ب) التنسیق بین التکوین والتشریع

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء السابع)
ج) التربیة العلمیةأ) عجز الإنسان عن التقنین الدقیق

یمـکن توضیح مسألة ضرورة بعثة الأنبیاء(علیهم السلام) عن طریق منطق وبیان آخر وهو أنّ إلقاء نظرة واحدة على عالم الخلقة کافیة لإدراک حقیقة أنّ خالق الکون ومن أجل إیصال کلّ موجـود إلى کماله النسبی، قد وضع تحت تصرّفه کـلّ ما یحتاجه وأزال عن طریقه کلّ الموانع، ولم یقتصر على اللوازم الضروریة لطی هذا الطریق، وإنّما منحه ما یحتمل کونه عاملا مساعداً لبلوغ هذا الهدف وإن لم یکن ضروریاً، فالطائر الذی خلق لیطیر مثلا، نراه یتمتّع بهیکل یسهّل عملیه طیرانه من کافّة الجهات فضلا عن أجنحته القویّة التی تکسبه قدرة عظیمة على التحلیق عالیاً.

وعنـدما منـح الإنسان عینین لمشاهدة المنـاظر المختلفة، فلـم یکتف بالأعضاء الضروریة التی تستحیل الرؤیة بدونها، بل وضع تحت اختیاره الکثیر من الأعضاء التکمیلیّة إذ زوّد العین بـ «الأهداب» للحؤول دون دخول ذرّات الغبار، ووضع فی سقف الأجفان «غدداً دهنیة» لتبقى رطبة دائماً وجهّز العیون بـ «غدد دمعیة» لیبقى سطـح العین رطبـاً دائمـاً لئلاّ تحدث حرکة الأجفـان أدنـى جرح فیهـا، وأوجد «الحاجبین» کالسدّ فوق العینین لإکمال عملهما ولکی تمنع نزول العرق من الجبین علیهما، وزوّد کرة العین بـ «عضلات» تمکّنها من الحرکة إلى الجهات الستّ بحریّة.

کما أنّ بالإمکان الوقوف على الکثیر من هذه النماذج فی عالم الخلیقة کلّه.

وهنـا یرد هذا السؤال وهو أنّه هل یمکن للخالق الذی وضع کلّ هذه الوسائل المتطوّرة تحت تصرّف الموجودات فی عالم التکوین (الخلقة) أنّ یغضّ النظر عن إرسال الأنبیاء(علیهم السلام)والدور المهمّ لهذه البعثة فی طریق تکامل النوع البشری وتحقیق الهدف من حیاته فی کافّة أبعادها المادیّة والمعنویة کما تقدّم ویحرم المجتمع الإنسانی من هذه الموهبة العظیمة؟!

أشار الشیخ الرئیس ابن سینا فی کتاب «الشفاء» إلى هذه الحقیقة بعبارة مختصرة وتمثیل رائع حیث قـال:

«فحـاجة الإنسـان إلى هذا (بَعْثِ الرُّسُلِ) فی أن یبقـى نوع الإنسان ویتحصّل وجوده، أشدّ من الحاجة إلى انبات الشعر على الحاجبین وتقعیر الأخمس من القـدمین وأشیاء اُخرى من المنـافع التـی لا ضرورة فیها فی البقاء ... فلا یجوز أن تکـون العنایة الأزلیـة وتقتضی تلک المنافع ولا تقتضـی هذه التی هی اُسّها»(1).

وقـد بیّن هشام بن الحکم التلمیـذ المعـروف للإمام الصادق (علیه السلام) هذا الاستدلال بشکل آخر لـ «عمرو بن عبید» العالم السنّی المعروف وقد سبق ابن سینا بذلک، ومن جملة ما ذکر فی هذه المحاورة: «.. قلت: ـ لابدّ من القلب وإلاّ لم تستیقن الجوارح؟ قال: نعم. فقلت له: یاأبا مروان فالله تبارک وتعالى لم یترک جـوارحک حتّى جعل لها إماماً یصحّح لها الصحیح ویتیقّن به ما شکّ فیه، ویترک هـذا الخلق کلّهم فی حیرتهم وشکّهم واختلافهم، لا یقیم لهم إماماً یردّون إلیه شکّهم وحیـرتهم ویقیم لک إماماً لجوارحک تردّ إلیه حیرتک وشکّک؟! قال: فسکت ولـم یقـل لی شیئاً»(2).


1. الشفاء، الإلهیات، المقال 10، الفصل 2، ص 441.
2. اُصول الکافی، ج 1، ص169، کتاب الحجّة، باب الإضطرار إلى الحجّة، ح 3.

 

ج) التربیة العلمیةأ) عجز الإنسان عن التقنین الدقیق
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma