ثالث : احترام حقوق الإنسان

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الثامن)
خامس : ضمانات تنفیذ القوانین القرآنیةثانی : تقویة الروابط الاجتماعیة

إنّ القانون الناجح والممتاز هو القانون الذی یُقدم ـ بالإضافة إلى امتیازاته الاُخرى ـ أطروحة جامعة ودقیقة فی مجال حقوق الإنسان ، وبناءً على هذه الحقیقة، کلما ألقینا نظرة حول الآیات القرآنیة التی وردت فی هذا المجال تجلّت عظمة هذه القوانین أکثر فأکثر .

فالقرآن حرص کثیراً على مسألة حفظ النفس والمال والنوامیس البشریة ، بحیث وصل به الأمر إلى أن یعتبر النفس الإنسانیة الواحدة مساویة لنفوس الناس جمیعاً، لنقرأ قوله تعالى : (مَن قَتَلَ نَفْسَاً بِغَیْرِ نَفْس اَو فَسَاد فِى الاَرْضِ فَکَاَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِیعاً وَمَن اَحْیَاهَا فَکَاَنَّمَا اَحْیَا النَّاسَ جَمِیع). (المائدة / 32)

ولا نجد لهذا التعبیر مثیلاً فی أی قانون آخر .

ویذهب القرآن فی صدد مسألة حقوق الإنسان إلى أنّ أصل العدالة یحتل مرکز الصدارة على جمیع الأمور فی إجراء الحقوق ، ویحذر من أن تقضی النزاعات الشخصیة أو العلاقات الحمیمة إلى عدم إجراء العدالة والعمل به .

یقول تعالى فی محکم کتابه : (وَلاَ یَجرِمَنَّکُم شَنَئَانُ قَوم عَلَى اَلاَّ تَعدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ اَقْرَبُ لِلتَّقوَى). (المائدة / 8)

وفی مجال آخر یتعرض القرآن الکریم إلى تأثیر الصداقة على إجراء العدالة حیث یوجه هذا الانذار بقوله تعالى: (یَااَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُونُوا قَوَّامِینَ بالقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى اَنفُسِکُم اَوِ الوَالِدَینِ وَالاَقرَبِینَ اِنْ یَکُن غَنِیّاً اَو فَقِیراً فَاللَّهُ اَولَى بِهِمَ). (النساء / 135)

وتتضح هذه المسألة أکثر من خلال التأکیدات الکثیرة للقرآن على مسألة رعایة الأیتام والمراقبة الدقیقة لأوضاعهم ، والتعهد بکفالتهم إلى أن یکبروا ویبلغوا سن الرشد ، فیقول فی هذا الصدد : (اَن تَقُومُوا لِلیَتَامَى بِالقِسْطِ). (النساء / 127)

والجدیر بالذکر أنّ القرآن الکریم جعل مسألة الحمایة والرعایة للأیتام مرادفة للتوحید وللمسائل الإنسانیة والأخلاقیة الاُخرى ، فیقول عزّ من قائل : (... لاَتَعبُدُونَ اِلاَّ اللَّهَ وَبِالوالِدَینِ اِحْسَاناً وَذِى القُربَى وَالیَتَامَى وَالمَسَاکِینَ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسناً وَاَقِیمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّکَاةَ). (البقرة / 83)

ومن طریف القول : إنّه تعالى قرر خمسة قوانین إنسانیة لها علاقة بحقوق الإنسان فی ضمن شعیرتین من أهم الشعائر الإسلامیة على صعید الاعتقاد والعمل ، ألا وهما ـ التوحید والصلاة .

 

رابع : الحرص على تأمین الحریة والأمن

من أهم الأمور التی اهتمت بها القوانین القرآنیة هی : حریة العقیدة ، وحریة الإنسان ، واستقرار الأمن على فی الأصعدة والمجالات کافّة، وتشیر إلى هذا المعنى الآیة الکریمة : (لاَاِکرَاهَ فِى الدِّینِ قَدْ تَّبَیَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَىِّ). (البقرة / 256)

ومن الأهداف المهمّة لبعثة الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) هی القضاء على الأسر والقیود والاغلال إذ یقول سبحانه: (وَیَضَعُ عَنهُم اِصْرَهُم وَالاَغلاَلَ الَّتِى کَانَت عَلَیهِم). (الأعراف / 157)

وفی موضع آخر یخاطب المؤمنین بقوله : (یَاعِبَادِىَ الَّذِینَ آمَنُوا اِنَّ اَرْضِى وَاسِعَةٌ فَاِیَّاىَ فَاعبُدُونِ). (العنکبوت / 56)

وینقل القرآن قصة عجیبة عن «أصحاب الاخدود» ، أولئک الذین کانوا یعذبون المؤمنین ویلقونهم فی حفر النیران لا لشیء إلاّ لأنّهم حملوا اعتقادات راسخة ، لذا یصفهم بالقول : إنّ هذه الزمرة المتسلطة ما أقدمت على عملها هذا إلاّ لأجل سلب حریة العقیدة والإیمان ، ثم یبین لهم أشد العقوبات الإلهیّة النازلة بحقهم لنقرأ قوله تعالى: (اِنَّ الَّذِینَ فَتَنُوا المُؤمِنیِنَ وَالمُؤمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ یَتُوبُوا فَلَهُم عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُم عَذابُ الحَرِیقِ). (البروج / 10)

وکثیراً ما یُشید القرآن الکریم بنعمة «الأمن» بحیث یعتبره مقدماً على أی شیء آخر ، ولهذا السبب حینما قدم إبراهیم الخلیل (علیه السلام) على الأرض القاحلة ، ذات الحرارة المحرقة والخالیة من النبات والشجر فی مکة، وبنى الکعبة ، فإنّ أوّل حاجة طلبها من الله تعالى لساکنی هذه الأرض مستقبلا هی نعمة الأمن کما ورد ذلک فی القرآن : (رَبِّ اِجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارزُق اَهْلَهُ مِنَ الَّثمَراتِ). (البقرة / 126)

وقد ورد هذا الموضوع فی مکان آخر من القرآن وبتعبیر آخر، فیقول تعالى: (رَبِّ اجعَلْ هَذًا البَلَدَ آمِناً وَاجنُبنى وبَنِىَّ اَن نَّعُبدَ الاَصنَامَ) . (ابراهیم / 35)

ففی الآیة الاُولى تقدم ذکر الأمن على الأمور الاقتصادیة ، وفی الآیة الثانیة تقدم ذکره أیضاً على مسألة التوحید ، ولعله إشارة إلى عدم تحقق الضمان الدینی والدنیوی للمجتمع بدون انتشار الواقع الأمنی فی المحیط القائم ، بالإضافة إلى أنّ القرآن یصف حالة انعدام الأمن بأنّها أسوأ حالاً من القتل وسفک الدماء ، فیقول : (وَالفِتَنةُ اَشَدُّ مِنَ القَتلِ).(البقرة / 191)

وبالرغم من أنّ للفتنة معانی کثیرة ، (کالشرک ، والتعذیب والتنکیل والفساد) ، ولکن لایستبعد أن یکون مفهوم الآیة شاملاً بحیث یستوعب کل هذه المعانی .

وعلیه فإنّ إیجاد حالة من انعدام الأمن والفساد تفوق بمراتب حالة سفک الدماء لأنّها بالإضافة إلى کونها مصدراً لسفک الدماء ، هی مصدر للمفاسد الاُخرى أیض .

وتجدرالإشارة إلى هذه النکتة أیضاً وهی : إنّه قد تقرر فی الإسلام نوع خاص من «الأمن» لم یسبق له وجود فی أی قانون من القوانین الدولیة ألا وهو الحفاظ على حیثیة الأفراد وکرامتهم ، حتى فی دائرة أفکار الآخرین .

وبتعبیر أدق : إنّ الإسلام لایسمح لأی مسلم أن یحمل فی نفسه الظن السیء والتفکیر الخاطیء تجاه الآخرین فیعمد إلى خدش کرامة الآخرین وحرمتهم فی دائره التفکیر الشخصی ، وقد تجسد هذا المعنى بقوله سبحانه فی الآیة: (یَااَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اجتَنِبُوا کَثِیراً مِن الظَنِّ اِنَّ بَعضَ الظَنِّ اِثمٌ وَلاَتَجَسَّسوُ) . (الحجرات / 12)

إنَّ الإسلام یرید أن تسود حالة الامن والاطمئنان التام فی المجتمع الإسلامی ، ولا یقتصر الأمر على النزاعات الشخصیة بین الآخرین فحسب ، وإنّما یشمل المناوشات الکلامیة ، وأکثر من ذلک على صعید الاتجاهات الفکریة بین الأفراد مع بعضهم البعض ، بحیث یشعر کل واحد منهم بأنّ أخیه لا یسدد باتجاهه سهام التهمة والافتراء ، وهذه الحالة تمثل أعلى مستویات الأمن ولاتتحقق إلاّ فی ظل وجود المجتمع الإیمانی وسیادة القوانین الإسلامیة .

والجدیر بالذکر إنّه قد ورد النهی عن الکثیر من الظنون ، ولکن فی أثناء بیان العلة یقول : إنَّ بعض الظنون إثم ، ولعل منشأ التفاوت فی التعبیر عائد إلى أنّ الظنون السیئة تجاه الآخرین تطابق الواقع أحیان ، ولاتطابقه أحیاناً اُخرى ، وبناءً على أنّ النوع الثانی یعدُّ ذنباً من الذنوب ، فلابدّ من الابتعاد عن کل الظنون السیئة الواقعة تحت عنوان «کثیراً من الظن» .

النکتة الأخیرة فی هذا البحث : هی أنّ الإسلام انطلاقاً من اهتمامه الکبیر بتحقیق الأمن الداخلی فی المجتمعات الإسلامیة أجاز التوسّل بالقوة والقدرة العسکریة لحل الاختلافات والمجابهات الداخلیة فی حالة فشل الأسالیب والطرق السلمیة ، ونطالع هذا المعنى فی قوله تعالى : (وَاِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِینَ اقتَتَلُوا فَاَصْلِحُوا بَیْنَهُمَا فَاِنْ بَغَتْ اِحدَاهُمَا عَلَى الاُخَرَى فَقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِىءَ اِلَى اَمْرِ اللَّهِ فَاِنْ فَاءَتْ فَاَصْلِحُوا بَیْنَهُمَا بِالعَدْلِ وَاَقسِطُوا اِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ المُقسِطِینَ) . (الحجرات / 9)

إنّ مَن یمعن النظر جیداً فی تعبیر هذه الآیة : یجد أنَّ کلَّ مقطع من المقاطع فیها یحکی عن تحدید صورة لمنهج دقیق یقضی بإنهاء أی شکل من أشکال الاضطراب والفتن الاجتماعیة وذلک من خلال استخدام أفضل السبل السلمیة ، أو اللجوء إلى القوة فی نهایة المطاف إذا لم تثمر الأسالیب الاُخرى .

ومن البدیهی أنّ المقصودین بالخطاب فی هذه الآیة هم أفراد المجتمع الإسلامی ، أو بعبارة اُخرى الحکومة الإسلامیة .

خامس : ضمانات تنفیذ القوانین القرآنیةثانی : تقویة الروابط الاجتماعیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma