5 ـ شیوع الفساد الأخلاقی

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الثامن)
طفولة الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله):4 ـ الخرافات الاُخرى لعربِ الجاهلیة

لقد بلغ الفساد الأخلاقی أعلى درجاته عند عرب الجاهلیة فقد کانت تحکمهم عداوات شدیدة وأحقاد موروثة من السلف إلى الخلف ، لم تقتل الأخلاق فحسب بل إنّ کل شیء فی المجتمع ذهب ضحیة لهذه العداوات وقد بیّن القرآن الکریم ذلک للعرب الذین مَنَّ اللهُ وتعالى علیهم بالإسلام بقوله : ( وَاذْکُرُو نِعْمَتَ اللَّهِ عَلیَکُم اِذْ کُنْتُم اَعدَاءً فَاَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِکُم فاَصبَحْتُم بِنِعمَتِهِ اِخوَاناً وَکُنْتُم عَلى شَفَا حُفرَة مِنَ النَّارِ فَاَنقَذَکُم مِّنهَا ). (آل عمران / 103)

و« الشف »: کما جاء فی « مقاییس اللغة » هی الإشراف والتسلُّط على الشیء و(الشفا) هنا یطلق على الأشیاء التی یشرف الإنسانُ علیه ، مثل الإشراف على جوانب الحفرة أو حافة الوادی أو حافة النهر ، وکذلک (شفة) الإنسان على جانبی فمه ویُطلق أیضاً على تحسن صحة المریض لأنّه یتسلط ویتغلب على المرض .

وعلى أیّة حال فقد شبَّه القرآن الکریم حیاة عرب الجاهلیة بمن یقف على شفا حفرة من النار لیسقط فیها بسهولة ، نار تحرق کل شیء وتحوله إلى رماد .

کانت العداوة والنفاق والاختلافات مطبوعةً فی نفوسهم وحاکمةً علیهم بحیث صرح القرآن الکریم لنبیّ الإسلام محمد (صلى الله علیه وآله) : إنّ من المستحیل القضاء على هذه الاختلافات بالطرق العادیة وإیجاد الاتحاد والوحدة بینهم إلاّ بمعجزة إلهیّة ، وقد حصل ذلک على ید الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) بإذن الله: ( لَو اَنفَقتَ مَا فِى الأَرضِ جَمِیعاً مَّاأَلَّفتَ بَینَ قُلُوبِهِم وَلَکنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَینَهُم ). (الانفال / 63)

إنَّ معاقرة الخمر واللعب بالمیسر والأزلام کانت متفشیة بحیث کان من الصعب القضاء علیها بمرحلة واحدة ، لذلک جاء أمر تَحریم الخمر على عدّة مراحل (1) .

کما أنّ أحد أکبر المفاسد الأخلاقیة والاجتماعیة هو مسألة ( حقوق المرأة ) فی مجتمع عرب الجاهلیة ، فقد وصلت إلى الحد الذی یتفق مع ما قاله بعض المفسرین : إنّه عندما تحین ولادة المرأة فی العصر الجاهلی تحفر حفرة وتجلس على شفتها فإن کان المولود بنتاً قذفته فیها، وإذا کان ولداً عصمته منه . وقد قال أحد شعرائهم بهذا الصدد مفتخر :

سَمیتُها إِذْ وُلدت تَموتُ *** والقبرُ صِهرٌ ضامنٌ ذمِّیتُ (2)

إنّ هذا العمل سواء کان بدافع الفقر المدقع والاعتقاد بعدم الفائدة الاقتصادیة للبنات أو بدلیل التعصب المفرط ضدهن لتفادی وقوعهن فی الحروب أسیرات بید الأعداء فهو أفضع وأوحش عادات عصر عرب الجاهلیة .

وقد عاب القرآن هذه الاعتقادات مراراً بقوله تعالى : (وَاِذَا بُشِّرَ اَحدُهُم بِالاُنثَى ظَلَّ وَجهُهُ مُسوَدّاً وَهُوَ کَظیمٌ * یَتَوَارَى مِنَ القَومِ مِن سُوءِ مَابُشِّرَ بِهِ اَیُمسِکُهُ عَلَى هُون اَمْ یَدُسُّهُ فِى التُّراَبِ اَلاَ سَاءَ مَایَحکُمُونَ ). (النحل/ 58 ـ 59)

إنّ هذا العمل نوع من أنواع التعصب الأعمى لحفظ الشرف وقد جرهم لاقتراف أفضع الجرائم : ( قتل الإنسان لطفله المسالم ) وهو دلیل واضحٌ على أعظم حالات الجهل وسقوط الأخلاق وانعدام العواطف الإنسانیة والاستهانة بمنزلة المرأة فی ذلک المجتمع الجاهلی وتعبیر ( أَیُمسِکُهُ عَلَى هُون ) یشیر إلى أنّ وجود البنت یعدّ عاراً عندهم إلى الحد الذی یهرب من قومه وقبیلته تخلصاً من عارها، غافلاً عن أنّ مسألة عدم وجود بنت تعنی عدم وجود امهات ، وإذا انعدمت الاُمهات انعدم وجودهم أیضاً، یقول أحد شعرائهم فی هذا الصدد :

لکل أبی بنت یُراعی شؤونها *** ثلاثةُ أصهار إذا حُمِدَ الصهرُ

فبعلٌ یُراعیها وخِدرٌ یُکنّها *** وقَبرٌ یُواریها وخیرُهُم القَبرُ(3)


1. والتفصیل فی ذلک جاء فی التفسیر الامثل ذیل الآیة 90 من سورة المائدة .
2. تفسیر مجمع البیان، ج 10 ، ص 444 .
3. تفسیر القرطبی، ج 6 ، ص 3734 .

 

طفولة الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله):4 ـ الخرافات الاُخرى لعربِ الجاهلیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma