المعاد یتجلى فی الفطرة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الخامس)
تمهیدالمعاد یکمن فی أعماق الروح

إنَّ المسائل الفطریة وإن کانت إدراکیة لا استدلالیة، واضحة ومرئیة لا مسموعة، بل یجب على کلّ شخص البحث عنها فی أعماقه لیعثر علیها، ولکن مع ذلک ومن أجل مساعدة الجمیع فی البحث وسماع صوت الوجدان بسهولة، ومن أجل قراءة کتاب الفطرة بتأنّی، وکذلک للحصول على بیان مُقنع للتحدث به أمام المعاندین فإنّ التوضیحات التالیة تعتبر ضروریة:

1 ـ إذا کنّا خلقنا للفناء فما معنى حبّ البقاء؟

لا یمکن لأحد أن ینکر هذه الحقیقة وهی فراره الدائم من الموت الذی یعتبره «العدم»، وحُبه لطول العمر، بل حبّه للخلود.

إنّ السعی من أجل البقاء والسعی من أجل الحصول على «إکسیر الشباب» والسعی للحصول على «ماء الحیاة» الذی ذکرت له نماذج فی طیّات کتب تاریخ البشریة ومساعی العلماء وأشعار الشعراء کلها بسبب حب البقاء عند الإنسان کما أنّ حب الإنسان لأبنائه یعتبر امتداداً لحیاته وهو دلیل على الحب الغریزی للبقاء أیضاً.

فلو کنّا مخلوقین من أجل الفناء فإنّ وجود هذه الغریزة لدینا یکون عبثاً، ولا یکون فی الحقیقة إلاّ حباً مضراً لاهدف من وجوده، فکیف یضیف الخالق الحکیم إلى وجودنا مثل هذا الأمر المضر الزائد: (یرجى الالتفات إلى أنّ بحث المعاد یأتی بعد إثبات بحوث التوحید والإیمان بالذات المقدّسة الإلهیّة).

فی الواقع أنّ وجود الغریزة فی الإنسان یدل على وجود طریق لاشباعها وتلبیة متطلّباتها، فالعطش دلیل على وجود الماء، والجوع دلیل على وجود الغذاء، وحب الجنس الآخر دلیل على وجوده، فإن یکن الأمر کذلک فهو لا یتلائم مع حکمته تعالى.

بناءً على هذا یعتبر حبّ البقاء المغروس فی فطرة الإنسان دلیلا واضحاً على الحیاة الخالدة.

وللعالم المعروف المرحوم الفیض الکاشانی حدیث ظریف فی هذا المجال، فقد قال: «کیف تفنى الروح الإنسانیة وقد اودع فی طبیعتها حبّ الوجود والبقاء بمقتضى حرکته کما أنّه اودع فی نفس الإنسان بغض العدم والفناء؟! بینما قد ثبت استحالة البقاء والخلود فی هذا العالم، فإن لم یکن هناک عالم آخر ینتقل إلیه الإنسان فإنّ هذه المسألة الغریزیة الارتکازیة التی اودعها الله فی فطرة الإنسان، أی حبّ البقاء الدائم والحیاة الخالدة سوف تصبح عبثاً، والخالق الحکیم قد تنزّه عن اللغو والعبث»(1).

أو على حدّ تعبیر أحد العلماء المعاصرین: إن تعطّش البشر لحیاة خالدة بلغ من السعة والقوة بما لا یمکن معه القبول بأنّ مثل هذه الآمال لا تتحقق.

2 ـ إن لم یکن المعاد أمراً فطریاً فلماذا لا یزول الاعتقاد به من نفس الإنسان على مرّ العصور؟

إنّ عادات وتقالید الشعوب فی تغییر دائم، فالثقافة بصورة عامّة تابعة للتغییر، فلا یبقى شیء ثابت على مرّ العصور من دون أن یتأثر بمسار الزمان إلاّ اُمور تأصلت جذورها فی أعماق الفطرة.

وبناءً على هذا التوضیح فإنّ فصل المسائل الفطریة عن الاُمور المعتادة أمرٌ عسیر، وبتعبیر آخر فإنّ کل شیء یحافظ على بقائه على مرّ التأریخ (وإن اختلفت مظاهره) یمثّل بقاؤه أفضل دلیل على کونه أمراً فطریاً، وما قلناه یصدق تماماً على مسألة اهتمام الإنسان بالحیاة بعد الموت (فتأمل).

یقول علماء النفس المعاصرون: إنّ العقـائد الدینیة، والتی تعتبر مسألة الاعتقاد بالمعاد واحدة منها، رافقت الإنسان على الدوام حتى فی عصور ماقبل التاریخ.

وکمثال على ذلک ننقل کلام «صاموئیل کنیغ» الذی ورد ذکره فی کتاب علم الاجتمـاع، قال: «العقائد الدینیة لا تختصّ بعالمنا المعاصر فحسب، بل ثبت من خلال التحقیقات التاریخیة الموثّقة بأنّ المجتمع البشری القدیم کانت لدیه نوع من العقائد الدینیة، فالأسلاف البشریة القدیمة، أو ما یسمى بانسان (النیاندرتال) کان لهم دین أیضاً لأنّهم کانوا یدفنون أمواتهم تحت التراب بصورة خاصّة، ویدفنون معهم الآلات التی کانوا یستخدمونها فی أعمالهم خلال حیاتهم، وقد أثبتوا بسلوکهم هذا بأنّ هناک عالماً آخر»(2).

إنّ التجذر العمیق للعقائد الدینیة لدى بنی الإنسان یعد بحد ذاته دلیلا على أنّ العقائد الدینیة اُمور فطریة.

3 ـ هل یعقل أن توجد فی أعماقنا محکمة صغیرة بینما لا توجد فی هذا الکون الکبیر محکمة عادلة؟

إنّ وجود الوجدان الأخلاقی أو بتعبیر آخر وجود محکمة الضمیر أمرٌ محسوس لدى الجمیع، فکل إنسان یطیر فرحاً ویشعر بالرضا العمیق عندما یقدم خدمةً إنسانیة عظیمة وینقذ مجموعة من المظلومین والمحرومین، وکل من یقترن بجریمة فیقع فریسة فی مخالب الاضطراب ویشعر بآلام عمیقة، (إنّ الحدیث هنا لایشمل المجرمین المدمنین على الاجرام الذین مسخت فطرتهم بسبب تکرار ارتکابهم للذنوب، بل الحدیث عن سائر الناس).

فیتضح حینئذ أنّ الاعتقاد بالمعاد یکمن فی أعماق فطرة البشر من دون حاجة إلى استدلال آخر لإثباته مع توفر ما لایُحصى من الأدلة العقلیة لإثباته.


1. علم الیقین، المرحوم الفیض الکاشانی، ج 2، ص 837.
2. جامعة شناسى «علم الاجتماع»، ص 192.

 

تمهیدالمعاد یکمن فی أعماق الروح
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma