إنَّ کلمة (هادی) مشتقة من مادّة (هدایة) ، وتأتی بالأصل بمعنى الدلالة والإرشاد المصحوب باللطف ، وسُمیّت (الهدیّة) بهذا الأسم لهذا السبب أیضاً ، هذا ما ذکره الراغب فی مفرداته ، أمّا فی «مقاییس اللغة» فقد ذکر لها معنیَیْن هما: الإرشاد ، وإرسال الهدیّة ، ولو أنّ الرأی الأول الذی یُرجِع کلا المعنیین إلى أصل واحد أکثر تناسباً من غیره .
ویُطلق فی العربیة على الیوم (هادی) أیضاً ، لأنّه وسیلة لاهتداء الناس ، ویُطلق على العصا التی یهتدی بها العمی (هادیة) ، وتُسمّى الحیوانات التی تسیر فی مقدّمة القطیع (هوادی) وکذا رقاب الخیول .
ویُطلق على البعیر والنیاق التی یُؤتى بها إلى بیت الله کقرابین (هَدْی) ـ على وزن سَعْی ـ لأنّها هدایا المؤمنین إلى بیت الله الحرام (1) .
وعلى أیّة حال ، عندما تستعمل هذه الکلمة کصفة من صفات الفعل الإلهی فإنّها تدلّ على مسألة هدایته فی جمیع شؤون الحیاة المادیّة والمعنویة ، الظاهریة والباطنیة ، التکوینیة والتشریعیة .
إنَّ الله الذی غطّت أمواج هدایته جمیع مَنْ فی الوجود ، لو حُرِمْنا من هدایتِهِ التکوینیّة والتشریعیّة لحظة لضلَلْنا وهلکنا .
وقد ذُکِرَ فی المفردات للهدایة أربع مراحل (بالاستشهاد بالآیات القرآنیة).
1 ـ الهدایة العامّة التی تشمل جمیع المکلّفین ، وهی نوعٌ من (الهدایة التکوینیة) والتی تشمل العقل ، والذکاء ، والمعلومات الفطریة والضروریة ، وهی ماوردت فی الآیة 50 من سورة طه : (رَبُّنَا الَّذِى أَعطَى کُلَّ شَىء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى).
2 ـ الهدایة التی تتحقق بواسطة أنبیاء الله ورسُله والکتب السماویّة (الهدایة التشریعیة) ، وقد أشارت إلیها الآیة 24 من سورة السجدة : (وَجَعَلنَا مِنهُم أَئِمَّةً یَهدُونَ بِأَمْرِنَا).
3 ـ الهدایة بمعنى (التوفیق) الخاصّ بجماعة من العباد ، وقد أشارت القرآن اى هذا المعنى فی قوله تعالى : (وَالَّذِینَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى). (محمد / 17)
4 ـ الهدایة الأخرویة إلى الجنّة (أی بمعنى الثواب الإلهی)، کما ورد عن لسان أهل الجنّة: (الحَمدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدَانَا لِهَذَا). (الأعراف / 43)
وهذه المراحل الأربع المتتالیة ، فإن لم تحصل الأولى لن تحصل الثانیة وإن لم تحصل الثانیة ، لن تحصل الثالثة، وهکذا ... .
وأخیراً ، إنّ البلاغ الذی تحمله هذه الصفة الإلهیّة فی طیّاتها هو إنّها تقول لنا من جهة : أنّ کل ما فی الوجود مسخّرٌ بأمر الله لهدایتکم ، وعلیکم أنتم أن تستعینوا بهذه السُبُل ، وتلبّوا هذا النداء الإلهی ، وتطووا هذه المرحلة بالطاعة التکوینیة والتشریعیّة لتنجوا من الظلمات والضلال .
ومن جهة اُخرى : إنّ التخلق بهذه الصفة الإلهیّة یوجب على أی واحد منّا أنْ یسعى لهدایة الآخرین ، ویُعین أبناء نوعه ، ویسلک بهم مراحل الکمال المختلفة لیوصلهم إلى الهدف المنشود (بیت القصید) ، أی معرفة الله وتجلّی أسمائه وصفاته.
1. کتاب العین; مفردات الراغب; مقاییس اللغة; تاج العروس; لسان العرب; مجمع البحرین مادّه (هدى) .