4 ـ الفرش والأرائک

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء السادس)
5 ـ الأغذیة والأوانی3 ـ قصور أهل الجنّة

من النعم الإلهیّة الاُخرى فی الجنّة الفرش والأرائک المختلفة وهی فی منتهى الروعة والجمال والجذابیة .

قال تعالى: (مُتَّکِئِینَ عَلَى فُرُش بَطَائِنُهَا مِنْ اِسْتَبْرَق ). (الرحمن / 54)

ومن الطریف أنّ بطانة هذه الفرش من أفخر الأقمشة فی الدنیا أمّا ظاهرها فهو من اللطافة والجمال والقیمة بحیث یعجز عنها الوصف، وعلى قول بعض المفسرین هی من الاُمور التی یقول القرآن بصددها: (فَلاَ تَعلَمُ نَفسٌ مَّا اُخفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ اَعیُن ). (السجدة / 17)

ولقد ورد حدیث عن الرسول (صلى الله علیه وآله) قال : «ظواهرها نور یتلألأ» (1).

وفی سورة الغاشیة نجد تعبیراً آخر ضمن توصیف النعم المختلفة فی الجنّة: (وَزَرَابِىُّ مَبثُوثَةٌ ) . (الغاشیة / 16)

«زرابیّ» : جمع (زَرْبیّة) على وزن (شَرْقیة) وهی على قول بعض أرباب اللغة مشتقة فی الأصل من الکلمة الفارسیة «زربفت» وهو القماش الذی یستعمل فی نسیجه الذهب بدلاً من القطن والصوف، وتأتی أحیاناً بمعنى القماش الغالی الثمن (2) (البسط الفاخرة) ، وقال بعض أرباب اللغة والمفسرین أنّ (زِربی) جمع ازربی بکسر الزاء و(زربیة) فی الأصل بمعنى أنواع النباتات التی اختلطت فیها الألوان الصفراء والحمراء الخضراء ، ولهذا السبب یطلق على الفرش التی تحمل ألواناً زاهیة متنوعة ، (3) وقد وصفت هذه الفرش ب (مبثوثة) ، وهی (المبسوطة المنشورة أو المفرقة فی المجالس) .

ونجد فی نفس هذه السورة فی الآیة السابقة عبارة اُخرى تصف الوسائد وتقول : (وَنَمارِقُ مصفُوفةٌ ).

«نمارق» : جمع (نُمرقة) على وزن (غُلْغُلة) ویقول صاحب (صحاح اللغة) هی وسائد صغیرة یُتکأ علیها (وقد توضع أثناء الاستراحة والجلوس على الرجلین ویُتکأ علیها) .

وفی سورة الرحمن نجد تعبیراً آخر فیما یتعلق بالفُرش فی الجنّة قال تعالى : (مُتَّکِئِینَ عَلَى رَفْرَف خُضْر وَعَبْقَرِىٍّ حِسَان ). (الرحمن / 76)

«رفرف» : على قول الراغب فی المفردات الأوراق والمناشف، ثم اطلق على الأقمشة الزاهیة الألوان ، وقال بعض أرباب اللغة أنّ الرفرف : بمعنى أطراف الخیمة التی تهتز بحرکة الریح ، ورفرفة : بسط جناحی الطائر (4) (تحریک الطائر جناحیه) .

وقیل : ثیاب خضر تبسط على السریر ، ویوجد هذا الاحتمال أیضاً وهو البساتین التی ترف من نضارته ، لأنّ رفرف تعنی کسر الخباء ونحوه حیث تتحرک حین هبوب الریح، ویقول أبو الفتوح الرازی فی تفسیر (الرفرف) : المروج الخضراء .

أمّا «عبقرىّ»: فهو مشتق من «عَبْقر» (على وزن جعفر) ویقول (صحاح اللغة) و (المفردات): موضع کانت العرب تزعم أنّه کثیر الجن ثم اطلق على کل ما یتعجب من کماله وقوته وحذقه ، ویطلق على کل شخص عالم ماهر عبقری، وجمعه عباقرة (5) .

على أیّة حال ، فإنّه یطلق على الأشخاص الذین لیس فوقهم شیء وعلى الأشیاء الفاخرة النفیسة، وفی الآیة هو وصف للاقمشة الفاخرة وقیل هو الدیباج ، وقیل البسط .

وقیل : (عبقر) اسم مدینة مشهورة بحیاکة أحسن أنواع الأقمشة (6) .

أمّا فیما یتعلق بالسُرُر التی یجلس علیها أصحاب الجنّة وقد عبّر بـ (السرر) جمع (سریر) کما فی قوله تعالى: (عَلَى سُرُر مَّوضُونَة * مُّتَّکِئِینَ عَلَیهَا مُتَقابِلِینَ ) . (الواقعة /15 ـ 16)

ولقد تکرر هذا التعبیر فی خمسة مواضع من القرآن الکریم ، فقد وصف هذه السرر فی الآیة السالفة بـ (موضونة) وهی مشتقة من مادة (وَضْن) على وزن (وَزْن) وفی الأصل بمعنى (النسج) واطلاقه على نسج السرر استعارة یراد بها إحکام نسجه .

ومن هنا یمکن أن یکون هذا المعنى إشارة إلى أنّ الأسرّة منسوجة بنسج خاص من اللؤلؤ والیاقوت والجواهر أو منسوجة من خیوط الذهب والفضة (أو منسوجة بقضبان الذهب مشبکة الدرر والجواهر) أو لأنّها مرتبة بترتیب خاص، على اختلاف آراء المفسرین ، وقد وصفت فی آیات اُخرى بـ «مصفوفة» مثل: (مُتَّکِئِینَ عَلَى سُرُر مَّصفُوفَة ). (الطور / 20)

وقال فی آیات اُخرى «مرفوعة»: (فِیهَا سُرُرٌ مَّرفُوعَةٌ ). (الغاشیة / 13)

فلقد أشارت الآیة الاُولى إلى ترتیبها وتقاربه ، والثانیة إلى علوها وارتفاعه .

ویشیر ارتفاع سُرُر أهل الجنّة إلى علو مکانتهم وطهارتهم وقربهم أو أنّهم یشرفون من فوقها على مناظر الجنّة المحیطة بهم من کل جانب .

على أیّة حال، فإنّ هذه السرر تکون بهیئة مجامیع حتى یبلغ أصحابها أنسهم وحسن عشرتهم وصفاء باطنهم ، کما جاء ذلک فی موضعین من القرآن حیث ورد تعبیر: (على سُرُر مُّتَقَابِلِینَ ). (الحجر / 47) (الصافات / 44)

أی (یستمتع بعضهم بالنظر إلى وجوه بعض ولا یرى بعضهم قفا بعض) .

والجدیر بالذکر هو أنّ (سُرُراً) جمع (سریر) من مادة (سُرور) وکأن الجلوس على الأسرة عموماً وعلى أسرة الجنّة خصوصاً من عوامل النشاط والارتیاح والسرور ، إضافة إلى أنّها متعلقة بمجالس الانس والسرور .

وفی مواضع اُخرى عبر القرآن الکریم بتعبیر آخر وهو (الأرائک) ، وورد هذا التعبیر خمس مرات فی القرآن فقال فی موضع : (مُتَّکِئِینَ فِیهَا عَلَى الاَْرَآئِکِ ). (الکهف / 31)

ولقد ورد نفس هذا التعبیر بشی من الاختلاف فی الآیة: (فِى ظِلاَل عَلَى الاَْرَائِکِ مُتَّکِئُونَ ). ( یس / 56)

وورد نفس هذا التعبیر أیضاً فی سورة الإنسان، وقال تعالى فی آیتین من سورة المطففین:(عَلَى الاَْرَائِکِ یَنْظُرُونَ ) . (الانسان / 13) (المطففین / 23 ـ 35)

«أرائک» : جمع أریکة ، وعلى قول الکثیر من المفسرین (مثل صاحب مجمع البیان ، والقرطبی ، والفخر الرازی ، وصاحب روح المعانی) بمعنى الحجلة إذا کان فیها سریر ، وفسّرها البعض بالسریر الذی فیه مظلة ، فالأریکة السریر وهی (البیت المزین للعروس) .

ویقول الراغب فی المفردات : مأخوذة من (اراک) وهی اسم شجرة معروفة .

ویقول أبو الفتوح الرازی فی ذیل الآیة 13 من سورة الإنسان: إنّ «السریر» و«الأریکة» معنیان مختلفان أحدهما فیه مظلة والآخر بدونه .

وتدل تعابیر القرآن على هذا المعنى ، لأنّ الکلام عن السرر طرح فی موارد مجالس انس أهل الجنّة حیث یتقابلون ویتسامرون ، فی حین أنّ الأرائک تختص بجلساتهم الخاصة أی عندما یختلون مع ازواجهم کما ورد فی قوله تعالى: (هُم وَاَزوَاجُهُم فی ظِلال عَلَى الاَْرَائِکِ مُتَّکِئُونَ ). (یس / 56)

ومن هنا یمکن أن نستنتج : أنّه عندما یقول القرآن : (مُتَّکِئِینَ فِیهَا عَلَى الاَْرَائِکِ لاَ یَرَونَ فِیهَا شَمساً وَلاَ زَمْهَرِیْراً ). (الإنسان / 13)

ومن الممکن أن تکون الآیة قد أشارت إلى هذا المعنى ، وهو أنّ الشمس تشرق علیهم عندما یجلسون على هذه الأَسِرّة الخاصة ، ولو أنّ هناک تفسیراً آخر قد اشیر إلیه فی حینه .

ومن الطریف أنّه وردت فی القرآن خمس آیات حول الأَسِرّة وخمس آیات حول الأرائک ، ولقد وردت إشارات متساویة عن الحیاة العامة والخاصة لأهل الجنّة .

وهناک کلام طویل حول أوصاف هذه الأَسِرّة والأرائک ورد فی الأخبار والروایات اعرضنا عن ذکره لأجل الاختصار .


1. تفسیر القرطبی، ج 9، ص 6349 .
2. التحقیق فی کلمات القرآن الکریم مادة (زرب) .
3. تفسیر المراغی، ج 30، ص 133 قاموس اللغة مادة (زرب) .
4. مقاییس اللغة.
5. اعترض بعض أرباب اللغة وبعض المفسرین على هذا الجمع وذلک لأنّه منسوب إلى شیء لا یجمع إلاّ فی حالة مجی الکلمة على صیغة الجمع کأن یقال (عباقر) ثم تنسب (عباقرى) ومن المعلوم أنّ الجمع بین النسبة وصیغة الجمع غیر وارد عند الاُدباء .
6. تفسیر روح الجنان، ذیل الآیة مورد البحث .

 

5 ـ الأغذیة والأوانی3 ـ قصور أهل الجنّة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma