متى تُحلّ هذه الاختلافات؟

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الخامس)
توضیحتمهید

بدأت الآیة الاُولى بنقل قَسَمَ منکری المعاد الذی ورد فی نفی تحقق الدار الآخرة، قال تعالى: (وَاَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ اَیْمَانِهمْ لا یَبْعَثُ اللهُ مَنْ یَمُوتُ).

ثم یجیب تعالى بهذا الجواب: (بَلَى وَعْداً عَلَیْهِ حَقّاً وَلکِنَّ اَکْثَرَ النَّاسِ لاَ یَعْلَمُونَ).

بعـد ذلک یبیّن الهـدف من البعث فیقول تعالى: (لِیُبَیِّنَ لَهُمُ الَّذِى یَخْتَلِفُونَ فِیْهِ).

وبهذا یتّضحُ بأنّ «رفع الاختلافات والعودة إلى الاتحاد هو أحد أهداف المعاد» وذلک لأنّ طبیعة هذه الدنیا التی تحتوی على أنواع الحجب لا تسمح بزوال هذه الاختلافات، ولکن بما أنّ یوم القیامة یوم رفع الحجب وکشف الغطاء وکشف الأسرار والسرائر فإنّه سوف یتضح کل شئ فی ذلک الیوم وبذلک ینتهی الاختلاف.

فالمؤمنون یرسخ إیمانهم ویصلون إلى مقام عین الیقین، والکافرون واتباع المذاهب الباطلة یعترفون بخطئهم ویرجعون إلى الحق.

وفی الآیة الثانیة ورد نفس هذا المعنى ولکن بأسلوب آخر، فبعد أن أبطل ربوبیة آلهة المشرکین وذکر بأنّ کل إنسان رهین عمله وأن المذنب لا یحمل اصره غیرُهُ، قال تعالى: (ثُمَّ اِلَى رَبِّکُمْ مَّرْجِعُکُمْ فَیُنَبِّئُکُمْ بِمَا کُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ).

فالآیة الاُولى تتحدث عن بیان الاختلاف وهذه الآیة اخبرت عن ذلک الاختلاف فالإخبار فی الواقع تعلیل لما جاء فی الآیة الاُولى وذلک لأنّ الإخبار الإلهی فی یوم القیامة یعتبر المصوِّرَ الرئیسی لبیان الحقائق، أو یکون «التبیین» متعلقاً بالاُمور المرئیة و«الإنباء» متعلقاً بالامور المسموعة.

وفی الآیة الثالثة طُرِحَتْ مسألةُ الحکم والقضاء الإلهی فیما اختلف فیه الناس یوم القیامة، قال تعالى: (اِنَّ رَبَّکَ یَقْضِى بَیْنَهُمْ یَوْمَ القِیَامَةِ فیَِما کَانُوا فِیهِ یَخْتَلِفُونَ).

ومن البدیهی أنّ الله تعالى عندما یحکم بینهم بنفسه فی ذلک الیوم فسوف تزول الاختلافات وتتضح الحقائق کما هی.

وهذه الآیة إمّا أن تکون إشارةً لاختلاف بنی اسرائیل فیما بینهم فی العصور الغابرة أو أنّها تشیر إلى اختلافهم الذی ظهر فی عصر الرسالة ونزول القرآن بسبب علائم ظهور الإسلام وعلائم النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) التی آمن بها فریق منهم وجحدها آخرون حفظاً لمصالحهم الشخصیة.

وقد تکون إشارةً لاختلافهم الذی وقع فی عصر موسى(علیه السلام) بعد نجاتهم من مخالب الفراعنة ومشاهدتهم هذه المعجزة العظیمة، أو إشارةً إلى اختلافهم الذی حصل عند ذهاب موسى(علیه السلام) إلى جبل الطور وظهور السامری بعجله.

وبالرغم من أنّ أکثر المفسرین رجّحوا الاحتمال الأول إلاّ أنّ الآیات المتقدمة على هذه الآیة ترجّح الاحتمال الثانی(1)، کما أنّ الجمع بین التفاسیر الثلاثة ممکن أیضاً.

وعلى أیّة حال یرى بعض المفسرین المشهورین أنَّ الاختلافات من هذا القبیل لا یمکن القضاء علیها فی الدار الدنیا، ولا تنتهی إلاّ فی الآخرة عندما یقضی الله عزَّوجل بین الناس ویُمیَّزُ الحقُ من الباطل والصادقُ من الکاذب(2).

وفی الآیة الرابعة ورد التعبیر بالحکم، بعد الإشارة إلى نبذة من اختلافات بنی اسرائیل قال تعالى: (اَللهُ یَحْکُمُ بَیْنَکُمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ فِیَما کُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ).

ولمعرفة الأمر الذی اختلف فیه الیهود یستفاد من بدایة الآیة حیث إنّهم اختلفوا فی یوم السبت الذی یعتبر یوم العطلة الاسبوعیة للیهود (واختلافهم فی حکم الصید فی ذلک الیوم هل هو حرام أو حلال على الرغم من أنّ نبیّهم(علیه السلام) قد حرّم علیهم ذلک، أو کان الاختلاف فی ترجیح ذلک الیوم على یوم الجمعة أو ماشابه ذلک).

إنّ تأریخ بنی اسرائیل یشهد على أنّهم کانوا بؤرة للخلاف والتشتت على العکس تماماً من تاریخهم المعاصر، فهم الیوم أصبحوا یداً واحدة بسبب بعض الأحداث التی هددّت مصیرهم لاسیما مجابهتُهم لمسلمی العالم.

وفی الآیة الخامسة والاخیرة جاء مجموع ماورد فی الآیات السابقة لکن بصورة اجمالیة وعامّة وتحت عنوان آخر، فهی تشیر إلى الاختلافات الواسعة الحاصلة بین المؤمنین وأصناف من الکفّار، قال تعالى: (اِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَالَّذِینَ هَادُوا وَالصَّابِئِینَ والنَّصَارى وَالَْمجُوْسَ وَالَّذِینَ اَشْرَکُوا اِنَّ اللهَ یَفْصِلُ بَیْنَهُمْ یَوْمَ القِیَامَةِ اِنَّ اللهَ عَلَى کُلِّ شَىْء شَهیدٌ).

والجدیر بالذکر إنّ «یوم الفصل» أحد الأسماء المعروفة لیوم القیامة، قال تعالى: (إِنَّ یَوْمَ الفَصْلِ کَانَ مِیْقَاتاً). (النبأ / 17)

وورد نفس التعبیر عن یوم القیامة فی آیات متعددة اُخرى من آیات القرآن أیضاً.

و«الفصل»: فی الأصل بمعنى افتراق شیئین عن بعضهما،: ولهذا اطلق على یوم القیـامة یوم الفصل، لأنّ الحق یُفْصَلُ عن الباطل فی ذلک الیوم وترفع جمیع الاختلافات بواسطة القضاء الإلهی وبهذا یُفْصَلُ الصالحون والطاهرون عن الطالحین والأرجاس.

قال المرحوم الطبرسی فی «مجمع البیان»: «سوف تبیَّضُ هناک وجوه أصحابِ الحقِّ وتمتلئ بالنور وتسودّ وجوه أهل الباطل ویعمّها الظلام»(3).

فهل یبقى داع للاختلاف بین الحق والباطل عند ظهور مثل هذه العـلائم البیِّنة؟

أشارت هذه الآیة إلى ستة أدیان کانت سائدة فی عصر نزول القرآن وکانت تمثّل الادیان الرئیسیة آنذاک، قال تعالى الذین آمنو (المسلمون) والیهود والصابئة (وهم اتباع یحیى(علیه السلام) إلاّ أنّهم انحرفوا عن رسالته فأطلقوا علیهم اسم عبدة النجوم) والنصارى (المسیحیون) والمجوس (الزرادشتیون) والمشرکین وعبدة الاوثان، ثم قال تعالى: (إِنَّ اللهَ یَفْصِلُ بَیْنَهُمْ...).

فإذا کان الإنسان فی هذه الدنیا بحاجة إلى الاستدلال والمنطق من أجل المتمییز بین أهل الحق وأهل الباطل فهو فی ذلک الیوم یستغنی عن کل ذلک فإذا کان المصداق العیان فما الحاجة للبیان لأنّ لون الوجوه یدل على سرائر أصحابها!


1. وقد تبنى التفسیر الأول الفخر الرازی فی تفسیر الکبیر وتفسیر القرطبی والمرحوم الطبرسی فی تفسیر مجمع البیان، لکنّ تفسیر صاحب المیزان أکثر انسجاماً مع التفسیر الثانی.
2. التفسیر الکبیر، ج 17، ص 159.
3. تفسیر مجمع البیان، ج 7، ص 76.

 

توضیحتمهید
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma