمکان ، ولهذا فهو حاضر فی کُلّ مکان وقد أحاط بکُلّ شیء علم .

قال بعض المفسرّین ـ کما ورد فی تفسیر ( روح المعانی ) : یجب تأویل هذه الآیة وحملها على المعنى المجازی والقول بأنّ المقصود منها هو : ( علمهُ بنا لا ذاته المقدّسة ) .

وهؤلاء غافلون عن أن علم الله تعالى علم حضوری ، لا کعلمنا الذی یتم عن طریق تصویر الأشیاء فی الذهن ، والعلم الحضوری معناه حضور کل شیء بین یدیه ، وبحضور ذاته فی کل مکان فهی تحیط بها جمیعاً (1) .

وقال بعض المفسرین فی تفسیر هذه الآیة: کل ممکن فوجوده من الواجب ، فاذن وصول الماهیة الممکنة إلى وجودها بواسطة فیض الواجب الحق ذلک الوجود لتلک الماهیة فالحق سبحانه هو المتوسط بین کل ماهیه وبین وجوده ، فهو إلى کل ماهیة أقرب من وجود تلک الماهیة(2) .

وقد ورد فی تفسیر المیزان أنّ هذه المعیّة نابعة من إحاطته بکم ، فلا تغیبون عنه اینما کنتم ، وفی أیّ زمان عشتم ، وفی أیّ حال فرضتم ، فذکر عموم الامکنة ( أیْنَ مَا کنتم ) لأنّ الاعرف فی مفارقة شیء شیئ ، وغیبته عنه أن یتوسل إلى ذلک بتغییر المکان ، وإلاّ فنسبته تعالى إلى الأمکنة والأزمنة والأحوال سواء (3) .

ولکن من لم یستطیعوا فهم إحاطة الله الوجودیّة بجمیع الممکنات بصورة صحیحة ، حملوا هذه الآیة على المعنى المجازی فقالوا: إنّ المراد من معیّة الله للموجودات ، هو شمول علمه وقدرته وحاکمیته علیهم(4) .

أمّا الآیة الرابعة فقد أشارت إلى مسألة النجوى فقالت: (مَا یَکُونُ مِن نَّجوَى ثَلاَثَة إلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمسَة إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُم وَلاَ أَدنَى مِن ذَلِکَ وَلاَ أَکثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَینَ مَا کَانُوا) .

« النجوى »: فی الأصل بمعنى المکان المرتفع المنعزِل عمّا حوله لارتفاعه ، ولکون إذا أراد شخص أن یُسِرَّ شیئاً لصاحبه یأخذه إلى معزل عن الناس . فإنّ کلمة نجوى استُعملت بمعنى الهمس فی الأُذن .

یعتقد البعض بوجوب وجود ثلاثة أشخاص أو أکثر لتحقُّق معنى (النجوى) ، وإن کانا إثنین یُطلق على هذا العمل ( سرار ) ، لکن هذه المسألة لم تثبت ، خصوصاً أنّ کلمة نجوى وردت فی آیات سورة المجادلة للتعبیر عن الذین کانوا یناجون الرسول(صلى الله علیه وآله) بصورة انفرادیّة .

وللمفسرین بیانات متعددة بسبب ذکر ثلاثة وخمسة أشخاص بالخصوص وعدم ذکر الأربعة التی تقع بین الثلاثة والخمسة ، أقواها هو أنّه لو ذُکرَ الأربعة أشخاص لتکرر العدد ( أربعة ) فی الجملة الأولى والثانیة ، وهو ینافی البلاغة والفصاحة ( سوى فی حالات خاصّة ) ، مضافاً إلى ذلک فإنّ قوله تعالى فی نهایة الآیة : (وَلاَ أَدنَى مِن ذَلِکَ وَلاَ أَکثَرَ)سیشمل مالم یُذکر بین هذین العددین ، وعلیه یشملُ ماقبل العدد ثلاثة ( أی إثنین ) وما بعده ( أی أربعة ) ، وکذلک الأکثر من الخمسة ، وهذه نقطة اُخرى تدلّ على فصاحة هذه الآیة ، وعلى أن تعبیر ( نجوى ) یشمل الشخصین أیض .

وقال البعض الآخر : إنّ الآیة أعلاه تتحدث عن حادثتین قام بها المنافقون اشترک فی الاُولى ثلاثة أشخاص ، وخمسة أشخاص فی الثانیة .

وعلى أیّة حال فإنّ المراد من المعیّة ( معیّة الله لعباده فی نجواهم ) هو نفس الإحاطة الوجودیّة المشار إلیها فی الآیة السابقة ، والعجب من بعض المفسّرین الذین أیدوا هذا المفهوم فی الآیة السابقة ، لکنهم فسّروا المعیّة هنا بمعنى الاحاطة العلمیّة ، ولعل ذلک بسبب تحدُّث الآیة فی البدایة عن سعة علم الله وشموله جمیع ما فی السموات والأرض : (أَلَم تَرَ أَنَّ الله یَعْلَمُ مَا فِى السَّماوَاتِ وَمَا فِى الأَرضِ) . (المجادلة / 7)

ولکن من البدیهی أنّ إحاطة الله الوجودیّة بکلّ شیء هی عین إحاطته العلمیة ، لأنّه وکما أشرنا سابقاً فإن علم الله علم حضوری ، ولازمهُ حضوره عزّ وجلّ فی کل مکان ( فتأمل جید ) .

نلاحظ نفس هذا المفهوم فی الآیة الخامسة وبتعبیر جدید ، حیث قال تعالى :(وَلَقَد خَلَقنَا الإِنسَانَ وَنَعلَمُ مَاتُوَسوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحنُ أَقرَبُ إِلَیهِ مِن حَبلِ الوَرِیدِ) .

تُطلق کلمة ( ورید ) على أی نوع من أنواع عروق البدن ، لکن الکثیر من المفسّرین فسّروها بمعنى الوریدین الرئیسین الموجودَین فی جانبی الرقبة ، وفسرها جماعة بمعنى الورید الرئیس المتصل بالقلب .

ولکن عندما نضیف کلمة ( حبل ) إلى کلمة ( ورید ) فلا یراد منه الأوردة الصغیرة والعادیّة الموجودة فی البدن ، بل یُقصد به أحد الأوردة الکبیرة والمعروفة فی البدن ، وقد ورد کلا التفسیرین فی تفسیر ذیل هذه الآیة فی کلام المفسّرین وأرباب اللغة (5) .

لکن المناسب لهذه الآیة هن ، هو الورید الرئیس فی القلب لأنّه ورد أیضاً فی الآیة:

من سورة الأنفال:(وَاعلَمُوا أَنَّ اللَّهَ یَحُولُ بَیْنَ المَرءِ وَقَلبِهِ) . (الأنفال / 24)

وکلا الآیتین کنایة عن منتهى قُرب الله تعالى لجمیع عباده ، لأننا لو اعتبرنا قلب الإنسان مرکز وجوده ، لما کان هنالک شیء أقرب إلیه من ورید القلب ، فالقرآن یرید أن یقول : ( ونحن أقرب إلیه حتّى من هذا أیض ) .

وعلاوةً على هذا فإنّ الآیة قد تحدثت فی البدایة عن علم الله بما توسوس به نفس الإنسان ، ممّا یتناسب مع القلب لا الرقبة .

على أیّة حال ، إنّ هذه المسألة تصوّر عموم المکان لله تعالى بأفضل وجه ، لأنّها تقول :

إنّه تعالى أقرب إلى کل إنسان من ورید قلبه ، إذن فهو حاضر فی کل مکان، حتّى فی أرواحنا وقلوبن ، ومن الواضح أن وجوداً کهذا هو فوق المکان ، لأنّ الشی الواحد لا یمُکن أن یکون بجمیع وجوده فی مکانات متعددة ، إلاّ أن یکون ذا أعضاء یشغل کل واحد منها مکاناً معین .

وقد ورد نفس هذا المفهوم فی الآیة السادسة والأخیرة من بحثنا والذی یخصُّ المحتضرین الذین أشرفوا على نهایة حیاتهم ، قال تعالى:(وَأَنتُم حِینَئِذ تَنْظُرُونَ * وَنَحنُ أَقرَبُ إِلَیهِ مِنکُم وَلَکِن لاَّ تُبصِرُونَ) .

فیقول نحن نعلم جیداً بما یجری فی باطن ذلک المحتضِر ، وأی غوغاء قائمة فی عمق وجوده! هل هو سرور لتحرُّره من سجن البدن وانطلاقه إلى ریاض الجنّة ، أم هموم لمشاهدته العقوبات الإلهیّة بسبب أعماله الظلامیة التی ارتکبها؟!

لکنکم لا ترون أی واحدة من هذه المسائل ولا تعرفونه .

وقد حمل بعض المفسرین ـ الذین لم یدرکوا مفهوم القرب الإلهی من الإنسان بصورة صحیحة ، ـ هذه الآیة على المعنى المجازی ، فقالو : إنّ ملائکة الموت أقرب إلیه منکم ولکنکم لا تبصرونهم .

ولکن بالإلتفات إلى کون هذا التعبیر وأمثاله ـ کما عرفنا ذلک فی الآیات السابقة ـ لاینحصر بالشخص المحتضِر ، حیث شمل جمیع الناس بتعابیر مختلفة ، فقد اتضحَ بُطلان هذا التفسیر .

وتأکید الآیة على قرب الله تعالى من المحتضِر فقط ، دلالة على أنّ الکلام یدور حول هذا الموضوع ، وبصورة عامّة فإنّ هذه الآیة تُعَدُّ دلیلا واضحاً آخر على انعدام المکان بالنسبة إلى الله تعالى .


1. ورد توضیح أکثر حول علم الله فی بحث علم الله فی نفس هذا المجلد .
2. تفسیر الکبیر، ج29 ، ص 214 .
3. تفسیر المیزان، ج 19 ، ص 167 .
4. تفسیر القرطبی، ج 9 ، ص 6407 ، ویُلاحظ وجود معنى قریب من هذا التفسیر فی تفسیر روح الجنان ج11 ، ص38 ، وقد نُقلَ أیضاً فی تفسیر الکبیر، ج 29 ، ص 215، عن المتکلمین بأنّ هذه المعیّة إمّا من جهة العلم أو من جهة الحفظ والحراسة .
5. التحقیق ، مفردات الراغب ، مجمع البحرین ، لسان العرب ، تفسیر المیزان والقرطبی وغیره .

 

نتیجة البحثأینما تُولوا فثم وجه الله
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma