15 ـ النعم التی لا تتصور

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء السادس)
3 ـ اللذّات الروحیة14 ـ النُّزل

ممّا لا شک فیه أنّ النعم المادیة فی الجنّة لا تنحصر بما قیل سلف ، فطبیعة هذا العالم المحدود تحول دون أن یکون لدینا تصور متکامل عن النعم المادیة والروحانیة فی العالم الآخر .

ومن جهة اُخرى ، أنّ حب التنوع عند الإنسان یدفعه لطلب المزید من المواهب والنعم المختلفة ، ولذا عنی القرآن الکریم بهذه المسألة عنایة خاصة وأعلن صراحة : (وَفِیهَا ماتَشْتَهِیهِ الاَْنفُسُ وَتَلَذُّ الاَْعْیُنُ ). (الزخرف / 71)

وهذا التعبیر هو أکثر التعابیر شمولیة وجمعاً فیما یتعلق بالمواهب والنعم الإلهیّة فی الجنّة.

یقول المرحوم (الطبرسی) فی مجمع البیان : «لو اجتمع الخلائق کلهم على أن یصفوا ما

فی الجنّة من أنواع النعیم لم یزیدوا على ما انتظمته هاتان الصفتان» (1) .

والملفت هو ذکر هذه الجملة بعد بیان العدید من نعم الجنّة حتى یُعْرف أنّ نعم الجنّة لاتنحصر بها.

وهنا یطرح هذا السؤال : لماذا ذکر تعالى لذة الأعین بعد لذة الأنفس ؟ هناک عدّة احتمالات :

الأول : أنّ جملة «تشتهیه الأنفس» تشمل جمیع اللذات ، أمّا لذّة «الأعین» ولِما لها من أهمیّة استثنائیة فقد وردت على شکل (ذکر الخاص بعد العام) .

الثانی : أنّ الجملة الاُولى إشارة إلى لذات جمیع الحواس (حاسة السمع ، واللمس ، والذوق ، والشم) ، أمّا جملة «تلذ الاعین» فهی إشارة إلى لذة حاسة البصر وهذه اللذة تعادل جمیع اللذات أو أکثر .

الثالث : أنّ الجملة الاُولى أشارت إلى جمیع اللذات الجسمانیة (المادیة) ، أمّا الجملة الثانیة فقد أشارت إلى اللذات الروحانیة (المعنویة) . أی النظر بعین البصیرة إلى جمال الخالق المطلق ، ومشاهدة صفات الجمال والجلال التی تعادل کل لحظة منها جمیع النعم المادیة فی الجنّة .

ومن الواضح أنّ محیط الجنّة محیط منزه ومقدس ، لذا فإنّ طلبات الإنسان من أنواع النعم (المشروبة والمأکولة والملبوسة والمشمومة وغیرها) لا تتعدى الأشیاء الظاهرة التی تلیق بالإنسان الطاهر ، وعلى هذا فلا استثناء فی عمومیة الآیة ، ولا تحتاج إلى تساؤلات هذا وذاک من قبیل هل تشمل الطلبات السیئة للنفس ؟

لقد ورد نفس هذا المعنى فی قوله تعالى : (وَلَکُمْ فِیهَا مَا تَشتَهِى اَنفُسُکُمْ وَلَکُمْ فِیهَا ماتَدَّعُونَ ) (2). (فصلت / 31)

قال بعض المفسرین: إنّ الجملة الاُولى إشارة إلى جمیع النعم المادیة فی الجنّة ، أمّا الجملة الثانیة فهی إشارة إلى المواهب المعنویة بقرینة قوله تعالى: (دَعْوَاهُمْ فِیهَا سُبْحَانَکَ اللّهُمَّ وَتَحِیَّتُهُمْ فِیهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ اَنِ الْحَمْدُ للهِِ رَبِّ الْعَالَمِینَ ) . (یونس / 10)

إنّ هذا التفسیر یعتبر تفسیراً مناسب ، حیث إنّ شهوة النفس تکون أکثر فیما یتعلق ب (المسائل المادیة) ، أمّا الدعاء فیستعمل عادة فی المسائل المعنویة .

ونقرأ تعبیراً آخر فی قوله تعالى: (وَهُمْ فِى مَا اشْتَهَتْ اَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ) . (الأنبیاء/102)

وإضافة إلى ماذکرنا هناک آیات اُخرى فی هذا المجال :

فنجد فی تعبیر جدید: (لَهُمْ فِیهَا مَا یَشَاءُونَ ). (نحل / 31)

وکذلک ورد نفس هذا التعبیر فی سورة الفرقان الآیة 16 .

ویلاحظ هذا التعبیر أیضاً(وبشیء من الاختلاف) فی ثلاث سور اُخرى من القرآن (الزمر / 34 ، والشورى / 22 ، و ق / 35).

ویتّضح من مجموع ماذکر فی هذا الفصل ، أنّ العطاء الإلهی فی الجنّة لا تحدّه أی حدود ، لا من حیث المقدار ، ولا الکیفیة والنوع ، ولا الزمان والمکان، وبناءً على ذلک فإنّ ما ذکر فی الفصول الماضیة إنّما هو عبارة عن نماذج واضحة لما یمکن أن یدرکه أهل هذا العالم إجمال ، أمّا النعم التی هی فوق تصورنا وإدراکنا فقد أشارت إلیها الآیات القرآنیة المذکورة بعبارات أکثر شمولیة وعمومیة .

وفی الحقیقة أنّ الجنّة والعطاء الإلهی فیها ما هو إلاّ مظهر کامل من مظاهر القدرة واللطف الإلهی ، وبما أنّه لا نهایة لقدرته ولطفه تعالى . . فکذلک لا نهایة ولاحد لعطایاه ومواهبه فی الجنّة.


1. تفسیر مجمع البیان، ج 5، ص 56 .
2. «یدَّعُون» من مادة «ادّعاء» (افتعال من دعاء)بمعنى طلب الشیء .

 

3 ـ اللذّات الروحیة14 ـ النُّزل
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma