طریق الجنّة یمر عبر جهنّم

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء السادس)
ماهی حقیقة الصراط ؟تمهید

الآیة الاُولى تخاطب الجمیع ، وتقول: (وَاِنْ مِّنکُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا کَانَ عَلى رَبِّکَ حَتماً مَّقضِیّاً )ثم تقول:(ثُمَّ نُنَجِّى الَّذِینَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِینَ فِیهَا جِثیّاً ) من هنا یطرح هذا السؤال ، ما المقصود من ورود جهنّم ؟

هناک آراء عدیدة وتفاسیر مختلفة حول هذه الآیة فیعتقد البعض من المفسرین أنّ الورود خلاف الصدور وهو قصد الماء ثم یستعمل فی غیره.

یقال وردت الماء أرده وروداً فأنا وارد والماء مورود ، وقد وردت الابل الماء ، قال تعالى :(وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْیَنَ ). (القصص / 23)

ومفهوم هذا أنّ الناس إنّما یحضرون النّار ویشرفون علیها من غیر أن یدخلوها، ویکون هذا المعنى نفس تفسیر (الصراط) أی الجسر الذی یمر على جهنّم فعلى الجمیع اجتیازه وعبوره ، فتزل أقدام المجرمین ویتردون فی النّار، أمّا المؤمنون فیجتازونه بسرعة ویدخلون الجنّة .

وخلاصة الحدیث، یقول صاحب المیزان: «والحق أنّ الورود لا یدل على أزید من الحضور والاشراف عن قصد» (1) ، أو بتعبیر الفخر الرازی: (وقد ذکر وجهین لمعنى الورود) أحدهما أنّ الورود بمعنى القرب .

ویستفاد من مجموع الآیات القرآنیة التی وردت فیها هذه الکلمة أنّها قد استعملت بمعنى الحضور والقرب واستعملت أیضاً بمعنى الدخول أی إنّها تحمل مفهوماً عاماً یشمل کلا المعنیین، لذا قال تعالى مخاطباً المشرکین :(اِنَّکُمْ وَمَا تَعبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّم اَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَو کَانَ هَؤُلاَءِ ءَالِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَکُلٌّ فِیهَا خَالِدُونَ ).(الأنبیاء / 98 ـ 99)

وعلى هذا الأساس فلا مانع من أن نفسر (الورود) بمعنى القرب والاشراف وأنّه إشارة إلى جسر الصراط ، والشاهد على هذا التفسیر حدیث ورد عن الإمام الصادق (علیه السلام) حیث قال فی تفسیر الآیة المذکورة : «أما تسمع الرجل یقول : وردنا ماء بنی فلان ، فهو الورود ولم یدخله» (2) .

وأوضح من هذا التعبیر ماورد فی حدیث قصیر نقله القرطبی فی تفسیره وهو مرویّ عن رسول الله (صلى الله علیه وآله) : «الورود الممر على الصراط» (3) .

وهناک تفسیر آخر یرجحه أغلب المفسرین : وهو أنّ البر والفاجر یدخلان جهنّم فتکون برداً وسلاماً على المؤمنین وعذاباً لازماً على الکافرین والمجرمین ، کما أصبحت النّار برداً وسلاماً على إبراهیم(علیه السلام)، فالنار لا تحرق أجسام المؤمنین بسبب عدم سنخیة هذه الأجسام مع النّار فیکون حکم أجسامهم کحکم المواد التی تخمد النیران فی حین أنّ سنخیة الکفّار تتلائم مع النّار ، کمثل المواد المساعدة على الاحتراق .

والدلیل على هذا الکلام روایة نقلت عن جابر بن عبدالله الأنصاری(رضی الله عنه) إذ سئل عن هذه الآیة فقال : سمعت رسول الله یقول : «الورود الدخول لا یبقى بر ولا فاجر إلاّ دخلا فتکون على المؤمنین برداً وسلاماً حتى أنّ للناس ضجیجاً من بردها» (4) .

و إذا رجحنا هذا التفسیر فسوف لا تکون الآیة دلیلاً على مسألة جسر الصراط .

الآیة الثانیة : عبارة عن تهدید ووعید للظالمین فبعد أن ذکر عذابهم الدنیوی الشدید قال تعالى: (اِنَّ رَبَّکَ لَبِالْمِرْصَادِ ) .

«المرصاد» : مشتقة من مادة (رصد) على وزن (حَسَد) وهو المکان الذی یرصد منه ویرقب (قال الراغب الرصد الاستعداد للترقب) والمرصد : موضع الرصد .

فما المراد بـ (المرصاد) ؟ قال البعض : إنّ الله سبحانه وتعالى رقیب یرقب أعمال عباده فی هذه الدنیا ویأخذهم بالعذاب إذا طغوا، وجاء فی المیزان: «إنّ الله سبحانه وتعالى رقیب یراقب أعمال عباده حتى إذا طغوا وأکثروا الفساد أخذهم بأشد العذاب» (5) .

ولکن ورد فی حدیث عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنّه قال : «المرصاد قنطرة على الصراط لا یجوزها عبد بمظلمة» (6) .

و جاء فی حدیث آخر فی روضة الکافی عن الإمام الباقر(علیه السلام) عن الرسول (صلى الله علیه وآله)بعد أن ذکر خصائص جسر الصراط أنّه قال : «وهو قول الله تبارک تعالى: (اِنَّ رَبَّکَ لَبِالْمِرصَادِ )»(7).

نستفید من هذین الحدیثین اللذین وردا فی تفسیر الآیة أعلاه أنّ الآیة ناظرة إلى القیامة وجسر الصراط مع عدم وجود أی مانع من أن تکون الآیة ناظرة إلى کلیهما، یعنی أنّ الله تبارک وتعالى کما أنّه رقیب یرقب أعمال عباده فی هذه الدنیا کذلک هو رقیب فی العالم الآخر فی جواز الصراط ، لکن وعلى کل حال فالآیة لیس لها مفهوم مکانی وذلک لأنّ الله تعالى لا یحدد بمکان والمقصود هو الاحاطة الوجودیة لله على جمیع الاُمور .

وجاء فی حدیث عن ابن عباس : أنّه قال : «إنّ على جهنّم سبع قناطر ، یسأل الإنسان عند أول قنطرة عن الإیمان ، فإن جاء به تاماً جاز إلى القنطرة الثانیة ، ثم یسأل عن الصلاة فإن جاء بها جاز إلى الثالثة ، ثم یسأل عن الزکاة فإن جاء بها جاز إلى الرابعة ، ثم یسأل عن صیام شهر رمضان فإن جاء به جاز إلى الخامسة ، ثم یسأل عن الحج والعمرة ، فإن جاء بهما جاز إلى السادسة ثم یسأل عن صلة الرحم فإن جاء بها جاز السابعة ، ثم یسأل عن المظالم ، وینادی مناد : ألا من کانت له مظلمة فلیأت ، فیقتص للناس منه ، ویقتص له من الناس ، فذلک قوله تعالى : (اِن رَبَّک لِبالمِرصادِ)» (8) .

ونحن نستبعد أن یکون هذا الحدیث وبهذه التفاصیل من الاستنباطات الشخصیة لابن عباس، فلابّد أنّه قد سمعه کروایة من الرسول الأعظم(صلى الله علیه وآله) أو الإمام علی (علیه السلام) .

ولقد ورد تعبیر (المرصاد) فی قوله تعالى: (اِنَّ جَهَنَّمَ کَانَت مِرصَاداً ). (النبأ / 21) ولکن الظاهر من هذه الآیة أنّ جهنّم نفسها مرصاد للطاغین والمجرمین ، ومع أخذ الآیات السابقة لها بنظر الاعتبار ذهب جمع من المفسرین إلى أنّ المقصود بالمرصاد هو القنطرة التی تمر من فوق جهنّم (یقال للمکان الذی اختص بالرصد وبما أنّهم غیر قادرین على اجتیازه فیسقطون فی جهنّم ).(9) إضافة إلى أنّ التعبیر ب (المرصاد) یطلق على الطرق والمعابر، وبما أنّ جهنّم التی تعتبر باصطلاح آخر خطاً، لذا لاتتناسب مع معنى المرصاد وهذه قرینة اُخرى على التفسیر أعلاه .

الآیة الثالثة والأخیرة أشارت إلى وضع الکفار والمجرمین یوم القیامة وأنّهم سیختم فی ذلک الیوم على أفواههم ولا تتکلم إلاّ أیدیهم وأرجلهم، قال تعالى : (وَلَو نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى اَعْیُنِهِم فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى یُبْصِرُونَ ) (10) لقد ذکر الکثیر من المفسرین : أنّ هذه الآیة ناظرة إلى وضع هذه الطائفة فی دار الدنیا حیث فسروا الصراط بـ (طریق الحق) أی أنّهم یجهدوا أنفسهم فی سبیل العثور على طریق الحق وطریق النجاة، ولکن الله سبحانه وتعالى وبسبب أعمالهم السیئة جعلهم عمیاً لا یبصرون وبهذا فهم لیسوا بقادرین على تمییز ومشاهدة طریق النجاة .

ویوجد هذا الاحتمال أیضاً وهو أنّ هذه الآیة ناظرة إلى وضع هذه الطائفة أثناء عبورها من الصراط (جسر جهنّم) فاذا أراد الله جردهم أعینهم بشکل کامل حتى لا یقدروا على المرور من الصراط مهما جهدوا أنفسهم فی ذلک .

والظاهر أنّ عبارة تفسیر (فی ظلال القرآن) لها نفس هذا المعنى ونقل القرطبی هذا التفسیر کأحد الأقوال فی تفسیر الآیة، وإلى ذلک ذهب (عبدالله بن سلام) (11) فی تفسیر هذه الآیة حیث قال : «إذا کان یوم القیامة ومد الصراط ، نادى مناد لیقم محمد(صلى الله علیه وآله) واُمته ، فیقومون برّهم وفاجرهم یتبعونه بجواز الصراط ، فاذا صاروا علیه طمس الله أعین فجّارهم ، فاستبقوا الصراط فمن أین یبصرونه حتى یجاوزوه ، ثم یناد مناد ...»(12) .

ونحن نستبعد أن یکون هذا البیان من استنباط (عبدالله بن سلام) حیث إنّ ماورد فی هذه الروایة یعد من أخبار الغیب ولا یطلع على الغیب ، إلاّ المعصومون (علیهم السلام) .

ولایستبعد بأنّه قد نقل ذلک کروایة عن الرسول الأعظم(صلى الله علیه وآله) .


1. تفسیر المیزان، ج 14، ص 91 .
2. تفسیر البرهان، ج 3، ص20 .
3. تفسیر القرطبی، ج 6، ذیل الآیة مورد البحث .
4. تفسیر روح الجنان، ج 7، ص 431 (وقد نقل هذا الحدیث جمع آخر من المفسرین من جملتهم صاحب نور الثقلین; والفخر الرازی) .
5. تفسیر المیزان، ج20، ص 409 ، ص 281.
6. بحارالأنوار، ج 8، ص 64 ولقد وردت نفس هذه الروایة فی تفسیر البرهان ج 4، ص 458 کتفسیر لهذه الآیة الشریفة ( إنّ ربّک لبالمرصاد ) ونقلت عن الإمام الصادق(علیه السلام) .
7. تفسیر نور الثقلین، ج 5، ص 572; تفسیر البرهان، ج4، ص 458 .
8. تفسیر القرطبی، ج10 ذیل الآیة مورد البحث .
9. ورد هذا التفسیر فی تفسیر المیزان وفی التفسیر الکبیر (الفخر الرازی) وفی المفردات والقرطبی فی تفسیره . . ذیل آیة سورة النبأ، وذکروا هنا المعنى کتفسیر للآیة أو کأحد الأقوال فی تفسیر الآیة .
10. «طمسنا» من مادة «طَمْس» على وزن «شَمْس» بمعنى محو وازالة آثار الشی ویمکن أن یکون هنا بمعنى محو العین تماماً أو إطفاء نورها والمطموس والطمیس : الأعمى الذی لیس فی عینه شق .
11. (عبدالله بن سلام) کان من علماء أهل الکتاب الذین اعتنقوا الدین الإسلامى ، وکان اسمه الأصل (الحصین) وبعد الإسلام غیر الرسول (صلى الله علیه وآله) اسمه إلى (عبدالله) ویعتقد بعض علماء الرجال بأنّه مجهول الحال ویعتقد آخرون بأنّ روایاته ضعیفة ، ولکن بما أنّ ابن داود ذکر فی القسم الأول من کتابه فی الرجال أنّه معتبر . . فقد اعتبروا هذا الشیء قرینة على حسن حاله .
12. تفسیر القرطبی، ج 8، ص 5494 .

 

ماهی حقیقة الصراط ؟تمهید
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma