1 ـ الآثار الإیجابیة العمیقة للإیمان بالقیامة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الخامس)
2ـ الآثار التربویة للمعاد من وجهة نظر الروایاتثمرة البحث

إنّ «المراقبة والمحاسبة» هما عاملان مهمّان فی التربیة. ومن أحد معانی المراقبة هو أن یعلم الإنسان بأنّ هناک من یراقبه وهو یخضع لرقابته فی جمیع الأحوال، بل یعلم بأنّ جمیع أسراره الخفیة أیضاً تخضع لرقابته.

فالالتفات إلى هذا الحقیقة یجعل الإنسان فی حالة انذار دائم، کما أنّ الالتفات إلى «المحاسبة» وإلى أنّ جمیع أعماله الصغیر منها والکبیر والحسن منها والسیء، سوف یخضع للحساب وسوف تجازى الأعمال بعدالة على قدرها، ممّا یؤدّی إلى أن لا یرى الإنسان نفسه مطلق العنان فی إنجاز أعماله وإلى أن لا یهملها ویعدّها صغیرة، وکلّما کانت قوّة الرقابة والحساب دقیقة کلّما دقق الإنسان أکثر فی إنجاز أعماله.

ففی زماننا الحاضر تخضع بعض الطرق الخارجیة فی بعض البلدان للمراقبة بواسطة الکامیرات الخفیة، ویراقب شرطة المرور تلک الطرق وهم جالسون فی مراکز المراقبة بکلّ دقّة، وتتمُّ ملاحقة سائقی السیارات المخالفین لقوانین المرور بواسطة اعلام مراکز المراقبة (بواسطة المرسلات اللاسلکیة) النقاط المستقرّة فی بوابات تلک الطرق أو الدوریات المتجوّلة لایقاف تلک السیارات وتغریم سائقیها.

فهذه المراقبة وتلک الغرامات تؤدّی إلى استقرار نظام المرور حتّى فی الطرق الخارجیة.

فإذا کانت المراقبة والمحاسبة من قبل الإنسان غیر المعصوم من الوقوع فی الخطأ لها هذا الأثر، فإنّ أثر الإیمانِ بمراقبة الله الدائمة، الذی یعلم أسرار ما یکن الإنسان وما یعلن، والإیمان بمحکمة العدل التی تحاسب على ما مقداره «مثقال ذرّة» والتی لا تنفع معها الشفاعة، فإنّ عمق تأثیر هذا الإیمان واضح من دون الحاجة إلى البرهان.

ومن الواضح أَنّ هذا الأمر یتبدّل من صورة أفعال متفرّقة إلى عادة دائمة ومن عادة إلى ملکة، وتتحوّل الحقیقة التی یطلق علیها اسم «الوجدان الاخلاقی» و«التقوى الإلهیّة» فی قلب الإنسان إلى إیمان راسخ.

إنّ الغایة الاساسیة من وجود المحاکم والعقوبات المطبقة وکذلک المکافآت والمدح السائد هی إیجاد الاستقرار وهیمنة القانون وتربیة الإنسان، والفرق بین المحاکم الموجودة فی هذه الدنیا وبین المحکمة الإلهیّة هو أنّ هذه المحاکم یمکن استئناف الأحکام الصادرة عنها، وغالباً ما تخضع أحکامها لتأثیر الوساطة والرشوة، بالإضافة إلى نقص القوانین المتّبعة فیها والاستثناءات والأحکام الفرعیة، وإمکان الإتیان بأدلّة کاذبة تؤدّی فی أکثر الموارد إلى خلاص المجرمین من مخالب العدالة، أو أحیاناً إلى تأخیر صدور الحکم إلى سنین عدیدة بسبب الاستفادة من الروتین، لکنّ محکمة القیامة لا تحتوی على أیّ شیء من هذه النواقص، بل کما سنشیر لاحقاً فإنّ المکافآت والعقوبات هناک تشبه إلى حدٍّ کبیر الآثار والخواص الطبیعیة للأشیاء، فهل یمکن تبدیل آثار الدواء النافع إلى آثار سم قاتل عن طریق الإتیان بأدلّة کاذبة واستخدام الوساطة والرشوة؟!

إنّ ممّا لا شک فیه هو أنّ الإیمان بمثل هذه المحکمة له أثر فی تربیة وتطهیر الإنسان یفوق کثیراً آثار المحاکم الدنیویة.

ومن ناحیة اُخرى فإنّ الإیمان بهذه المحکمة یؤجج روح الایثار والتضحیة فی قلب الإنسان، وذلک لقـاعدة: (مَا عِندَکُمْ یَنْفَدُ وَمـَا عِندَ اللهِ بَاق). (النحل / 96)

فهذه الدنیـا ممرٌّ ودنیا فانیة، بینما سوف یبقى ما ذُخِر لذلک العالم مستقراً وخالداً، فأیّ عاقل یتردد فی شراء «المواهب الجمّة»، بـل المواهب التی لا تنضب بـ«المتاع القلیـل»؟ من أجل هذا یمکن للإیمان بالمعاد أن یصبح منبعاً لجمیع أنواع الإنفـاق والإیثار والتضحیة.

و من ناحیة ثالثة فإنّ هذا الإیمان یعطی الإنسان روح الشجاعة والشهامة والصبر والاستقامة، فـمن یخاف الموت یقول: (إِنْ هِـىَ إِلاّ حَیـَاتُنَا الدُّنْیـَا). (الانعام / 21)

أمّا من لا یخاف من الموت یعتقد بأنّ (الدَّارَ الاْخِرَةَ لَهِىَ الْحَیَوانُ). (العنکبوت / 64)

وکیف یبخل فی بذل روحه وماله، أو أن یخاف کثرة صفوف الاعداء مَنْ یعتقد بأنّ الشهادة فی سبیل الله هی بوّابة للدخول فی رحمة الحق تعالى، والوصول إلى مقام القرب منه وَنیْل هبات الجنّة التی لا یسعها الوصف؟!

وما شاهدناه فی حروب صدر الإسلام والحرب المفروضة الأخیرة من صمود المقاتلین الشجعان الذی لم یسبق له مثیل، ومن شجاعة خارقة وانتصارهم على الأعداء بالرغم من کثرة عددهم وعدّتهم فإنّ السرّ فی ذلک یکمن فی أنّ الإیمان بالمعاد هو الّذی صنع منهم اناساً آخرین...اُناساً لا یخافون الموت أبداً، ویعتبرون الشهادة فی سبیل الله مِن أرقى المفاخر.

وقصارى القول: إنّنا کلّما أمعنّا النظر أکثر فی هذه الرابطة (علاقة الإیمان بالمعاد بتربیة الإنسان)، فإننا سوف نکتشف أهمیّتها بصورة أوضح، وکما کررنا القول کثیراً فإنّ تأکید القرآن على هذه المسألة فی آیات عدیدة لا تحصى هو فی الأساس من أجل هذا الأمر.

ومن المحتمل أن یقال: إِنّ ما قلتموه هو بیان للعلاقة الموجودة بین «العمل» و«الإیمان» لا العلاقة الموجودة بین «الأخلاق» والإیمان.

لکننا قد أشرنا آنفاً أیضاً إلى أنّ «العمل» إثْرَ التکرار یتحوّل بالتدریج إلى «حالة» ثم تتحوّل الحالة إلى «عادة» وأخیراً تتحوّل العادة إلى «ملکة اخلاقیة»!.

 

2ـ الآثار التربویة للمعاد من وجهة نظر الروایاتثمرة البحث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma