تبدأ الاحترامات الخاصة لأهل الجنّة منذ لحظة دخولهم فیها فیقابلهم خزنتها مهنّئین ، کما ورد فی القرآن الکریم :(وَسِیقَ الَّذیِنَ اتَّقَوا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى اِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ اَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَیْکُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِینَ ). (الزمر / 73)
یُستفاد من هذه الآیة أنّ خزنة الجنّة ینتظرون المتقین بلهفة على أبواب الجنّة وقد فتحوا لهم أبوابها من قبل وما أن یصلوا إلیها حتّى یسارعوا إلى استقبالهم بأجمل التحیات ووافر الاحترام ویدعوهم بأطیب العبارات إلى الجنّة والحیاة الخالدة فیه (1) .
نعم هذه هی الأصول المتّبعة فی استقبال الضیف العزیز ، فأول الأمر تفتح الأبواب والمضّیفون ینتظرون على الباب، وما یکاد یدخل حتّى یستقبلوه بالترحاب وهذه من اللذات المعنویة الثمینة .
«والخزَنة»: جمع (خازن) وهو بمعنى الحارس والمراقب ، والمقصود هنا هو الملائکة الذین یتولون المحافظة على الجنّة وتسییر شؤونه .
وفی المرحلة اللاحقة بعد دخول الجنّة یُؤمر ملائکة الله المقربون بالدخول علیهم من کل باب والترحیب بهم وتهنئتهم . ورد فی قوله تعالى: (وَالمَلاَئِکَةُ یَدْخُلُونَ عَلَیْهِمْ مِّن کُلِّ بَاب * سَلاَمٌ عَلَیْکُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقبَى الدَّارِ ) (2). (الرعد / 23 ـ 24)
ویُفهم من الآیة السابقة أنّ جموعاً من الملائکة یدخلون علیهم من کل باب ، مع الالتفات إلى أنّ کل باب من أبواب الجنّة مخصص لواحد من الأعمال الصالحة مثل : (باب الصلاة ، وباب الجهاد ، وباب الحج) فیتضح أنّ کل مجموعة من الملائکة تدخل علیهم لأجل واحد من الأعمال الصالحة التی أدوها فی الدنی ، والطریف فی الأمر أنّ کل هذه الأعمال تتلخص فی معنى الصبر بکل أنواعه : الصبر على الطاعة والصبر على المصیبة ، والصبر عن المعصیة .
والأهم من کل ذلک التحیة والسلام الصادر من الله إلى أهل الجنّة، وهو سلام مقرون بالمحبّة وملیء باللطف والرحمة ، کما جاء فی قوله تعالى: (سَلاَمٌ قَولاً مِّن رَّبٍّ رَّحِیم ) (3) . (یس / 58)
هذا السلام وهذه التحیة الإلهیّة التی تنفذ فی أعماق النفس وتملؤها بالطاقة فتشد إلیها نفوس أهل الجنّة بما فیها من لطف واحسان وتجعلها مستغرقة بالبهجة ، إنّها نعمة لا تضاهیها
نعمة ، أجل، إنّ سماع نداء المحبوب المنبعث من جوده ولطفه لَهُو أفضل من الدنیا وما فیه .
إنّ نفحة لقاء المحبوب ورؤیة لطف الحبیب والسلام الذی یعنی رفع الحجب، یحوی من اللذّة والأشواق والبهجة بحیث لو بقی العشاق بعیدین عن فیضه المعنوی لما صبرو ، على تحمل ذلک، وقد روى بعض مفسری السُنّة حدیثاً قیّماً عن أمیر المؤمنین(علیه السلام) یقول فیه : «لو حجبت عنه ساعة لمتّ» (4) .
وعلى أیّة حال، فإنّ أسمى أمانی أهل الجنّة وأشرف مفخرة لهم وأحبّ ساعة إلیهم، هو أنّ یسلّم علیهم الرّب الرحمن الرحیم .
وتجدر الإشارة إلى أنّ هناک آیات عدیدة اُخرى فی القرآن الکریم تتضمن اهداء التحیة لأهل الجنّة من غیر أن تحدد مصدر التحیة والسلام کما فی «الآیة 46 من سورة الحجر ـ والآیة 75 من سورة الفرقان ـ والآیة 34 من سورة ق». فربّما یکون مصدر التحیة الملائکة، ویحتمل فی بعضها أن یکون السلام من أهل الجنّة على بعضهم ، أو ربّما یکون من الله وهذا أفضلها وأکمله .