نقد وتحلیل:

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء العاشر)
أرکان الحکومة الإسلامیةوالطائفة الثّالثة:

حول هذه الروایات نلفت نظرکم إلى عدّة نقاط لابدّ منها:

1 ـ توجد لدینا فی الشریعة الإسلامیة مجموعة اُصول بدیهیة لا یجوز تخطیها، من جملتها «الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر» الذی لا سبیل للشک بوجوبه أبداً ومن حیث بداهته وکونه من الاُصول المسلَّم بها، وما أکثر الآیات والروایات التی أکدت علیه.

لنفرض أننا نعیش فی محیط قد ضاعت فیه الأحکام الإلهیّة، وعمّ التجاهر بالمنکرات، واودع المعروف فی زاویة النسیان، وأحاط الظلم والفساد فی کل مکان، وکان باستطاعتنا تغییر الوضع الفاسد بثورة قویة ضد النظام الحاکم ونشر المعروف بدل کل تلک المنکرات على نطاق واسع، فهل یدّعی أحد حُرمة هذا العمل فی مثل هذه الظروف، وأنّه ینبغی التفرج على هذه الأوضاع الفاسدة التی تصادر فیها الأحکام الإلهیّة، ویخرج بواسطتها الشباب المسلم عن الدین؟!

قد یدّعی المتذرعون عدم حدوث مثل هذا الأمر، لنفترض أنّه یمکن حدوثه، إذ لیس هذا الفرض محالا عقلیاً، فهل یقولون ثانیة بضرورة الامتناع عن کل تحرک والتسلیم أمام الإنتشار السریع للفساد والظلم ومصادرة الأحکام الإسلامیة؟!

لا أظن أنّ عالماً ومحققاً یتفوه بمثل هذا الکلام!

من الشواهد على هذا الکلام محمد بن عبدالله من أحفاد الإمام المجتبى(علیه السلام)المعروف بـ «النفس الزکیة»، حیث نقرأ عنه: «حینما بایعه عدد من الوجهاء باعتباره المهدی(علیه السلام)، وبلغ الإمام الصادق(علیه السلام) ذلک الخبر بل وحتى طلبوا منه(علیه السلام) أن یبایعه! قال(علیه السلام): دعوا هذا الأمر، فإنّه لم یحن الوقت بعد (وسیکون ظهور المهدی فی المستقبل)، فلو أنّک (عبدالله أبو محمد) تعتبر ابنک هو المهدی الموعود، وأنّه لیس بالمهدی، ولم یحن وقت ذلک بعد، ولو أردت اجباره على الخروج فی سبیل الله والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، فوالله لن ندعه لوحده، وسنبایعه!».

 

فغضب عبدالله وأجاب بجواب غیر مناسب(1).

خلاصة القول: هی أنّه لو فرضنا أنّ هذه الروایات تصرح بأنّ کل ثورة قبل قیام المهدی(علیه السلام)على ضلال، لکننا لا نتمکن أبداً لاجل خبر واحد أو عدّة أخبار هی فی حکم خبر الواحد، من تجاهل الاُصول المسلّمة للإسلام والتی جاءت فی القرآن الکریم وأحادیث الأئمّة المعصومین(علیهم السلام)، وعلى هذا، فمتى ما توفرت مقدمات تشکیل الحکومة الإسلامیة وأمکن محو الظلم والفساد والاعتداء و... فلا ینبغی التشکیک فی ضرورة القیام بذلک. إذ لا یمکن تناسی أدلة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر وتطبیق الحدود وإقامة القسط والعدل بحجة ورود النهی عن هذا العمل فی عدّة أخبار مشکوکة!

2 ـ لدینا فی قبال هذه الروایات روایات اُخرى عن أهل البیت(علیهم السلام) تحکی عن أنّ الأئمّة(علیهم السلام) قد أثنوا على بعض الثورات التی حدثت فی زمانهم، مع أنّ هذه الثورات لم تبلغ غایتها، فکیف یعقل منع هذه الثورات مع ثنائهم(علیهم السلام) علیها؟!

ومن جملة ذلک ما جاء فی الروایات حول قیام «زید بن علی» باعتبارها ثورة مقدّسة: یقول المرحوم الشهید فی القواعد فی بحث الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر: «کان خروجه بإذن الإمام(علیه السلام)» ویقول الشیخ المفید فی الإرشاد: «کان زید أفضل أبناء الإمام السجاد(علیه السلام) بعد الإمام الباقر(علیه السلام)، وکان عالماً عابداً تقیاً سخیاً شجاعاً، قام بالسیف لیأمر بالمعروف وینهی عن المنکر ویأخذ بثأر شهداء کربلاء»(2).

یذکر المرحوم العلاّمة المامقانی روایات کثیرة فی فضل ومدح زید بن علی، وقسماً من هذه الروایات وردت فی ذمه، حیث یقوم بمناقشتها ولا یراها تستحق الذکر أمام روایات المدح تلک(3).

یقول المرحوم العلاّمة المجلسی بعد ذکره لاختلاف الروایات حول «زید» وثورته: «الأخبار التی تدل على مکانته الرفیعة ومدحه والثناء علیه وأنّه لم یدع لغیر الحق هی الأکثر، وقد أقر جُل الأصحاب بعظمة مکانة زید»(4).

فحینما تکون کل ثورة قبل المهدی(علیه السلام) ثورة ضلال وشرک، فکیف یمکن الثناء على ثورة زید بن على(علیه السلام)، وتمجیدها؟!

والنموذج الآخر هو الروایات التی جاءت فی مدح الحسین بن علی شهید فخ.

وکان الحسین بن علی هذا من أحفاد الإمام الحسن المجتبى(علیه السلام)، ثار فی أیّام الخلیفة العباسی(موسى الهادى) سنة 169هـ ، توجه من المدینة إلى مکة للحج فی ذلک العام، وحینما وصل مع أنصاره أرض «فخ» قریباً من مکة، حدثت معرکة ضاریة بینه وبین أنصاره من جهة، وبین عمال وجنود الخلیفة العباسی من جهة اُخرى، فاستشهد الحسین بن علی مع جماعة من أنصاره فی هذه المعرکة، وهو الذی عدّه دعبل الخزاعی فی أبیاته المعروفة «مدارس آیات» باعتباره شهیداً من شهداء أهل البیت(علیه السلام)، ولم یعترض الإمام علی بن موسى الرض(علیه السلام) على قوله:

قُبورٌ بکوفان وأُخرى بِطیبة *** واُخرى بِفَخِّ نالها صَلَواتی

ونقرأ فی حدیث عن الإمام التاسع، (الإمام الجواد(علیه السلام)): بینما کان النبى(صلى الله علیه وآله)یجتاز أرض فخ إذ نزل وصلى، وبینما هو فی الرکعة الثانیة أخذته العبرة، فبکى بکاءً أبکى من معه، وحینما انتهت الصلاة، سألوه(صلى الله علیه وآله) عن سبب بکائه، فقال(صلى الله علیه وآله): لقد جاءنی جبرائیل وقال لی: «أی محمد! إنّ رَجلا مِن ولِدک یُقتل فی هذا المکان، أجر الشهید معه، أجر شهیدین»(5).

بل جاء فی حدیث عن الإمام الجواد(علیه السلام) أنّه قال: «لم یکن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ»(6).

کما جاء فی روایة عن الحسین بن علی (شهید فخ) نفسه أنّه قال: «ما خرجنا حتى شاورنا موسى بن جعفر فأمرنا بالخروج»(7).

 

یقول المرحوم العلاّمة المامقانی فی خاتمة ما یتعلق بشرح أحواله: «یتضح ممّا قلنا أنّه کان من الثقات، لأنّ الإمام موسى بن جعفر(علیه السلام) قد أمضى ذلک فی أحد الأخبار، وجاء فی الحدیث: «أجر الشهید معه، أجر شهیدین»، وقد بکى علیه النبی(صلى الله علیه وآله)فی زمانه، وقال الإمام الصادق(علیه السلام): «ستدخل روحه الجنّة قبل جسده».

ولمزید من الاطلاع حول هذا الموضوع راجع کتاب تنقیح المقال الذی تقدم (ج 1 ص 337 وبحار الأنوار، ج 48، ص 160 فما بعدها).

مضافاً إلى ما تقدم، فقد جاء فی الروایات أنّ أقواماً سیثورون قبل قیام المهدی(علیه السلام)، ویمهدون لظهوره(علیه السلام)، وقد ورد مدحهم فی الأحادیث الشریفة، فلو کانت ثورتهم باطلة داعیة إلى الطاغوت، لما کان لهذه الروایات مفهومٌ صحیحٌ.

ونکتفی هنا بروایتین عن طریقی الشیعة والسنّة، مع أنّ الروایات أکثر من هذا بکثیر.

نقرأ فی حدیث عن الإمام أبی الحسن الأول (الإمام الکاظم(علیه السلام)) أنّه قال: «رَجلٌ مِن قُم یدعو النّاسَ إلى الحقّ یجتمع معه قَومٌ کزبُرِ الحَدیدِ لا تَزِلُّهُم الریاحُ العواصِفُ ولا یَملّونَ مِن الحَربِ وَلا یجَبنون وعلى اللهِ یتَوکِّلُون والعاقبة للمتقین»(8).

وقد تمّ التصریح فی قسم من الروایات التی تشیر إلى مثل هذه الثورات بأنّها ممهدة لظهور المهدی(علیه السلام). وعلى أیّة حال ، فهی حاکیة عن أنّ ثورات مشروعة ستحدث قبل قیام المهدی(علیه السلام)، ثورات دامیة داعیة إلى الحق مع ضمان النصر.

ونقرأ فی حدیث فی سنن ابن ماجة وهو من المصادر السنیة المعروفة:

حضر جمع من شباب بنی هاشم بین یدی الرسول(صلى الله علیه وآله)، وحینما وقع نظره المبارک علیهم أخذته العبرة وتغیر لونه، فسئل عن ذلک، فقال(صلى الله علیه وآله):

«إنّا أهلُ بَیت اختارَ اللهُ لَنا الآخرةَ عَلى الدّنیا، إنّ أَهل بیتی سَیَلقونَ بَعدِی بلاءً وتَشْریداً

 

وَتَطْریداً حتى یأتی قَومٌ مِن قِبلِ المَشرقِ معهم رایات سود فَیسألون الخیر فلا یعطونه فیقاتلون وینصرون فیُعطون ما سألوا فلا یَقبلونَهُ حتّى یَدفَعوها إلى رَجُل مِن أهلِ بِیتی فَیملأها قِسطاً کما ملأوها جَوْراً، فمن أدرکَ ذلکَ مِنْکُم فلیأتهم وَلَو حَبواً على الثَلْج»(9).

یستفاد من ذیل هذه الروایة بکل وضوح أنّ هذه الثورة ستحدث قبیل ثورة المهدی(علیه السلام)، وأنّها الممهدة له(علیه السلام) فضلا عن مشروعیتها.

ویظهر بجلاء من کل ما قیل فی هذا الفصل أنّ ثورات ستحدث قبل ظهور المهدی(عج) فیها صبغة إلهیّة، بعضها یؤتی أُکله وبعضها ینتهی بالفشل، ولیس أن کل رایة ترفع قبل المهدی(عج) رایة ضلال وطاغوت حتّى لو کانت بإذن أهل البیت(علیه السلام) وعلى خطاهم، (تأمل جیداً).

3 ـ والحاصل أنّ الروایات التی تقول: «کل رایة ترفع قبل قیام المهدی(علیه السلام)رایة ضلال وصاحبها طاغوت...»، یجب تفسیرها بشکل بحیث تتلاءم مع المسلّمات الفقهیة وأحکام الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر «محاربة الفساد»، وکذلک مع الثورات العدیدة التی حدثت فی زمان المعصومین(علیهم السلام) وأمضوها بدورهم(علیهم السلام). ولدینا لتفسیر هذه الروایات عدّة سبل:

1 ـ المراد بها، تلک الثورات المنحرفة، الثورات التی تقع بدون إذن واجازة المعصومین(علیهم السلام)، أو الحکّام الشرعیین أو نواب الإمام المهدی(عج) فی عصر الغیبة.

2 ـ المراد منها، الثورات التی تحدث بقصد الدعوة لأنفسهم لا لأهداف آل محمد(صلى الله علیه وآله)، حیث تمّت الإشارة إلى ذلک فی الروایات أکثر من مرّة.

3 ـ المراد بها، الثورات التی تظهر فی فترات معینة بدون استعداد لها، وأنّ الأئمّة(علیه السلام) إنّما تلفظوا بتلک الجمل ونهوا عن ذلک للحد من الثورات التی لم تنضج بعد.

 

 

ونعود هنا ثانیة إلى القرآن الکریم لنتأمل فی النداء العام للقرآن بدعوة الاُمّة الإسلامیة للثورة فی وجه الظالمین والدفاع عن المظلومین وبسط القسط والعدل.

نقرأ فی قوله تعالى: (وَمَا لَکُم لاَ تُقَاتِلونَ فِى سَبیلِ اللهِ وَالمُسْتَضْعَفِینَ مِنَ الرِجَالِ وَالنّسَاءِ وَالوِلدَانِ الَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجنَا مِنْ هَذِهِ القَریَةِ الظَّالِمِ أهلُهَا وَاجْعَلْ لَّنَا مِنْ لَّدُنکَ وَلِیّاً واجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنکَ نَصِیراً).   (النساء / 75)

لا یخفى أنّ هذه الآیة ونظائرها التی تتحدث حول إقامة القسط والعدل أو الدفاع عن المظلومین ومقارعة الظالمین لا تنحصر بزمان ومکان معینین، وأنّها من الاُصول المهمّة للإسلام، وأنّه کلما توفرت الفرص والمقدّمات لهذا الهدف المقدس فلابدّ من الإقدام على ذلک فوراً.


1. إرشاد المفید، ج 2 ، ص 185 (الباب 13 فی حالات الإمام الصادق(علیه السلام)).
2. تنقیح المقال (رجال المامقانی)، حالات زید.
3. المصدر السابق.
4. بحار الأنوار، ج 4 ص 205.
5. تنقیح المقال، ج 1 ص 337 (حالات الحسین بن علی شهید فخ); بحار الأنوار ، ج 48 ، ص 17.
6. المصدر السابق.
7. المصدر السابق.
8. سفینة البحار، لفظة (قم).
9. سنن ابن ماجة، ج 2 ص 1366، ح 482.
أرکان الحکومة الإسلامیةوالطائفة الثّالثة:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma