دراسة ونقد لأنواع الحکومات

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء العاشر)
الحکومة تنصیب أم انتخاب:3 ـ الحکومة الإلهیّة

لا یخفى على أی شخص ما تستبطنه الحکومات المستبدة والدکتاتوریة فی ثنایاها من مفاسد، وما أصاب المجتمعات من ویلات ومصائب مدمرة على مر التّاریخ، من قتل الأبریاء وتعذیبهم، والحروب المدمّرة والاستیلاء على الأموال، واستعباد المحرومین والضعفاء، وانتشار التعصّب والتمییز العنصری والظلّم، وصرف أموال المجتمع على التّرف والبذخ، کلّ ذلک من آثار تسلط الحکومات المستبدة، وقد ذکر القرآن الکریم وصفاً حقّاً لذلک حیث قال: (اِنَّ المُلُوکَ اِذَا دَخَلُوا قَریَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا اَعِزَّةَ أَهلِها اَذِلَّةً وَکَذلِکَ یَفعَلُونَ).   (النمل / 34)

ولا فرق بین أن یکون الاستبداد فردیاً أو جماعیاً، بل إنّ آثار الاستبداد الجماعی أکثر سوءاً من الاستبداد الفردی، وأوضح مثال على هذا النوع من الاستبداد هو الحزب الشیوعی فی روسیة والذی کان السبب فی جرّ أنواع المصائب والفجائع التی لا میثل لها فی التاریخ.

إنَّ الحکومات المستبدة والتی تتظاهر بزىّ الحکومات الشعبیة والدیمقراطیة لا تقلّ سوءاً عن الحکومات المستبدة المطلقة، بل إنّها أسوء بکثیر من جهات شتى، ذلک لأنّ الشعب حسّاسٌ دائماً تجاه استبداد الدکتاتوریین ویتحین الفرص للانتفاض ضدهم والتخلّص منهم، أمّا فی حالة الحکومة المستبدة المتلبسة بلباس الدیمقراطیة ـ کما هو الحال فی کثیر من الحکومات الغربیة التی تستلم السلطة بصرف مبالغ طائلة على الاعلام والصحف بالإستعانه بالرأسمالیین ـ فلا تبیّن شیئاً یمکّن الناس من معارضتهم والثورة ضدهم فی الفرصة المناسبة.

 

وأمّا الحکومة الدیمقراطیة الواقعیة والّتی تمثل أکثریة الشعب (إذا وجدت حکومة کهذة فی العالم) فهی کذلک، حیث تنطوی على مساوىء کثیرة، بل وحتى تمارس الظلم والاعتداء، وذلک لأمور منها:

أولا: إنّ الکثیر من النّاس فی أغلب الدول التی تکون حکوماتها واقعاً أو ظاهراً من هذا النوع، لا یشارکون بصورة عملیة فی الانتخابات فیها، إذ ربّما شارک ستون أو سبعون فی المئة بل وأقل من ذلک أیضاً; ومع ذلک فاننا نرى ان نتائجها تشیر إلى أنّ المرشّح الفلانی قد حاز على أکثریة الأصوات، إنّها لم تکن أکثریة فی المجتمع. (مثلا نسبة 31 % مقابل 29% من مجموع 60% من الأفراد المشترکین فی تلک الانتخابات).

وفی هذه الحالة، توجد مصادیق عدیدة فإنّ الأقلیة من الناس تتسلّم مقالید الاُمور، بینما ترضخ الأکثریة تحت حکمهم وسیطرتهم، وبدیهیّ أن ینظّموا کل القوانین حسب أهوائهم ومصالحهم، وهذا هو الظلم الفاحش بعینه.

ثانیاً: لو فرضنا أن جمیع أفراد الشعب الذین لهم حقّ المشارکة فی الانتخابات قد اشترکوا فیها (طبعاً إنّ مثل هذه الفرضیة لم تحدث أبداً) فیمکن أیضاً فوز البعض بأکثریة قلیلة وضئیلة (کأن یکون 51 % فی مقابل 49 % أو أکثر أو أقل).

وهذا أیضاً أحد أنواع (استبداد الأکثریة) ضد الأقلیة، ففی دولة یبلغ عدد سکانها 100 ملیون نسمة مثلا تخضع فیه 49 میلون نسمة لسلطة 51 ملیون شخص، فکلّ شیء فی المجتمع یسیر وِفقاً لمصلحة الأکثریّة وقد یکون بضرر الأقلیّة، ولهذا فقد أذعن کثیر من المفکرین إلى أنّ حکومة الأکثریة هی نوع من الحکومة الظالمة الّتی لابدّ منها، لأنّه لا حیلة لهم ولا بدیل سواها.

ثالثاً: وبعیداً عن ذلک وعلى فرض أنّ الحکومة الدیمقراطیة لا تنطوی على أیّ من الإشکالین المذکورین فإنّها حکومة تتبعُ رغبات الأکثریة من الشعب، ونحن نعلم أنّه یحدث أحیاناً أن ینحرف أکثریة الشعب نتیجة للمستوى العلمی والثقافی المتدنّی، أو فی هذه الحالة یتحتَّم على العلماء والمتقفین النهوض ومحاربة هذه الآفة الخطیرة، بینما لا نرى

فی هذه الموارد معارضة ولا محاربة فی الأنظمة الدیمقراطیة، بل نرى العکس، حیث أخذت هذه الانحرافات شکلا قانونیاً واُجیزت من قبل المشرّعین هناک، فمثلا أصبح الزواج من الجنس المماثل فی انجلترا وأمریکا مجازاً من قِبلِ القانون، وکذلک الحال مع مسألة سقط الجنین أو الإجهاض، ذلک أنّ الممثلین فی هذه الدوّل یعبّرون عن رغبات الشعب لا رعایة مصالحه.

ومن هنا نجد أنّنا بحاجة إلى البحث عن النوع الثالث من الحکومة، ألا وهی حکومة الصالحین، الحکومة التی اقترحها الأنبیاء(علیهم السلام)، وحتّى لو کانت هناک انتخابات فإنّها تجری على أساس انتخاب الأصلح وقت رعایة الإمام العادل.

ففی هذا النوع من الحکومة لا نجد الآفات الثلاث التی وجدناها فی الحکومات الدیمقراطیة، فلا مجال للرأسمالیة ولا للاستبداد حیث یسیطر بواسطتها نصف المجتمع على النصف الآخر، ولا مکان للرغبات المنحرفة فی المجتمع.

وعلى هذا، فإنّ الحکومة الوحیدة التی یمکن قبولها تماماً هی حکومة الله، وحکومة الرسول(صلى الله علیه وآله) والأئمّة المعصومین(علیهم السلام)، وأولئک الذین یمتلکون الشروط الخاصّة لخلافتهم، وطبیعی أن لا نرى الدنیا فی حالة من العدالة والصلاح والسعادة التامة إلاّ فی ظل الحکومة الإلهیّة.

 

الحکومة تنصیب أم انتخاب:3 ـ الحکومة الإلهیّة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma