من یحیی العظام وهی رمیم؟!

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الخامس)
ثمرة البحثتمهید

تبدأ الآیة الاُولى بسرد القصة المعروفة للرجل المشرک و هو إمَّا «اُبَی بن خلف» أو «العاص بن وائل» أو «اُمیّة بن خلف» الذی جاء یحمل بیده عظماً رمیماً وهو یقول سأذهب وأخاصم محمد(صلى الله علیه وآله) بهذا الدلیل القاطع! واُبطلُ ما جاء به عن المعاد!

فذهب إلى النبی(صلى الله علیه وآله) ونادى قائلا: «من الذی یحیی هذا العظم الرمیم؟» ومن یصدق هذه الدعوى؟ ومن المحتمل أنّهُ من أجل التأکید على خطابه سحق جزءاً من ذلک العظم ونثره على الأرض: (قَالَ مَنْ یُحْىِ الْعِظَامَ وَهِىَ رَمِیمٌ).

وبعد وقوع تلک الحادثة خاطب القرآن النبی(صلى الله علیه وآله) (فی خمس آیات) وأمره أن یجیب على هذا الرجل وأمثاله بقوّة ومن طرق متعددة إحداها الإشارة إلى الخلق الأول وقد بینها القرآن بعبارة وجیزة ولطیفة جدّاً، قال تعالى: (ونَسِىَ خَلْقَهُ)!

ثم قام تعالى بشرحها فقال: (قُلْ یُحْیِیهَا الَّذِى أَنْشَأَهَا اَوَّلَ مَرَّة) فإن کنت تتصور أنّ العظام بعد أن تبلى وتنشر کل ذرّة منها فی ناحیة فإعادة جمیع الأوصاف الاُولى إلیها أمرٌ محال حیث لا یوجد أحدٌ یحیط بها علماً، فإنک فی ضلال بعید، لأنّ الله تعالى الذی خلق کل شیء: (وَهُوَ بِکُلِّ خَلْق عَلِیمٌ).

و«انشأها»: من مادة «انشاء» بمعنى الإیجاد والهدایة وهی هنا کأنّها إشارة لهذه الحقیقة وهی أنّ الذی خلقها فی البدایة من لا شیء فإنّه من الأَولى أن یتمکن من خلقها مرّة اُخرى من التراب.

وهناک احتمالان فی المراد من نسیان الخلق فی هذه الآیة، الاحتمال الأول: إنّ الإنسان نسیَ خلقه الأول الذی بدأ من نطفة حقیرة وقطرة ماء مهین ثم بدأ یتردّدُ ویشکک بقدرة الله على الإحیاء الجدید.

والاحتمال الثانی: إنّ هذه الآیة تشیر إلى خلق آدم من التراب، وکأنّها ترید أن تقول: ألم نخلق الإنسان من تراب فی بادئ الأمر؟ فکیف یکون من المحال تکرار هذا الأمر؟ وذلک لأنّ «حکم الأمثال فیما یجوز وفیما لا یجوز واحد».

ومن الیدیهی أنّ «النسیان» هنا إمّا جاء بمعنى النسیان الحقیقی الواقعی أو تنزیل الشخصِ منزلة الناسی وإن لم یکن فی الواقع کذلک، وذلک لأنّه لم یعمل وفق علمه بل اتّخذ موقفَ المُنکِرِ(1).

وفی الآیة الثانیة أشیر إلى هذه الحقیقة ببیان آخر، فقد قال تعالى فی جواب منکری المعاد: (أَفَعَیِینَا بِالْخَلْقِ الاَْوَّلِ)؟ حتى نعجز عن خلقه مرّة اُخرى.

ثم یضیف تعالى: إنّ هؤلاء لم یشکوا فی قدرة الله تعالى على الخلق الأول، بل ترددوا وشککوا بالاحیاء المجدد بسبب غفلتهم ونسیانهم أو بسبب تعصبهم وعنادهم أو أنّهم اعتادوا على ما یشاهدونه فی حیاتهم أنّهم لم یروا أحداً خرج من قبره حیاً بعد موته: (بَلْ هُمْ فِی لَبْس مِّن خَلْق جَدِید).

وهکذا ورّطوا أنفسهم فی تناقض واضح لایجدون له مخرجاً أبداً.

«عیینا»: من مادة «عَىّ» تأتی أحیاناً بمعنى العجز وعـدم القـدرة وأحیاناً بمعنى التعب والألم، وقد جاءت هنا على المعنى الأول، أی أننا لم نعجز عن الخلق الأول.

والمراد من «الخلق الأول» إمّا الإیجاد الأول لکل إنسان أو یختص بخلق آدم، وأمّا ما احتمله بعض المفسرین من أنّ المراد من الخلق الأول هو خلق عالم الوجود فإنّه لا یتناسب مع بحثنا.

و«لبس»: على وزن «حَبْس» فی الأصل بمعنى ستر الشیء واللباس سُمّیَ بذلک لأنّه یستر ویغطّی البدن، أمّا الراغب فإنّه یرى أنّه یستعمل فی الاُمور المعنویة أیضاً، فیدلّ على ستر الحقائق، وفی الآیة المعنیة جاءَ هذا المعنى، أی أنّ أمر المعاد هو حقیقة التبست علیهم.

وفی الآیة الثالثة نلاحظ تعبیراً آخر فی هذا المجال، هو إجراء المقارنة بین «مبدأ» الحیاة و«المعاد»، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِى یَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَیْهِ).

فسّر عدد من المفسیرین جملة «یبدأ» على أنّها تدل على الماضی، أیْ أنّ الله تعالى بدأ الخلق، لکن ماهو المانع من تفسیر «یبدأ» بمعناه الحقیقی بما أنّه فعل مضارع؟ وبما أنّ الفعل المضارع یدل على الاستمرار فیکون معنى الآیة هنا: «إنّ الله یخلق ویعید على الدوام» أی أنّ عالم الوجود هو عبارة عن تکرار الحیاة والموت واستمرار المبدأ والمعاد، فعلى هذا الأساس لا یمکن الشک فی إمکان وقوع المعاد.

فعالمنا یموت ویحیى ویخلق من جدید باستمرار، ومن هنا تکون الإعادة إلى حیاة جدیدة أمراً غیر مستغرب، فیکون هذا جواباً دقیقاً وجمیلا للجاحدین.

و جملة «و هو أهون علیه» تُبین هذا المفهوم، وهو: أنّه لایوجد فی قاموس القدرة الإلهیّة المطلقة واللامحدودة أی معنى للسهل والصعب فکل شیء لدیه سهل یسیر، ولا فرق بین قلع جبل من أعظم جبال العالم من مکانه وبین رفع قشة صغیرة، وخلق منظومة شمسیة وخلق ذرة من تراب، لأنّ السهل والصعب فی مقابل القدرة الإلهیّة لا معنى له، طبعاً بالنسبة لنا أصحاب القدرة المحدودة، فإنّ رفع حجر صغیر أمر سهل أمّا رفع حجر کبیر یعد من المصاعب.

فما هو المراد من قوله «أهونُ»؟ هل هناک شیء صعب علیه وآخر أهون منه مع أنّ قدرته واحدة بالنسبة لجمیع الأشیاء؟

وقد أجاب المفسّرون عن هذا السؤال بعدّة أجوبة فقالوا: إنّ أفضل جواب هو أنّ هذا الخطاب ذکره الله تعالى من أجل استئناس العباد بهذا المنظار وهذا المنطق، لأنّ من ینجز عملا یکون علیه إنجاز ذلک العمل فی المرّة الثانیة أهون، وإن کانت جمیع الأشیاء متساویة بالنسبة للقادر المتعال.

واجیب تارةً أخرى: إنَّ «أهون» لم تأتِ هنا بصیغة افعل التفضیل، بل أتت بمعنى «هین» أی سهل.

وقد أتوا بتفسیرات اُخرى أعرضنا عن ذکرها لعدم مناسبتها المقام.

على أیّة حال فإنّ مفهوم سهل وأسهل یصدق على الناس، وإن کل شیء بالنسبة لقدرة الله سبحانه السر مدیة متساو، ولا یوجد هنالک اسهل أو أصعب بالنسبة له تعالى.

والآیة الرابعة تحمل مضمون الآیة السابقة بنحو آخر، وماهی فی الحقیقة إلاّ تفسیر وتوضیح لما جاء فی تلک الآیة، حیث قال تعالى: (اَوَلَمْ یَرَوْا کَیْفَ یُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ یُعُیدُهُ إِنَّ ذَلِکَ عَلَى اللهِ یَسِیرٌ)(2).

والإتیانُ بصیغة المضارع «یبدأ» و«یعید» من المحتمل أن یکون تأکیداً لما جاء فی الآیة المذکورة سابقاً من أنّ الله یُبدئ ویعید الخلق على الدوام وبصورة مستمرّة فیتجدد العالم ویتغیر ویتکرر وقوع الإیجاد والمعاد فی کل آن وخاصة عندما اتى بهذا التعبیر: اَوَلَم یروا... الذی یشیر إلى أنّ مشاهدة هذا الایجاد المستمر والاعادة المتکررة أمر ممکن لجمیع الناس.

ویوجد هناک احتمالٌ أخر هو أنّ «یُعیدُ» بیان للمعاد الحاصل فی یوم القیامة لا غیر، ففی هذه الحالة یکون معنى الآیة بهذا النحو: أولم یروا کیف یُبدئ الله الخلق؟ فإنّ المُبدئ للخلق یمکنه أن یعیده مرّة اُخرى.

وجملة «إنّ ذلک على الله یسیر» تشیر إلى أنّ کل شیء سهل ویسیر على الله تعالى، ومن الممکن أن تکون دلیلا للذین فسّروا «أهون» بمعنى «هیّن» فی الآیة السابقة.

على أیّة حال فإنّ جمیع منکری المعاد یرون بأعینهم کیف تنبت النباتات فی الأرض المیتة؟، وکیف یضع البشر أقدامهم فی عالم الوجود؟ وکیف تورق وتثمر الأشجار من جذع یابس؟ وکیف تتکرر عملیة الخلق والایجاد فی هذا العالم فی کل آن؟

فهل تکون هذه الاعادة لجمیع الموجودات أمراً عسیراً على خالقها؟ مع أنّ الإیجاد والاعادة کلاهما واحد بالنسبة لشمول قدرته، ووجود الشی أفضل دلیل على إمکانه؟

وقد بیّن سبحانه فی الآیة الخامسة الأخیرة لُبّ المطلب من خلال تعبیر وجیز ومختصر جدّاً، حیث قال تعالى: (کَمَا بَدَأَکُمْ تَعُودُونَ). (الأعراف / 29)

إنّ هذه العبارة فی الحقیقة أقصر تعبیر واوضح استدلال للقرآن الکریم فی مجال إمکان المعاد، فإنّه قاس إمکان الحیاة الثانیة على إمکان الحیاة الاُولى، وهذا قیاس منطقی لقضیة عقلیة، أمّا اولئک الذین یعتبرون مثل هذه الآیات دلیلا على جواز القیاس فی الأحکام التعبدیة فإنّهم قد وقعوا فی خطأ فاحش، لأنّ القیاس لا یجوز إعماله إلاّ إذا کان دلیل الحکم الأول وعلته وحکمته واضحاً مبیناً، ویجب أن تکون هذه العلة موجودة فی الحکم الثانی أیضاً، کما هو الحال فی الآیة المذکورة، فی بحث المعاد وغیرها من الاُمور، لأننا نعلم بأنّ المؤثر فی الخلق الأول هو القدرة الإلهیّة، وهذا الأمر بنفسه یکون مؤثراً فی الخلق المستأنف، أمّا بالنسبة للقیاس فی الأحکام الفرعیة التی لم تتضح عللها ولم یُصّرح عنها فی ذلک الدلیل فإنّه لا قیمة له، وذلک لأنّه قیاس ظنّی وتخمینی لا یقینی وعقلی.

على أیّة حال فإنّ التفسیر المذکور أعلاه واضح جدّاً إذا ما استعنّا بالآیات الاُخرى التی وردت فی هذا المجال، ولکن العجیب تفسیر بعض المفسرین من أنّ المراد من هذه الآیة هو: کما بدأکم أول الأمر وخلق منکم السعداء والأشقیاء والکفار والمؤمنین فإنّه سوف یعیدکم فی الآخرة على تلک الحال(3).

ومن المحتمل أن یکون السبب فی هذا التفسیر هو أنّ البعض أرادوا عن هذا الطریق أن یجدوا دلیلا لتعزیز عقیدتهم الباطلة فی مسألة الجبر، بینما لم یکن الحدیث فی هذه الآیة إلاّ عن أصل خلقة الإنسان وإیجاده، ثم اعادته إلى حیاة جدیدة، ولم تأتِ حتى إشارة واحدة للسعادة والشقاء الجبری فی هذه الآیة ولم یرد فیها شیء عن ذاتیة الکفر والإیمان.


1. جاء هذان الاحتمالان فی تفسیر روح المعانی، ج 23، ص 50.
2. یجب الانتباه إلى أنّ یُبْدی (من باب الأفعال) وَیبْدأ (من الثلاثی المجرد) کلاهما لهما معنىً واحد وهو ابداء واظهار الشیء.
3. ذکر الفخر الرازی هذا التفسیر واعتبره أحد الاحتمالین فی تفسییر هذه الآیة (تفسیر الکبیر، ج 14، ص 58).

 

ثمرة البحثتمهید
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma