1 ـ حکومة الصالحین فی الأرض

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء التاسع)
2 ـ آیة سورة النور تمهید :

نقرأ فی قوله تعالى: ( وَلَقَدْ کَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذّکرِ اَنَّ الاَرْضَ یَرِثُهَا عِبَادِىَ الصّالِحُونَ * اِنَّ فِى هَذَا لَبَلاَغَاً لِّقَوم عَابِدِینَ ). (الأنبیاء / 105 ـ 106)

تأتی هذه الآیات بعد الآیات التی تبیّن الأجر الاُخروی للصالحین، وفی الواقع فانها تکشف عن الاجر الدنیوی لهم، وهو أجرٌ مهمٌ جد ، ذلک أنّه یهیء أرضیة السعادة وتطبیق أحکام الله تعالى، وصلاح ونجاة المجتمع الإنسانی .

ومع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ «الأرض» بمعناها المطلق تشمل کل الکرة الأرضیة ، وجمیع أنحاء العالم (إلاّ إذا کانت هناک قرینة خاصة )، فإنّ هذه الآیة تعدّ بشارةً بخصوص الحکومة العالمیة للصالحین ، وإذ لم یتحقق هذا المعنى فی الماضی ، فلابدّ من انتظار تحققه فی المستقبل ، وهذا هو نفس الشیء الذی نتوخاه تحت عنوان «الحکومة العالمیة للمهدی » .

وهذه الملاحظة جدیرة بالاهتمام أیضاً إذ تقول الآیة : ولقد کتبنا هذا الوعد فی کتب الأنبیاء السابقین أیضاً، وهذه إشارة إلى أنّ هذا الوعد لیس وعداً جدید ، بل إنّه امرٌ متجذر ورد فی المذاهب الاُخرى أیض .

والمراد بـ «الزبور» على الأقوى نفس «زبور داود»، وهو عبارة عن مجموعة من المناجاة، والأدعیة، ونصائح داود النبی المذکورة فی کتب العهد القدیم (الکتب الملحقة بالتوراة ) باسم «مزامیر داود» .

واللطیف أنّه ـ بالرغم من کل التحریفات التی طالت کتب العهد القدیم بمرور الزمان ـ فإنّ هذه البشارة الکبیرة یمکن ملاحظتها بشکل واضح فی نفس هذا الکتاب أی «مزامیر داود» .

ونقرأ فی المزمور / 37 الجملة / 9 : ( ... لأن الأشرار سینقطعون، وأمّا المتوکلون على الرب فسیکونون ورثة الأرض، وحالاً یختفی الأشرار، وکلما بحثت عنهم فسوف لن تجد لهم أثراً).

وجاء فی الجملة / 11 : (أما المتواضعون فقد ورثوا الأرض، وهم یتلذذون من وفور النعمة).

وورد المعنى نفسه أیضاً فی الجملة / 27 من نفس المزمور بالعبارة التالیة : (لأنّ مبارکی الرب سیرثون الأرض، اما ملعونوه فسوف یتقطعون).

وجاء فی الجملة / 29 : (فالصدیقون ورثوا الأرض، وسیسکنونها أبداً) .

ومن الواضح أن التعابیر السابقة من قبل «الصدیقون»، «المتوکلون» « المتبرکون» و«المتواضعون» إشارة لعبارة «عبادی الصالحون» التی وردت فی القرآن الکریم .

والمراد من «الذکر» فی الآیة الآنفة، الذکر حسب اعتقاد الکثیر من مفسّری التوراة، وتشهد على ذلک الآیة : ( وَلَقَدْ آتَیْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الفُرقَانَ وَضِیاءً وَ ذِکرى لِلّمُتَّقِینَ ). (الأنبیاء / 48)

واحتمل البعض الآخر أنّ المراد من «الذکر»، «القرآن»، وجمیع کتب الأنبیاء السابقین من «الزبور»، ( وبناء على ذلک فإنّ معنى الآیة یصبح بهذا الشکل : لقد کتبنا هذه البشارة فی جمیع کتب الأنبیاء السابقین بالاضافة «للقرآن» ).

وعلى أیّة حال فإنّ هذه البشارة قد جاءت أیضاً فی قسم من ملحقات التوراة مثل کتاب «النبی اشعیاء» کما نقرأ ذلک فی الفصل الحادی عشر من هذا الکتاب:

«الاذلاء بعدالة الحکم، وستکون الأرض حقاً نکالاً «ورمزاً للیقظة» للمساکین ... حزام ظهرها العدل ... ونطاق وسطها سیکون الوفاء ... سیسکن « سیأنس» الذئب مع الشاة ... وسیکون الطفل الصغیر راعیها ... لأن الأرض ستمتلیء من علم الله، کما تمتلیء البحار من المیاه).

کما تلاحظ مثل هذه الإشارات فی کتاب التوراة نفسه أیضاً من جملتها : الفصل / 13 رقم 15 : (سنعطی الأرض إلى واحد من أولاد إبراهیم . ولو عد أحد ذرات غبار الأرض لعدَّ ذریته).

وجاء فی الفصل / 17 الجملة / 20 : (اعطیته «إسماعیل» برکتی واربیته ( ابناؤه ) إلى أقصى غایة وسیظهر منه اثنا عشر سیداً واُمّة عظیمة).

لاحظوا الجملة الثانیة عشر فانه سیبعث السرور ممّا یدل على أنّ الأئمّة الاثنی عشر کلهم من ذریته وأولاده .

وفی الفصل / 18 الجملة / 18 : (سیتبارک منه جمیع أقوام الدنیا...) .

وهناک تعابیر واشارات اُخرى من هذا القبیل لو اردنا ذکرها لطال بنا المقام .

لقد وردت هذه المسألة بشکل صریح فی الروایات الإسلامیة أیضاً ـ بالإضافة إلى الإشارات الواضحة لمسألة قیام المهدی (علیه السلام) فی الآیة السابقة، ومنها أنّ المرحوم « الطبرسی » فی «مجمع البیان» نقل فی نهایة هذه الآیة عن الإمام الباقر (علیه السلام) قوله : «هم أصحابُ المهدیِّ فی آخر الزَّمانِ» .

وجاء فی تفسیر القمی أیضاً فی نهایة هذه الآیة مایلی: «قال القائمُ وَاَصحابُه» .

لیس من شک فی أنّه من الممکن أن یقیم عباد الله الصالحون حکومة على جزء من الأرض ، کما حصل فی عصر رسول الله (صلى الله علیه وآله) وبعض الأعصار الاُخرى، إلاّ أنّ استقرار الحکومة بأیدی الصالحین على وجه الأرض کلها ستحصل فی عصر المهدی (علیه السلام) فقط، وهناک روایات کثیرة بلغت حد التواتر، وقد وردت عن طرق السنّة والشیعة بهذا الصدد .

کما أنَّ «الشیخ منصور علی ناصف» مؤلف کتاب «التاج الجامع للاصول» ـ وهو کتاب یضم الاُصول الخمسة المعروفة لدى السنّة، وقد کتب علماء الازهر تقاریض مهمة علیه ـ أورد فی الکتاب المذکور ما یلی: «اِشتهر بین العلماءِ سَلَفاً وخَلَفاً اَنَّهُ فی آخِر الزمانِ لابدَّ من ظهور لرجل من أهلِ البیت مُسَمّى المهدی یستولی على الممالکَ الإسلامیةِ ویتَّبعُهُ المسلمونَ ویَعدِلُ بینهم ویؤیِّدُ الدین» .

ثم یضیف قائلاً : «وقد روى أحادیث المهدی جماعة من خیارِ الصَّحابةَ ، واَخرَجَها أکابرُ المَحَدّثین : کابی داود، والترمذی، وابن ماجة، والطبرانی ، وأبی یعلی والبزاز والإمام أحمد والحاکم (1) .

لم یستطع حتى ابن خلدون المعروف بمخالفته لأحادیث المهدی، انکار شهرة هذه الأحادیث بین جمیع علماء الإسلام أیض (2) .

ومن الذین أوردوا تواتر هذه الأخبار فی کتبهم «محمد الشبلنجی» العالم المصری المعروف فی کتاب «نور الأبصار» إذ یقول : «تواتُرِ الأخبار عن النبی (صلى الله علیه وآله) على أنَّ المهدی من أهل بیتهِ وأَنّه یملأ الأرضَ عدل » .

لقد ورد هذا التعبیر فی الکثیر من الکتب الاُخرى أیضاً، حتى أنّ «الشوکانی» من علماء السنّة المعروفین یقول فی کتاب ألَّفَهُ حول تواتر الأحادیث المرتبطة بالمهدی (علیه السلام)، وخروج الدجال، وعودة المسیح (علیه السلام)، بعد بحث مفصّل بشأن تواتر الأحادیث المتعلقة بالمهدی(علیه السلام):

«هذا یکفی لمن کان عندَهُ ذرَّةٌ من الإیمان وقلیل من انصاف»(3) .

ومن المستحسن هنا أن نذکر على الأقل بعضاً من روایات النخبة الواردة فی أشهر المصادر الإسلامیة کنموذج من هذا البیدر :

1 ـ ینقل «أحمد بن حنبل» من أئمّة السنّة الاربعة فی کتابه «مسند أحمد» عن «أبو سعید الخدری» أنّ الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) قال : «لا تقوم الساعَةَ حتى تمتلأ الأرض ظلماً وعدواناً، قال ثم یخرجُ رجلٌ من عترتی اَو مِنْ أهل بیتی یملأها قسطاً وعدلاً کما مُلِئَتْ ظلماً وعدواناً»(4) .

2 ـ ونقل الحافظ أبو داود السجستانی نفس هذا المعنى فی کتابه «السنن» مع فارق ضئیل (5) .

3 ـ نقل الترمذی المحدّث المعروف بسند صحیح ( طبقاً لتصریح منصور علی ناصف فی التاج ) عن عبد الله، عن الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) أنّه قال : «لو لم یبقَ من الدنیا إلاّ یومٌ لطوَّلَ اللهُ ذلک الیومَ حتى یبعثَ رجلاً منّی أو من أهل بیتی یواطیُ اِسمَهُ اِسمی ، واسم ابیهِ اسم اَبی(6)، یملأُ الأرضَ قسطاً وعدل ، کما مُلئَتْ ظلماً وجوراً» (7) .

وأورد الحاکم النیسابوری فی «المستدرک» ما یشبه هذا الحدیث مع فارق قلیل ، ویقول فی نهایته : هذا حدیث صحیح (8).

4 ـ ونقل أیضاً فی صحیح «أبی داود» عن امّ سلمة أنّها قالت : سمعتُ رسول الله(صلى الله علیه وآله) : إنّه کان یقول : «المهدیُّ من عترتی من ولدِ فاطمَةَ» (9).

5 ـ نقل الحاکم النیسابوری فی المستدرک، حدیثاً أکثر تفصیلاً بهذا الشأن عن أبی سعید الخدری عن الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) أنّه قال : «ینِزِلُ بأُمتی فی آخِرِ الزمانِ بلاءٌ شدید من سلطانهِمْ، لم یُسمع بلاءٌ اشدّ منه ، حَتّى تضیقَ عَنْهُمُ الأرضُ الرَّحْبَةُ، وحتى یملأُ الأرضَ جوراً وظَلماً، لا یجدُ المؤمنُ مَلْجأً یَلتَجِأُ اِلیهِ مِنَ الظلْمِ فیبعثُ اللهُ عزَّ وجَلَّ رجُلاً من عترتی ، فیمَلأُ الأرضَ قسطاً وعدلاً کما مُلَئِتْ ظُلماً وَجَوراً، یرضى عنه ساکن السماء وساکنُ الارضِ، لا تدَّخِرُ الأرضُ مِنْ بَذرها شَیْئاً اِلاّ اخْرَجَتْهُ، ولا السماءُ من قطرها شیئاً اِلاّ صَبَّهُ اللهُ علیهم مدراراً» (10) .

وبعد ذکر هذا الحدیث یقول الحاکم : هذا حدیث صحیح وبالرغم من أنّ «البخاری» و « مسلم» لم یورداه فی کتبهم .

ومثل هذه الأحادیث ـ الواردة عن مختلف الرواة من المصادر المشهورة ـ کثیرة جدّاً، وتشیر إلى الحکومة العالمیة التی ستقام فی نهایة المطاف على الید المقتدرة الکفوءة للإمام المهدی (علیه السلام)، ویملأ العدل والقسط کل مکان، ویتحقق بالتالی مضمون الآیة السابقة : (أنَّ الأرضِ یَرثُها عبادیَ الصالحون ) .


1. التاج الجامع للاُصول ، ج 5 ص 341 ( ورد هذا المطلب کهامش فی تلک الصفحة ) .
2. ابن خلدون ، ص 311.
3. نقلاً عن کتاب التاج ، ج 5، ص 360.
4. مستدرک أحمد ، جملة 3، ص 36 .
5. سنن أبی داود ، ج 4 ص 152 .
6. صرّح بعض العلماء الکبار أنّ الصحیح هنا، اسم ابیه اسم ابنی، وبهذا الشکل یکون موافقاً تماماً للاسم المبارک للامام المهدی حسب اعتقاد الشیعة أی ( محمد بن الحسن العسکری ) .
7. التّاج ، ج 5، ص 343 .
8. المستدرک ، ج 4، ص 558 .
9. صحیح أبی داود ، ج 2، ص 207 .
10. المستدرک على الصحیحین ، ج 4، ص 465.

 

2 ـ آیة سورة النور تمهید :
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma