تعرّض الکثیر من الأنبیاء (علیهم السلام) خلال حیاتهم لمختلف أنواع الإختبارات الشاقّة، وکانت صفاتهم البارزة هی تحمّل أنواع الشدائد، وعدم الغرور عند النصر، وباختصار الفوز فی الإمتحانات الإلهیّة الصعبة.
فالنبی نوح (علیه السلام) فی فترته التبلیغیّة البالغة تسعمائة وخمسین سنة، وموسى (علیه السلام)خلال خدمته لشعیب فی مدین وخلال فترة تحدّیه الطویلة لفرعون وفترة انحراف بنی إسرائیل عن التوحید والخروج على أوامره، وکذلک سائر الأنبیاء مثل أیّوب وعیسى ولوط وشعیب وهود(علیهم السلام) وخصوصاً إبراهیم(علیه السلام) قد ابتلوا جمیعاً فی میادین الإبتلاء هذه.
وقد جاء فی الآیة المعنیة عن إبراهیم (علیه السلام) إنّه تعالى قد منحه مقام الإمامة المطلقة فضلا عن مقام النبوّة وذلک بعد فوزه فی الإختبار، قال تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِیمَ رَبُّهُ بِکَلِمَات
فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّى جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَاماً).
وبالرغم من أنّ الآیة أعلاه قد أشارت إلى الإبتلاءات بشکل غامض، لکن وکمـا ذکر المفسّرون فانّ هذه «الکلمات» (أی الاُمور التی اختبر الله تعالى بها إبراهیم) هی من قبیل الإستعداد لتقدیم ولده قرباناً وأخذ زوجته وإبنه إسماعیل إلى أرض مکّة القاحلة وإسکانهم فیها بأمر من الله تعالى ووقوفه الشجاع أمام عبدة الأصنام والهجرة المقرونة بالحرمان إلى المناطق المؤهلة أکثر للإیمان وأمثالها.
ویـرى بعض المفسّـرین أنّ ابتلاءات إبـراهیم(علیه السلام) قد بلغت الثلاثین مورد(1)، لکن ما تقدّم هو أهمّها، فهو فی الحقیقة قد وضع «حیاته» و «أمواله» و «مکانته» و «زوجته» و«ولده» و «وطنه الذی کان قد ألفه» والتی تشکّل بمجموعها کیان الإنسان ووجوده فی سبیل الله تعالى وخرج من بودقة الإختبار نقیّاً.
وعلى الرغم من أنّ هناک حدیثاً طویلا للمفسّرین حول تفسیر «الکلمات» إذ اعتبرها البعض إشارة إلى مناقشاته الحادّة مع عبدة النجوم والشمس والقمر وبینما اعتبرها آخرون إشارة إلى سلسلة من الأحکام الفرعیة للدین، إلاّ أنّ ما تقدّم هو أنسبها.