2 ـ تاریخ الرسول(صلى الله علیه وآله) وخصائصه الأخلاقیة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الثامن)
3 ـ مضمون الدعوة 1 ـ میحط دعوة النبی (صلى الله علیه وآله) والظروف السائدة هناک

إنّ الخصائص الأخلاقیة هی احدى أفضل الطرق إلى معرفة الدعاة الصادقین من الکاذبین ، فهذه الخصائص یمکن اعتمادها کقرائن وأدلة واضحة لنفی أو إثبات احقیة الداعی ، وکلما شوهدت مظاهر الطهارة والتقوى ، والعظمة والتسامح والرأفة والمحبّة ، والزهد والتقشف ، والشجاعة والشهامة والماضی الاجتماعی الحسن فی المدّعی ، فمن الصعوبة بمکان أن لا نعتبره صادق ، وبالعکس فاذا کان محبّاً للدنی ، ومنکباً على المادة ، ومتعلقاً بالمال ، والمقام ، والجاه ، والقدرة المصحوبة بالتهور والکذب ، والحقد وحب الانتقام ، وما شابه ذلک من رذائل خلقیة (لا سمح الله)، فلا یمکن اعتبار مدعی النبوة هذا صادقاً مطلق .

ولحسن الحظ فإنّ سوابق النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) قبل نبوته هی سوابق ساطعة ومضیئة حیث قضى أربعین عاماً بین ظهرانیهم والتاریخ الذی کتبته أیادی الأصدقاء والأعداء یعطى صورة ناطقة ومعبرة عن ذلک .

ففی کل التواریخ اعتبرت نزاهة النبی (صلى الله علیه وآله) وأمانته بأنّها مسألة متفق علیها وأن لقب ( الأمین ) سمعوه یطلق علیه من قبل الجمیع.

والملفت للنظر هو أنّ الناس بالرغم من مخالفتهم له ـ بعد بدایة دعوته للإسلام بقوا یودعون أماناتهم عنده ، ولذا أمر (صلى الله علیه وآله) علی (علیه السلام) أثناء الهجرة إلى المدینة المنورة أی بعد مرور ثلاثة عشر عاماً من البعثة ـ بأنّ یبقى فی مکة لیؤدّی عنه الأمانات إلى أهله ، ثم یهاجر إلى المدینة .

إنّ حسن خلق النبی (صلى الله علیه وآله) وحسن معاشرته وسخائه وکرمه ، وخلاصة الصفات التی تلیق بقائد إلهی عظیم یمکن مشاهدتها به (صلى الله علیه وآله) بوضوح خلال الوقائع المختلفة فی حیاته ، وخاصةً أثناء فتح مکة ، ومعرکة احد ، وکذلک فی تعامله مع أسرى الحرب ، والرقیق ، وطبقات المجتمع المحرومة ، إلى الحد الذی اعتبروا فیه هذه المسألة بأنّها نقطة ضعف عنده ، وأنّ دینه هو دین العبید والمحرومین ، وابتعد عنه الأغنیاء والأثریاء ، وعرضوا علیه طرد الحفاة والمستضعفین وإبعادهم مقابل تأییدهم له وتقربهم منه (صلى الله علیه وآله) ، وقد جاء هذا المعنى بإشارة واضحة فی قوله تعالى :

( وَاصْبِر نَفسَکَ مَعَ الّذِینَ یَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ والعَشِىِّ یُرِیدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَینَاکَ عَنهُم تُرِیدُ زِیَنةَ الحَیَاةِ الدُّنیَ وَلاَتُطِعْ مَنْ اَغْفَلنَا قَلبَهُ عَن ذِکرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَکَانَ أَمْرُهُ فُرُط ) . (الکهف / 28)

وهو الذی صفح عن ( أبو سفیان ) ألدّ اعدائه والمؤجج الخطیر لنیران الحروب ضد الإسلام ، وجعل من بیته أثناء فتح مکة ملجأً ومأمناً لأهل مکة ، وأعلن العفو العام عن المکیّین الذین ارتکبوا جرائم کثیرة ضده وضد أتباعه ، وهذا الخُلق الحسن والتسامح واللُّطف والکرم صار السبب فی جعلهم یلتفون حوله .

وفی ( معرکة اُحد ) أیضاً عندما فرّ جماعة من حدیثی الدخول فی الإسلام من أرض المعرکة وترکوه وحیداً بین الأعداء متحملا ضربات شدیدة منهم، عاد وأعلن العفو العام ، وصفح عن الجمیع إلى درجة استوجبت نزول الآیة المبارکة : ( فَبما رَحمـة مَـن اللهِ لِنْتَ لَهُم وَلَـو کُنتَ فَظّـاً غَلیظَ القلبِ لاَنْفَضـُّوا مِـن حَولک فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَـاوِرْهُم فِى الأَمْرِ ). (آل عمران / 159)

فقد بیّنت هذه الآیة لین قلب وباطن النبی (صلى الله علیه وآله) وصفاء سریرته وکذلک لهجته الرقیقة والملیئة بالعاطفة التی لم تأمره بالعفو عن أخطائهم فحسب، بل أمرته أیضاً بطلب المغفرة لهم من الله تعالى ، وأن یحترم شخصیاتهم ویشاورهم .

لقد کان (صلى الله علیه وآله) رحیماً بالمؤمنین وغیر المؤمنین بالقدر الذی یجعله یتألم بشدّة من عدم إیمان البعض ، وإلى حد یوشک فیه على الهلاک أسفاً علیهم .

ونقرأ فی قوله تعالى ما یتضّمن معنى التسلیة للنبی (صلى الله علیه وآله) : ( فَلَعَلَّکَ بَاخِعٌ نَّفسَکَ عَلَى آثَارِهِم اِنْ لَّمْ یُؤمِنُوا بِهَذَا الحَدِیثِ اَسَفَاً ) . (الکهف / 6)

وشبیه هذا المعنى جاء فی قوله تعالى: (لَعَلَّکَ بَاخِعٌ نَّفْسَکَ اَلاَّ یَکُونُوا مُؤمِنینَ )(1) .(الشعراء / 3)

وحقاًإذا لم یتصف القائد بهذه الصفات فلا یستطیع أن یجسّد المعنى الحقیقی والواقعی للقیادة ، وقد جاء فی قوله تعالى: ( لَقَدْ جَاءَکُم رَسُولٌ مِّن اَنفُسِکُم عَزِیزٌ عَلیَهِ مَا عَنِتُّم حَرِیصٌ عَلَیکُم بِالمُؤمِنِینَ رَؤُوفٌ رَّحِیمٌ ) . (التوبة / 138)

ومن المسلَّم به أنّ البحث حول الملکات الخلقیة للرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) وخصائصه الأخلاقیة أوسع وأشمل من أن یضمها حدیث قصیر ، وأنّ غایتنا فقط هی الإشارة العابرة لهذه المسألة باعتبارها إحدى القرائن .


1. «باخع» من مادة «بَخْع» على وزن «نَقْع» تعنى الهلکة من شدة الغم والحزن ، وبتعبیر آخر، الموت غصة .
3 ـ مضمون الدعوة 1 ـ میحط دعوة النبی (صلى الله علیه وآله) والظروف السائدة هناک
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma