کما لاحظنا فی الآیات العشر التی ذکرناها ، فقد وُصِفَ الله سبحانه وتعالى بصفات: «خیر الراحمین والحاکمین والرازقین والناصرین و...» .
فهل یُمکن قیاس الباری مع غیره !؟ (نظراً إلى کون کلمة (خیر) فی مثل هذه الموارد ذات صیغة تفصیلیّة) .
هناک جوابان عن هذا السؤال :
الأول: إنَّ کلمة (خیر) تفقد مفهومها التفصیلی فی مثل هذه الموارد ، وتعطی معنى الکثرة ، وعلیه فالصفات أعلاه تُشیر إلى رحمة الله الواسعة ، وحکومته الواسعة، ورزقه الوفیر ، ونُصرته اللامحدودة ، دون أن یکون هنالک قیاس فی الموضوع ، «ما للترابُ وربّ الأرباب»؟(1)
الثانی: إنَّ هذه الصفات لها مفهوم تفضیل وقیاس ، لکنّه قیاسٌ صوریٌّ وظاهری کما هو الحال فی (أَحْسَنَ الْخَالِقِینَ)، والحقیقة فقد اعتُبِرَ الذین هم واسطة لإیصال الأرزاق إلى غیرهم «رازقین» ، وحُملت الرحمات الجزئیّة الصادرة من البشر على حساب «الرحمة»، وهکذا بخصوص النصرة والحاکمیّة والغفران ، ومن قبیل هذه التعابیر لیست قلیلة فی القرآن الکریم (انتخب المرحوم العلاّمة المجلسی فی بحار الأنوار التفسیر الثانی) ( 2) .
وبتعبیر آخر : (من الناحیة الفلسفیة) فإنّ الوجود الحقیقی المستقل القائم بذاته هو الذات الإلهیّة المقدّسة ، وما سواه عدم ، وجود ظاهری ، کسراب الماء ، لذا فإنّ الموجودات الممکنة لا هی خالقة ولا ناصرة ولا راحمة ولا رازقة ، فجمیع هذه الأمور تخص تلک الذات المقدّسة الفریدة ، ومن سواه یأکلون من فتات مائدة إحسانه جل وعلا ، لذا فقد قیل: «لیس فی الدار غیره دیّار!».
ولکن من حیث التحلیل العادی المتعارف فإنّ الممکنات لها وجودها الخاص أیضاً، ورحمتها ونصرتها وقدرتها وحاکمیتها الخاصّة ، وورود مثل هذه التعابیر فی القرآن الکریم إنّما هو من باب تکلیم الناس بلسانهم: (وَمَا أَرسَلنَا مِن رَّسُول إِلاَّ بِلِسَانِ قَومِهِ). (ابراهیم / 4)