حقیقة الحکومة الإسلامیة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء العاشر)
الولایة الخبریة والإنشائیة؟!الحکومة تنصیب أم انتخاب:

البحث حول حقیقة الحکومة الإسلامیة مع الاخذ بنظر الاعتبار ما تقدم من کلام فی البحث السابق لیس بتلک الصعوبة، لان حق الحکومة هو اولا وبالذات من شأنه سبحانه، وذلک بعد قبول التوحید فی الحاکمیة الذی یعد من فروع التوحید الافعالی، وفی المرتبة الثّانیة من شأن کل من یعیِّنُه لذلک. وعلى هذا، فالحکومة الإسلامیة لیست حکومة دکتاتوریة استبدادیة، ولا حکومة دیمقراطیة، بل نمط من الحکومة الأفضل، ای الحکومة الإلهیّة.

لکن هذا لا یعنی أنّ أصل (الشورى)، والاهتمام بآراء الشعب لیس له دور فی الحکومة الإسلامیة، وأنّه لا یعتد به لا من قریب ولا من بعید.

لأنّ «مالک الملوک» و«أحکم الحاکمین» حینما یأمر بالشورى والاصغاء إلى آراء الشعب، تکتسب هذه الاُمور شرعیتها، ونعلم بوجود الأمر الصریح بالشورى فی آیتین من القرآن الکریم.

ففی الآیة 38 من سورة الشورى التی سمیت بهذا الاسم لأجل نفس هذه الآیة، ذکرت سبع خصال جلیة للمؤمنین المتوکلین على الله تعالى، أحداهما، المشورة فی الاُمور المهمّة، یقول تعالى: (وَ أَمْرُهُمْ شُورى بَیْنَهُم)!.

وذهبت الآیة 159 من سورة آل عمران ابعد من ذلک إذ أوصت النبی(صلى الله علیه وآله)ثلاث توصیات فیما یتعلق بالمؤمنین، احداهما مشاورتهم فی الاُمور الحساسة، یقول تعالى: (وَشَاوِرْهُم فِى الأَمْر).

 

وبناءً على هذا، فاحترام آراء الناس یکتسب مشروعیته من أمره تعالى. هذا من جهة ومن جهة اُخرى، فالنبی(صلى الله علیه وآله) وخلفاؤه المعصومون، وکذلک العلماء الذین یکتسبون مشروعیتهم بالواسطة من قبله سبحانه باعتبارهم من مصادیق «الولی الفقیه» ملزمون برعایة مصالح الناس فی کل مکان وزمان، أی الاهتمام بغبطة العامّة کما یصطلح علیه، ومن البدیهی أنّ مصلحة الناس تستلزم اسهامهم فی أمر الحکومة نوعاً ما والاصغاء لآرائهم، وبهذا یکتسب الاهتمام بآرائهم صبغة إلهیّة.

وبعبارة اُخرى، فالحکومة الإلهیّة إنّما تبدو منسجمة حینما تتمتع بقدرة تنفیذیة عالیة، ولا سبیل إلى هذه القدرة إلاّ بمشارکة الشعب فی أمر الحکومة، وبما أنّ تنفیذ الأحکام الإلهیّة واجب، فیکون اسهام الشعب فی أمر الحکومة مقدّمة لذلک الواجب، ومقدّمة الواجب واجبة.

وخلاصة الکلام:، إنّ جوهر الحکومة الإسلامیة هو الحکومة الإلهیّة، لکن هذه الحکومة تنبع فی خاتمة المطاف من الحکومة الشعبیة، فتعیین الأنبیاء والأئمّة وخلفائهم یشکل جوهر الحکومة الإلهیّة، والتزام هؤلاء بمسألة الشورى واحترام آراء الشعب الذی یکون بأمر الله تعالى أیضاً، یشکل الصبغة الشعبیة لها.

فالذین یتصورون أنّ الحکومة الإسلامیة متکئة على آراء الشعب مائة بالمائة، ویهملون عنصرها الإلهی، یذهبون شططاً، کما أنّ الذین یولون اهتمامهم للجانب الإلهی ویغضون الطرف عن جانب الشورى وآراء الشعب مخطئون أیضاً.

وسنتناول فی الأبحاث القادمة (فی بحث البیعة والشورى) هذا الأمر بتفصیل أکثر.

وعلى أیّة حال، فکیف یمکن تجاهل هذه الحقیقة، وهی أنّ مشارکة الشعب فی أمر الحکومة تضیف قدرة ومنعة للحکام، کما أنّهم أعجز ما یکونون عند غیاب مشارکة الشعب، کما یقول أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی الخطبة الشقشقیة:

«أَمَا وَالَّذِی فَلَقَ الحَبَّةَ وَ بَرءَ النَّسَمَةَ لَولاَ حُضُورُ الحَاضِرِ وَ قِیَامُ الحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى العُلَمَاءِ إلاَّ یُقَارُّوا عَلَى کِظَّةِ ظَالِم وَلا سَغَبِ مَظلُوم، لاََلقَیتُ حَبلَهَا عَلَى غَارِبِهَا»(1).

 

 

هذا التعبیر یحکی بکل وضوح عن أنّ تأیید الشعب یؤدّی أیضاً إلى إقامة الحجّة على الولی المنصوب من قبل الله تعالى.

ولا شک أنّ ولایته(علیه السلام) کانت ثابتة من قبل الله تعالى وعن طریق الرسول(صلى الله علیه وآله)، وأنّ هذه الولایة فعلیة، فهی ـ وعلى خلاف ما قاله بعض المغفلین ـ لم یکن لها جنبة الشأنیة والقوة، أمّا من الناحیة التنفیذیة والعملیة فلا تستغنی عن دعم الشعب، ولا یتحرک لها ساکن بدون ذلک الدعم.

أمّا بالنسبة لفقهاء الإسلام ـ وکما سیأتی ـ فالولایة الفعلیة ثابتة للجمیع، لکن تجسید هذه الولایة إنّما یکون ممکناً حینما تتمتع بدعم وتأیید الشعب فقط، ولهذا السبب فالولی الفقیه الذی یحظى بآراء الشعب تکون له الأولویة قیاساً بالفقهاء الآخرین، لتمکنه من تطبیق ولایته التی یتمتع بها دون غیره، (وسیأتی تفصیل هذا الکلام فی محله إن شاء الله تعالى).

وعلى هذا، فلو تمّ التعبیر فی مثل هذه الموارد بـ «الانتخاب»، فذلک لا یعنی أنّ هذا المنصب یُمنح لهم من قبل الشعب، لأنّ حقّ الولایة من وجهة النظر التوحیدیة إنّما هو لله لا غیر، وهذا المنصب إنّما یکون للذین عیّنهم الله تعالى مباشرة أو عن طریق أولیائه، أمّا اعتبار الشعب هو الأساس ونفی الجانب الإلهی للحکومة فنابع من عقائد الشرک غیر التوحیدیة.

والمقصود أنّ الشعب إنّما یعلن دعمه لفقیه ما حینما یراه أفضل وألیق من کل الفقهاء، ولو کان الانتخاب بید الشعب، ولما کانت هنالک ضرورة لانتخابه من بین الفقهاء، بل لأمکنهم انتخاب من شاؤوا لهذا الأمر، سواء کان فقیهاً أم لم یکن.

وخلاصة القول: إنّ الشعب لا یضع أحداً على سدة الحکم، لأنّ هذا الحق خاص بالله تعالى، ودور الناس إنّما یقتصر على انتخاب شخص من بین الذین منحهم الله تعالى حق الولایة، ولو تمّ التعبیر بـ «الانتخاب» فهذا لا یعنی ما یروج له العالم المادی، والقرائن الحالیة والمقالیة شاهد صدق على هذه الحقیقة، وهی أنّ حقیقة هذین الانتخابین متفاوتة تماماً. (تأمل جیداً).

 

وعلى هذا، فإنّ أمیر المؤمنین(علیه السلام) کان ولیاً من قِبل الله تعالى حتى قبل بیعة الناس له، ومن الجدیر بالذکر أنّ الله تعالى قد منح هذه الولایة له(علیه السلام) طبقاً لصریح آیة الولایة: (إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللهُ وَ رَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاَةَ وَیُؤتُونَ الزَّکَاةَ وَهُم رَاکِعُونَ).   (المائدة / 55)

وطبقاً لحدیث الغدیر المتواتر وجملة: «مَنْ کُنْتُ مَولاَه فَهذا عَلىٌّ مَولاَه»، حیث إنّ النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) قد عیّنه رسمیاً لهذا المنصب من قبل الله تعالى، لکن بیعة الناس للآخرین حالت بینه وبین تطبیق ولایته مدّة من الزمن، ولم یمکن تجسید هذه الولایة إلاّ بعد بیعة الناس له(علیه السلام). أجل، فالشعب قد هیأ الأرضیة للتنفیذ، لا أنّه أوصله إلى مقام الولایة الفعلی.

وکذا الأمر بالنسبة للفقهاء، حیث إنّهم ـ وطبقاً لما سیأتی من الأدلة ـ کلما تمتعوا بحسن التدبیر والإدارة والإحاطة بأمور الزمن وشروطه فضلا عن الاجتهاد والعدالة، فلهم الولایة الفعلیة من قبل الله تعالى، لکن تطبیق هذه الولایة یحتاج إلى مقدمات وعلى رأس هذه المقدّمات دعم الشعب وتأییده.

وهکذا الحال فی النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)، إذ إنّه لم یتمکن من تشکیل الحکومة فترة وجوده فی «مکة»، بل قام بتشکیلها حینما دخل المدینة وکان دعم الشعب کافیاً لذلک والعقبات قد ازیلت، لکن هذا لا یعنی أنّ النبی(صلى الله علیه وآله) لم تکن له الولایة فی مکة، وأنّها منحت له من قبل الناس فی المدینة، (تأمل جیداً).


1. نهج البلاغة، الخطبة 3.

 

الولایة الخبریة والإنشائیة؟!الحکومة تنصیب أم انتخاب:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma