علم الإمام

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء التاسع)
مصادر علم الأئمّة !تمهید:

یشیر القرآن الکریم إلى هذه المسألة فی عدّة آیات :

فیقول تعالى فی مکان : (وَاِذَا جَاءَهُم أَمْرٌ مِّنَ الاَمْنِ أَوِ الخَوْفِ اَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ اِلَى الرَّسُولِ وِاِلَى اُولِى الاَمْرِ مِنْهُم لَعَلِمَهُ الَّذینَ یَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْکُم وَرَحْمَتُهُ لاََتَّبَعتُمُ الشَّیطَانَ اِلاَّ قَلِیلاً). (النساء / 83)

ویقول فی آیة اُخرى : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ اِنْ کُنْتُم لا تَعْلَمُونَ). (النحل / 43)

تدل الآیة الاُولى على أنّ هناک اشخاصاً بین المسلمین کانوا یسلکون ـ وبلا وعی منهم ـ سبیل بث الشائعات التی یثیرها أعداء الإسلام أحیان ، فتارة یثیرون إشاعة الانتصار ، واُخرى إشاعة الهزائم ، أو سائر الإشاعات ، وسبب هذا الأمر الغفلة والجهل ، وقد یتسبب فی انهیار معنویات المسلمین ، یقول القرآن : على المسلمین أن یراجعوا النبی (صلى الله علیه وآله) أو اُولی الأمر فی مثل هذه المسائل الاجتماعیة المهمّة التی یجهلونها.

واُولی الأمر تعنی أصحاب القرار ، ومن المسلم به أنّها لا تعنی هنا القادة الحربیین ، لأنّه تعالى یقول بعد ذلک ما معناه : إنّ الذین یستنبطون الأحکام (أی الذین یبحثون القضایا من أصلها یمتلکون الاطلاع حول هذه الاُمور ، وعلى الذین یجهلون مراجعة هؤلاء)، فإنّ «یستنبطونه» من مادة «نَبَطْ» ـ على وزن «فَقَطْ» ـ وتعنی فی الأصل الماء الأول الذی یستخرجونه من البئر ویتفجر من باطن الأرض ، لذا یقال للحصول على الحقیقة من مختلف الأدلة والقرائن، استنباط.

وهذا التعبیر صادق بحق العلماء فقط ، لا قادة الجیش ولا الأمراء ، من هنا فإنّه تعالى یکلف المسلمین بالرجوع إلى العلماء وأُولی الأمر فی المسائل الحساسة والمصیریة .

لکن ما المقصود هنا من «اولی الأمر»؟ ثمّة جدل بین المفسرین أیض ، فبعض فسرها بمعنى اُمراء الجیش لاسیّما الجیش الذی فیه رسول الله (صلى الله علیه وآله) ، وبعضٌ بمعنى العلماء والفقهاء ، وبعضٌ فسّرها بالخلفاء الأربعة ، وبعضٌ بمعنى أهل الحل والعقد (زعماء المجتمع)، وطائفة اعتبرتهم الأئمّة المعصومین (علیهم السلام) .

والظاهر أنّ التفسیر الأخیر أکثر ملائمة من البقیة ، فقد ذکرت خصلتان لاُولی الأمر فی ذیل الآیة لایمکن لهما أن تصدقا على غیر المعصوم :

الاُولى: ما یقوله تعالى بما معناه : ولو ردوه إلى اُولی الأمر لأرشدهم أولئک الذین یعلمون اُصول القضایا، وظاهر هذا التعبیر أنّ علمهم غیر مختلط بالجهل والشک ، وهذا الأمر لا یصدق على غیر المعصومین .

والثانیة: هی أنّه تعالى یعدُّ وجود اُولی الأمر نوعاً من الفضل والرحمة الإلهیّة حیث تحول طاعتهم دون اتباع الناس للشیطان : (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْکُم وَرَحمَتُهُ لاَتَّبَعتُمُ الشَّیطَانَ إلاَّ قَلِیلاً ) .

ومن الواضح أنّ اتباع المعصومین فقط هو الطریق الأمثل والأصوب الذی بإمکانه الحؤول دون ضلال الإنسان واتباعه للشیاطین، لأنّ غیر المعصومین ربّما یزلون ویقعون فی الخطأ والمعصیة ویصبحون أُلعوبة بید الشیطان.

لهذا فقد فسّرت (اُولی الأمر) فی هذه الآیة فی العدید من الروایات التی وصلتنا عن طرق أهل البیت (علیهم السلام) وأهل السنّة بمعنى الأئمّة المعصومین .

ففی روایة ذکرها المرحوم الطبرسی فی مجمع البیان عن الإمام الباقر (علیه السلام) قوله: «هم الأئمّة المعصومون» (1).

ونقرأ فی الحدیث الذی نقل فی تفسیر العیاشی عن الإمام علی بن موسى الرض (علیه السلام) : «یعنی آل محمد ، وهم الذین یستنبطون من القرآن ویعرفون الحلال والحرام وهم حجة الله على خلقه» (2).

ونقرأ فی الحدیث الآخر الذی نقل فی «کمال الدین» للصدوق عن الإمام الباقر (علیه السلام) : «ومنْ وضع ولایة الله وأهل استنباط علم الله فی غیر أهل الصفوة من بیوتات الأنبیاء فقد خالف أمر الله» (3).

أمّا فیما یتعلق بالآیة الثانیة أى : فهی توعز إلى الجمیع بسؤال أهل الذکر عن الاُمور التی یجهلونها یقول اللّه سبحانه: (فاسأَلُوا اَهْلَ الذِّکرِ اِن کُنتُم لاََتعلَمُونَ).(النحل / 43 والأنبیاء / 7)

فممّا لا شک فیه أنّ الذکر هنا بمعنى العلم والاطلاع ، وأهل الذکر تشمل العلماء والمطلعین بشکل عام ، وعلى هذا الأساس فقد استدل بهذه الآیة بشأن التقلید ورجوع الجاهل للعالم ، إلاّ أنّ المصداق الکامل لها هم الذین یستلهمون علمهم من علم النبی(صلى الله علیه وآله)والباری جلّ وعل ، فعلمهم علم منزه من الخطأ والزلل ، علمٌ مقترن بالعصمة ، لهذا فقد فسرت هذه الآیة باهل البیت (علیهم السلام) والأئمّة المعصومین ، ففی الروایة الواردة عن الإمام علی بن موسى الرضا (علیه السلام) فی اجابته عندما سئل عن الآیة: «نحن أهل الذکر ونحن المسؤولون» (4).

والجدیر بالذکر أنّ نفس هذا المطلب أو ما یقاربه قد نقل عن التفاسیر الاثنی عشر لأهل السنّة ، (المراد من التفاسیر الاثنی عشر ، تفسیر «أبو یوسف» و«ابن حجر» و«مقاتل بن سلیمان» وتفسیر «وکیع بن جراح» وتفسیر «یوسف بن موسى القطان» وتفسیر «قتادة» وتفسیر «حرب الطائی» وتفسیر «السدی» وتفسیر «مجاهد» وتفسیر «مقاتل بن حیان» وتفسیر «أبی صالح» وتفسیر «محمد بن موسى الشیرازی») .

فقد روی فی هذه التفاسیر عن ابن عباس أنّ المراد من الآیة «فاسألوا أهل الذکر هو محمد وعلی وفاطمة والحسن والحسین (علیهم السلام) ، هم أهل الذکر والعلم والعقل والبیان ، وهم أهل بیت النبوّة» (5).

وملخص الکلام هو : بالرغم من سعة مفهوم الآیة ، إلاّ أنّ نموذجها الکامل والشامل لا یتصور إلاّ فی الأئمّة المعصومین (علیهم السلام) المنزه علمهم من الخطأ والزلل ، ومن هنا یتضح عدم معارضة نزول الآیة بشأن علامات الأنبیاء السابقین، والتوراة ، والانجیل، والسؤال من علماء الیهود والنصارى ، مع ما قیل فی معنى هذه الآیة .

ملاحظة

کما ذکرنا فی مبحث علم الأنبیاء فی الجزء السابع من هذا الکتاب، فإنّ الأنبیاء المکلّفین بهدایة الناس فی جمیع الجوانب المادیة والمعنویة ، الذین تمتد حدود مسؤولیاتهم إلى الجسم والروح والدنیا والآخرة ، یجب أن یکونوا على جانب کبیر للغایة من العلم لیتسنى لهم انجاز هذا الواجب على أحسن وجه .

والأئمّة الذین هم خلفاء النبی یحظون بهذا الحکم أیض ، فلابدّ من امتلاکهم لعلم یتناسب مع واجبهم العظیم لیطمئن إلیهم الناس ویسلمونهم دینهم .

ویجب أن یکون هذا العلم منزهاً من الخطأ والعیب والزلل ، وإلاّ فإنّه لا یحظى بثقة الناس ، ویسمح الناس لأنفسهم بتقدیم بعض آرائهم على آراء النبی أو الإمام ، باعتبار أنّ النبی والإمام یخطئان أیضاً ولا ینبغی التسلیم لهما مطلقاً، إذن فالثقة المطلقة تتبع عصمتهم .

یقول القرآن الکریم بشأن إمام بنی اسرائیل «طالوت» : ( اِنَّ اللَّهَ اصطَفَاهُ عَلَیْکُم وَزادَهُ بَسطَةً فِىِ العِلمِ وَالجِسمِ). (البقرة / 247)

من هنا یقول تعالى فی مقابل مزاعم بنی اسرائیل الذین کانوا یقولون : إنّ طالوت من أُسرة فقیرة ومجهولة، وأنّه خالی الیدین من مال الدنی : أنّ الأساس الحقیقی للحکم الإلهی هو «العلم» و«القدرة» حیث وهبه الله ما یکفیه منهم .

وفیما یتعلق بیوسف (علیه السلام) عندما یصف نفسه بالأهلیة للتصدی لجانب من حکم مصر ، أی إدارة بیت المال ، فهو یستند إلى العلم والأمانة : ( قَالَ اجعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الاَرْضِ اِنِّى حَفِیظٌ عَلِیمٌ ). (یوسف / 55 )

بل کما قلنا سابقاً بشأن علم الأنبیاء: لابدّ أن یتمتعوا بجانب من علم الغیب على الأقل لیتسنى لهم القیام بواجبهم على أحسن وجه ، وأنَّ الذی یصدق بحقهم یصدق بحق الأئمّة أیض .

إنّ تکلیفهم عالَمی أیض ، فلابدّ أن یکونوا مطلعین على أسرار العالم ، وواجبهم مرتبط بالماضی والمستقبل ، فکیف یمکنهم أداء رسالتهم جیداً إذا کانوا یجهلون الماضی والمستقبل ، وأن یضعوا الخطط لجمیع الناس ؟

إنّ حدود رسالتهم تشمل ظاهر وباطن المجتمع ، والناس ، فمن المتعذر انجاز هذه الاُمور المهمّة بدون العلم بالغیب ، وهذا ماورد بتعبیر لطیف للغایة فی حدیث الإمام الصادق(علیه السلام) یقول: «مَنْ زعمَ أنّ الله یحتج بعبد فی بلاده ثم یستر عنه جمیع ما یحتاج إلیه فقد افترى على الله»(6).

نعم فالعلم بأسرار العالم حالیاً وفی الماضی والمستقبل هو فی واقع الأمر: السبیل إلى انجاز الرسالة المهمّة فی هدایة البشر والتحول إلى حجة لله تعالى .

ومختصر الکلام هو أنّ أول شرط للتصدی لمقام الإمامة هو العلم والاطلاع وإلالمام بجمیع العلوم الدینیة ، وحوائج الناس ، وکل ما یلزم فی أمر تعلیم وتربیة وهدایة وإدارة المجتمع الإنسانی ، ومن المستحیل أداء هذه المسؤولیة بدون مثل هذا العلم .


1. تفسیر مجمع البیان ، ج3، ص 82 .
2. تفسیر کنز الدقائق ، ج3، ص 486 .
3. المصدر السابق، ص 486 .
4. تفسیر البرهان ، ج2، 369 .
5. احقاق الحق ، ج3، ص 482.
6. بصائر الدرجات وفقاً لنقل بحار الأنوار، ج 26، ص 137 .
مصادر علم الأئمّة !تمهید:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma