3 ـ هل یوجد فی الجنّة تکامل ؟

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء السادس)
النّار2 ـ أتعرف قیمة اللذة بفقدانه ؟

رغم أنّ جواب هذا السؤال قد اتّضح إجمالاً من خلال الإجابة عن السؤال السابق ، لکن من الضروری هنا البحث عن جواب أوسع ، فنقول : نعم إنّ التکامل موجود هناک قطعاً ولا یبقى أهل الجنّة یراوحون فی أماکنهم، بل هم یقتربون بفضل الله ولطفه ورحمته ـ نحو ساحة قدسه یوماً بعد یوم ، ویواصلون سیرهم فی التقدم صوب القرب إلى الله .

ولیس مفهوم هذا الکلام وجود العبادات والطاعات والأعمال هناک ، لأنّ الجنّة لیست دار التکلیف، فالمقوّمات الأوّلیة للتکلیف معدومة هناک ، بل هم یواصلون مسیرتهم التکاملیة فی ظل أعمالهم المنجزة فی الدنی ، تماماً کالأشجار المثمرة التی یغرسها الإنسان مَرّة واحدة ، فتمتد جذورها وتخرج منها فروع وأغصان هنا وهناک حتّى تعم السهول والصحارى ، أو کسفینة الفضاء التی تحتاج فی بدایة انطلاقها وخروجها عن مجال جاذبیة الأرض إلى طاقة عظیمة ، ولکنها بعد الخروج من هذا المجال تواصل حرکتها إذا لم تصطدم بمانع ـ من غیر حاجة إلى أی وقود جدید .

وهناک آیات قرآنیة تشیر إلى هذه القضیة ، وتتحدث عن أصحاب الجنّة کما هو فی قوله تعالى : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِیهَا بُکرَةً وَعَشِیّاً ) . (مریم / 62)

ویتضح جلیاً من خلال الآیات السابقة لهذه الآیة أنّ هذا الوصف ینطبق على جنّة الآخرة التی عبّرت عنها بکلمة (جنّات عدن ) لا على جنّة البرزخ ، وهنا یتبادر سؤال إلى الأذهان وهو إذا کانت الآیات الشریفة تشیر إلى أنّ أهل الجنّة لهم فیها ما یشتهون فی أی وقت وزمان ، فما هی هذه العطایا والفضائل التی تُمنح لهم فی کل بکرة وعشیّ ؟

من المؤکد أنّها فضائل وأرزاق مادّیة ومعنویة تقدّم لهم فی هذه الأوقات ، إضافة إلى رفعهم نحو درجات أسمى وأعلى .

و ورد حدیث عن النبی(صلى الله علیه وآله) یُلقی الضوء على هذا الموضوع یقول فیه : «وتأتیهم طُرف الهدایا من الله تعالى لمواقیت الصلاة التی کانوا یصلّون فیها فی الدنی ، تسلّم علیهم الملائکة» (1)، وهنا یثار سؤال آخر تُفرزه تعابیر الآیة، فحینما لا وجود للیل ولا نهار فی الجنّة فکیف تکون هناک بکرة وعشّیاً؟

ویمکن الإجابة عن هذا السؤال کما یأتی :

إنّ الجنّة وإن کانت مضیئة بالنور دائماً إلاّ أنّ ذلک لیس على وتیرة واحدة على الدوام بل هو فی حالة توهّج وخفوت یتیح لأهل الجنّة تحدید اللیل من النهار تماماً مثل المناطق القطبیة التی تمر علیها ستّة أشهر کاملة والوقت فیها نهار ، إلاّ أنّه یمکن تحدید اللیل والنهار من خلال زیادة ونقصان درجة النور .

وبالنظر لاستعصاء هاتین القضیتین (قضیة الرزق الجدید وقضیة البکرة والعشی) على الکثیر من المفسرین ، فقد طرحوا بشأنها آراءً وتبریرات متعددة تتعارض فی الغالب مع ظاهر الآیة ککونها کنایة عن دوام النعمة ، حیث کان من المتعارف بین العرب أنّ من یملک طعام الصباح والمساء (البکرة والعشی) یُعتبر غنیّ ، أو أنّ النعم الإلهیّة تأتیهم متوالیة وبفواصل زمنیة تعادل اللیل والنهار فی هذه الدنی .

ومن الواضح أنّ جمیع هذه الآراء تخالف ظاهر الآیة ، ألیس من الأفضل القول بوجود نوع من اللیل والنهار الحاصلین من خلال اشتداد وانخفاض درجة الضیاء ووجود نوع من الرزق مُستمد من فضل الله وألطافه ومبشّر بطیّ مسیرة التکامل ، بحیث ینطبق مع ظاهر الآیة أو لا یتعارض معه کثیراً!؟

وهناک حدیث نُقل عن النبی(صلى الله علیه وآله) أنّه قال : «والذی أنزل الکتاب على محمد إنّ أهل الجنّة لیزدادون جمالاً وحُسناً کما یزدادون فی الدنیا قباحةً وهرماً» (2) .

وهذا الحدیث یُظهر بوضوح التکامل التدریجی لأصحاب الجنّة وإن کانت فیه إشارة إلى الجوانب الجسمانیة فقط ، لکن من البدیهی أنّه یتضمن أیضاً الأبعاد الروحیة من باب أَولى .


1. تفسیر روح المعانی، ج 16 ، ص103 ; وتفسیر القرطبی، ج 6، ص 4166، ذیل، الآیة مورد البحث .
2. علم الیقین، ص103 ، (استناداً على مانقله فی المعاد، کلام فلسفی).

 

النّار2 ـ أتعرف قیمة اللذة بفقدانه ؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma