یخبر القرآن فی الآیة الثالثة ـ تعقیباً على قضیة «صلح الحدیبیة» وما تنبَّأ به من «عمرة القضاء» و«فتح خیبر» ـ عن فتوحات اُخرى متتالیة وحائزة على غنائم وافرة فیقول : (وَعَدَکُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ کَثِیرَةً تَاْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَکُمْ هَذِهِ وَکَفَّ اَیِدىَ النَّاسِ عَنْکُم وَلِتَکُونَ آیَةً لِلمُؤمِنینِ وَیَهْدِیَکُم صِرَاطاً مُّستَقِیم) .
ثم یضیف إلى ذلک قائل : (وَاُخَرى لَم تَقْدِرُوا عَلَیْهَا قَدْ اَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَکَانَ اللَّهُ عَلَى کلِّ شَىء قَدِیر) .
فی هذه الآیات ورد الإخبارُ عن انتصارین على الأعداء مع الحصول على غنائم کثیرة ، أحدهما قصیر المدى والآخر بعید المدى .
تلک الغنائم والفتوحات التی عجز عنها المسلمون بحسب الظاهر قد جعلها الله فی اختیارهم وطوع إرادتهم بحوله وقوته الکاملین .
وثمة نقاش واختلاف بالرأی بین المفسرین فی تحدید نوعیة الغنائم والفتوحات ، فقد ذهب الکثیر منهم إلى أنّ المقصود من الغنائم التی یحظى بها المسلمون فی فترة قصیرة هی «غنائم خیبر» ، وإن احتمل البعض أنّها إشارة إلى «الغنائم المعنویة لصلح الحدیبیة» ، إلاّ أنّ هذا الاحتمال ضعیف کما قلناه سابق .
وأمّا فی صدد الغنائم طویلة الامد فقد ذهب الکثیر من المفسرین إلى أنّها إشارة إلى «غنائم حرب حنین» وقبیلة «هوازن»(1) و (2) .
واحتمل البعض أیضاً أنّها إشارة إلى الفتوحات الکبیرة القادمة نظیر فتح بلاد ایران والروم والیمن ، وبالرغم من أنّ فتح حنین والحصول على غنائم قبیلة هوازن لم یکن مستبعدا من قبل المسلمین ، إلاّ أنّ التوصل إلى فتح «ایران والروم» وما شابهها کان بالنسبة إلیهم أمراً شاقاً وبعید المنال ، ولهذا حینما أعطى النبی (صلى الله علیه وآله) البشارة وفقاً لروایة معروفة بفتح ایران والروم والیمن فی حرب الخندق بدأ المنافقون یسخرون من ذلک ، والسبب فی ذلک یعود إلى عدم إمکان تحققه من ناحیة الاسباب الظاهریة ، لکن الله تعالى القادر على کل شیء هو الذی جعل الوصول إلى هذه الفتوحات ، والحصول على الغنائم الثمینة قید الإمکان والتحقق ، فکشف الستار عنها قبل التوصل إلیها بسنین طویلة ، وبیّنها بشکل تنبؤ صادق فی الآیات المتقدمة ، فیا ترى هل یمکن حصول هذه التنبؤات بدون الارتباط بعالم الغیب ؟