ماهو المقصود من أبواب جهنّم ؟

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء السادس)
تمهید تمهید

تتحدث الآیة الاُولى عن أتباع الشیطان ، الذین وصفتهم الآیات السابقة له ، فقالت:

(وَاِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ اَجْمَعِینَ * لَهَا سَبْعَةُ اَبوَاب لِّکُلِّ بَاب مِّنْهُم جُزْءٌ مَّقْسُومٌ ) .

ولکن ما المقصود من «أبواب جهنّم» ؟ ذکر المفسرون احتمالات مختلفة لذلک :

الأول : إنّها إشارة إلى مداخل جهنّم التی تنتهی جمیعها فی مرکز واحد ، کالأبواب المتعددة لبنایة واحدة فی دنیانا هذه ، وهی فی الحقیقة تعبیر عن کثرة الداخلین إلى هذا المکان الذی یتجسد فیه الغضب الإلهی، ویبدو هذا الاحتمال مستبعداً فی ظلّ الروایات المتعددة التی تفسر هذه الآیة .

الثانی : المقصود هو الطبقات المختلفة فی جهنّم والتی تتفاوت فی شدّة العذاب ، وعلى هذا فکل واحد من هذه الأبواب السبعة ینفتح على واحدة من تلک الطبقات .

وهناک روایات عدیدة وردت عن أهل البیت (علیهم السلام) وعن طریق أهل السنّة تشهد على هذا التفسیر .

فقد ورد فی الدرّ المنثور حدیث منقول عن الإمام علی (علیه السلام) أنّه قال : «أتدرون کیف أبواب جهنّم ؟ قلنا کنحو هذه الأبواب ! قال : لا ولکنّها هکذا ووضع یده فوق یده وبسط یده على یده» (1) .

وجاء عنه (علیه السلام) أیضاً أنّه قال : «سبعة أبواب النّار متطابقات» (2) .

ونقل عنه(علیه السلام) أیضاً حدیث آخر فسَّر فیه الأبواب السبعة لجهنم بالطبقات التی تقع فوق بعضها وسماها بأسمائها وهی :

«فأسفلها جهنّم ، وفوقها لظى ، وفوقها الحطمة ، وفوقها سقر ، وفوقها الجحیم ، وفوقها السعیر ، وفوقها الهاویة » (3) .

الثالث :إنّ تعدد تلک الأبواب یرجع إلى تعدد الأقوام الذین یردون منه .

جاء فی تفسیر روح المعانی نقلاً عن بعض المصادر الخبریة إنّ : «فی الدرک الأول المحمدیون ، وفی الثانی النصارى وفی الثالث الیهود ، وفی الرابع الصابئون ، وفی الخامس المجوس ، وفی السادس مشرکو العرب ، وفی السابع المنافقون وآل فرعون ومن کفر من أهل المائدة» (4) .

الرابع : أنّ المقصود من تلک الأبواب هی الأعمال والذنوب التی تسبب دخول جهنّم . والدلیل على هذا الکلام ما یأتی :

أول : المقابلة الموجودة مع أبواب الجنّة ، فتصف بعض الروایات صراحةً أنّ أحد أبواب الجنّة هو باب «الجهاد» أو أنّ أحد أبواب الجنّة یسمى «باب المجاهدین» (5) ، وأشارت روایات اُخرى إلى الأبواب الاُخرى وقالت بوجود صلة بینها وبین أعمال الإنسان ک «الصبر» و «الشکر» وماشابه ذلک .

ثانی : الروایات التی تنص على أنّ بعض أبواب جهنّم یدخل منها فرعون وهامان وقارون ، ویرد من بعضها المشرکون ، وبعضها الآخر یرد منها أعداء آل بیت الرسول(صلى الله علیه وآله) (6) ، وهذا دلیل أیضاً على الصلة بین أبواب جهنّم والذنوب المختلفة .

إلاّ أنّ التفاسیر الثلاثة الأخیرة یمکن جمعها مع بعضها لأنّ کل واحدة من طبقات النّار أکثر إیلاماً من الاُخرى وکل واحدة من الفئات التی تردها أکثر ذنباً وإجراماً من الاُخرى ، وکل عمل ارتکبته أسوأ من الآخر، وعلى هذا الأساس یمکن جمع التفاسیر الثلاثة فی مفهوم واحد . وبالنتیجة تطالعنا أبواب جهنّم بحقیقة وهی کما أنّ أعمال الإنسان مختلفة مع بعضها وأصناف المجرمین والکفّار متباینة فیما بینه ، فعقوباتهم فی العالم الآخر غیر متساویة وتختلف فیما بینها اختلافاً شاسع .

تخاطب الآیة الثانیة الکفّار الذین ظلموا أنفسهم بسلوکهم هذا السبیل الخاطیء وتقول لهم : (فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى المُتَکَبّرینَ ) .

وما یلفت النظر هنا أنّ «أبواب جهنّم» جاءت هنا بصیغة الجمع فی حین یدخل کل فریق من باب واحدة لا من أبواب متعددة ، (فتأمل) .

ولعل مرد هذا التعبیر هو کون المخاطبین جمع ، ومن الطبیعی عندما ترید جماعة الدخول إلى مکان ما له أبواب عدیدة ، فکل فریق یدخل من باب ، إذن فهم جمیعاً یدخلون من أبواب متعددة ، أو أنّ کل فریق منهم یدخل تحت عنوان خاص من الباب المخصصة له ، کما ویحتمل أیضاً أن یکون مخاطبو هذه الآیة فی الطبقات الدنیا من جهنّم وهذا ما یحتّم علیهم اجتیاز أبواب وطبقات متعددة للوصول إلى هناک .

وعلى أیّة حال فالآیة أشارت فقط إلى أبواب الجنّة من غیر أن توضّح عدده ، وبتعبیر آخر یبدو أنّ جهنّم شبیهة بالسجون الرهیبة المتداخلة فی بعضها والمکوّنة من طبقات متعددة ، وهنالک فریق من الضالین والمعاندین یجب أن یمّروا من خلال کل هذه الطبقات لکی یستقروا فی «قعر جهنّم» أو «الدرک الأسفل» أو فی الطبقات القریبة منه .

وورد نفس هذا الموضوع فی الآیة الثالثة وبتعبیرات اُخرى حیث قال تعالى : (وَسِیقَ الَّذِینَ کَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى اِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ اَبوَابُهَا ) .

وکأنّ هذا التعبیر یشیر إلى أنّ جهنّم تدرک وصولهم حینما یقتربون ، فتفتح لهم الأبواب فجأة وهذه الرؤیة المفاجئة تزید من روعهم ، فی حین جاء نفس هذا المعنى بشأن أصحاب الجنّة فکان مدعاة لمزید من الفرح والسرور لهم ، ونواجه هنا ثانیة ذکر تعدد أبواب جهنّم من غیر ذکر لعدده ، ومن ثم یتکرر الحدیث هنا أیضاً عن انفتاح جمیع الأبواب، فی حین یدخل کل فریق من باب ، وقد یکون اختیار هذا التعبیر لأسباب ذکرت فی الآیة السابقة .

وفی الآیة الرابعة لیس هناک ذکر للأبواب ، بل ترکّز الحدیث عن الطبقة السفلى من جهنّم ، وهو ما یظهر تعدد طبقات جهنّم ، إذ تقول الآیة : (اِنَّ المُنَافِقِینَ فِى الدَّرْکِ الاَْسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِیراً ) .

یطلق فی اللغة العربیة على الخطوات الصاعدة نحو الاعلى اسم «الدرجة» وعلى النازلة إلى الأسفل اسم «الدرکة» .

وهذه الکلمة مأخوذة من المصدر «الدرک» وهو بمعنى بلوغ الشیء ونیله ، ولهذا یطلق على الحبال التی توصل مع بعضها لتصل إلى قعر البئر اسم «الدَرَک» وتسّمى أعمق نقاط البحر أو الاماکن الأخرى باسم «الدَرْک» على وزن (فلک) ، وعلى هذا الأساس وصف «الدرک» فی الآیة الشریفة بـ «الأسفل» من باب التأکید والقید التوضیحی .

وعلى أیّة حال فهذه هی الآیة الوحیدة الحاویة على إشارة لطبقات جهنّم ، ویمکن أن نطابق معها الآیات السابقة التی تحدثت عن أبواب جهنّم ،والنتیجة هی نفس ما أفادت به الآیات السابقة وهی أنّ أبواب جهنّم لیست فی ازاء بعضها الآخر بل هی فوق بعضها طولیّ ، إحداها فوق الاُخرى .

یقول الفخر الرازی فی تفسیره بعد أن یُعطی معنى «الدرک» بأنّه أعمق نقطة فی قعر الشیء: «فالدرک مایلحق به من الطبقة ، وظاهره أنّ جهنّم طبقات ، والظاهر أن أشدّها أسفله » (7) .

وممّا یسترعی الانتباه فی هذه الآیة أنّها حددت أسفل قعر جهنّم کمکان أسوأ للمنافقین ما یدل على أنّ «النفاق» هو أسوأ الذنوب ویستوجب الدرک الأسفل من جهنّم، وسبب ذلک جلی فالخطر الذی یهدد المجتمع الإسلامی من جَرّاء وجود النفاق یفوق بمرّات عدیدة الخطر القادم من الأعداء والکفّار الذین یبدون کفرهم وعداءهم علن .

وجاء فی حدیث شریف حول العلماء الفاسدین : «إنّ من العلماء من یحّب أن یخزن علمه ولا یؤخذ عنه فذاک فی الدرک الأسفل من النّار» (8) .

وکما ذکرنا فإنّ بعض الروایات تفید أنَّ لکل واحدة من أبواب جهنّم السبع أصحاباً خاصّین ، ففرعون وهامان وقارون مثلاً یدخلون من باب واحد ومن باب اُخرى یدخل بنو اُمیّة ، ویدخل المشرکون من باب اُخرى وهکذ (9) .

ومن البدیهی أنّ دخول فرعون وهامان وقارون أو بنی اُمیّة من هذه الأبواب إنّما یعود لطبیعة أعمالهم ومعتقداتهم ، ولهذا فکل من یشایعهم ویسیر على خطهم الفکری والعقائدی یدخل تلقائیاً من نفس تلک الباب ، ومن هذا المنطلق تتضح طبیعة العلاقة بین الإنسان «وأعماله ومعتقداته» .


1. تفسیر درّ المنثور، ج 4، ص 99 .
2. تفسیر نور الثقلین، ج 3 ، ص 18 ، ح 62 .
3. المصدر السابق، ص 19، ح 64 .
4. تفسیر روح المعانی، ج 14، ص 48 ; تفسیر القرطبی ، ج 5، ص 3646 .
5. اصول الکافی، ج 5، ص 2، ح 2 .
6. بحار الأنوار، ج 8، ص 285 ، ح 11 .
7. تفسیر الکبیر، ج 11، ص 87 .
8. بحار الأنوار، ج 8، ص 31 ، ح 76 .
9. المصدر السابق، ص 285، ح 11 .

 

تمهید تمهید
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma