یدور الحدیث فی الآیة السابعة حول أحد المشرکین المعروفین وهو «أبو لهب» عم النبی ، وابن عبد المطلب ، وهو الشخص الوحید الذی ورد ذکره فی القرآن من بین مشرکی مکة ، وأکد على أنّه من أهل النار وفیه إشارة واضحة إلى أنّه لن یؤتى الإیمان أبد ، یقول عزّ من قائل : (تَبَّتْ یَدَا اَبِى لَهَب وَتَبَّ * مَااَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا کَسَبَ * سَیَصْلَى نَارَاً ذَاتَ لَهَب) .
وبالرغم من أنّ أبا سفیان کان عدواً خطیراً لکنه آمن إیماناً ظاهریاً فی نهایة الأمر ، وآمن الکثیر من الأفراد الخطرین والمجرمین إیماناً ظاهریاً أمثال «وحشی» قاتل حمزة.
إنَّ هذا التنبوء القاطع عن مصیر شخص کـ(أبو لهب) لم یکن یتأتى من الطرق العادیة ، فهذه النبوءة القرآنیة لا تتأتى إلاّ من طریق الاعجاز .
إنّ الکثیر من مشرکی مکة آمنوا إیماناً واقعی ، والبعض آمن إیمانا ظاهریاً، لکن من الذین لم یؤمنوا لا فی الواقع ولا فی الظاهر هو : أبو لهب وزوجته «اُم جمیل» شقیقة أبی سفیان ، وقد صرح القرآن بوضوح أنّهما لن یؤمنا أبد ، وهذه من الأخبار الغیبیة للقرآن الکریم .
کیف یتأتى للقرآن أن یتحدث عن جهنمیة شخص ما یمکن له أن یقف إلى جانب المسلمین فی نهایة الأمر ، أو یتظاهر بالاسلام على الأقل إذا لم یکن صادراً من عند الله تعالى .
یدعى أبو لهب «عبد العزى» (وعزى هو اسم لأحد الأصنام الکبیرة للعرب) ، وکنیته : أبو لهب ولعل اختیاره لهذه الکنیة عائد إلى کونه ذا وجه یطفح بالحمرة والشرر ، ولا ریب فی أنّ هذه الآیات نزلت فی زمن حیاة أبی لهب ، ولذا یقول : (تبت یدا أبی لهب) ، وما نقله أغلب المفسرین عن شأن النزول یدل کذلک على أنّ هذه المسألة حدثت فی حیاته ، وذلک حینما أمر النبی بأنّ یدعو عشیرته الاقربین إلى الإسلام ویحذرهم من الکفر والشرک ، فی تلک الأثناء صعد النبی إلى قمة جبل من جبال مکة یدعى بـ(جبل صفا) ونادى : یاصیاحا، (و هذه الجملة لا تستخدم إلاّ حین الهجوم المباغت للعدو) فظن أهل مکة أنّ هناک هجوماً عدوانیا على مکة من الخارج ، فلما اجتمعوا عند النبی(صلى الله علیه وآله) قال لهم : (اِنِّى نَذِیرٌ لَکُم بَیْنَ یَدَىْ عَذَاب شَدِید) ، احذرکم من عبادة الأصنام وادعوکم إلى التوحید .
فاستشاط أبو لهب غضباً وقال : «تباً لک أما جمعتنا إلاّ لهذا» فعندئذ نزلت الآیات الآنفة الذکر ، وقالت : الموت له لأنّه سیکون طعمة لنار جهنم فی النهایة(1) .