نلاحظ فی بعض الآیات تعبیراً عمیق المعنى یکشف عن حقیقة جدیدة وهذا التعبیر هو (النُزُل) ، وقد ورد فی قوله تعالى: (لَهُم جَنَّاتٌ تَجرِى مِنْ تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا نُزُلاً مِّن عِنْدِ اللّهِ وَمَاعِنْدَ اللّهِ خَیرٌ لِّلاَبرَارِ ). (آل عمران/ 198)
کما ورد نفس هذا المعنى فی الآیة 107 من سورة الکهف ، والآیة 19 من سورة السجدة ، والآیة 62 من سورة الصافات والآیة 32 من سورة فصلت .
ولأجل توضیح المفهوم الحقیقی لهذه الآیات، فلابدّ من توضیح المعنى الدقیق للنزل.
قال الراغب فی مفرداته: (النزل مایعد للنازل من الزاد) ، وعلى ضوء هذا التفسیر تکون جمیع النعم التی تعد لاستقبال الضیوف مصداقاً من مصادیق النزل ، ولقد ورد نفس هذا المعنى فی «صحاح اللغة» و«المقاییس» .
وقال بعض المفسرین : «النزل مایعطى الملک النازل وقت نزوله قبل أنّ یجعل له راتباً أو یکتب له خبزاً» (1).
وقیل : (النزل)(2) أول طعام یقدم إلى الضیف (وکما هو جار فی زماننا حیث یقدمون عصیر الفواکه، أو الفواکه للضیف فی أول حلوله ) وینسجم هذا المعنى مع مفهوم (النُنزل) .
وبناءً على ذلک ومع الأخذ بنظر الاعتبار «الجنات» بکل نعمها ومواهبها یکون مفهوم «النزل» فی ذلک المضیف الکبیر هو : وجود استقبالات أعلى وأهم ولعلها تکون إشارة إلى تلک النعم المعنویة والجذبات الروحانیة والمظاهر القدسیة ، ولهذا السبب ورد فی قوله تعالى بعد جملة: (نُزُلاً مِّن عِندِ اللهِ )قوله تعالى: (وَمَا عِندَ اللهِ خَیرٌ لِّلاَبرَارِ ) .(آل عمران / 198)
حتى وإن کان (النزل) بمعنى مایعد للضیف من الکرامة والبر والطعام والشراب (کما قال ذلک بعض المفسرین). فإنّه لا یمکن انکار أنّ ضیافة الشخص الکریم لاتنحصر بإطعام الضیوف فقط ، بل تشمل إضافة إلى ذلک تقدیم أنواع الهدایا والعطایا التی تهدى إلیهم ، وما الطعام والشراب إلاّ شیئاً یسیراً قبال هذه الاُمور .
وبناءً على هذا ومهما کان معنى (النزل) ، فانه إشارة لطیفة إلى تلک المواهب المعنویة والروحانیة للجنّة .