خطوة مهمة فی طریق إجراء الأحکام:

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء العاشر)
الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر فی الروایات:تمهید:

ما جاء فی هذه الآیات هو أکثر ما جاء من آیات القرآن المجید فی خصوص فریضة الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر المهمّة، والتی تبین أبعادها المختلفة.

فالآیة الأولى تصوّر الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر بعنوان أمر عام وتعتبره من خصائص الأمة الإسلامیة، لا بمعنى أنّه لم یوجد فی الأمم السابقة أصلا، بل بمعنى أنّه یعدُّ أصلا أصیلا فی الأمة الإسلامیّة ورکناً رکینا فیها حیث یقول: (کُنْتُمْ خَیْرَ اُمَّة اُخْرِجَتْ لِلْنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللهِ).

والملفت للنظر أنّها من جهة تعتبر الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر خصوصیّة من الخصائص التی أدّت إلى أفضلیة الإسلام على سائر الأدیان وأنّ الأمّة الإسلامیة هی الأمّة النموذجیة المثلى ومن جهة أُخرى تقدم هذه الوظیفة على الإیمان بالله! وهذا یدل على أنّه إذا لم تؤدّ هذه الوظیفة على المستوى العام بصورة أصلین أساسیّین اجتماعیین، فلا ضمان لاستمرار إیمان الناس.

نعم، فهو کذلک، فلو نُسِیتَ هاتان الوظیفتان، ضعف الإیمان فی القلوب، وذبلت غصونه وأوراقه، والنّتیجة هی اضمحلال الإیمان والإسلام.

ثُمّ إنّه من هذا البیان یتضح جیداً أنّ المسلمین إنّما یکونون أُمّة متمیزة وممتازة ما داموا یدعون إلى الخیر والصلاح ویجاهدون المنکر والفساد، فإذا ما نسوا ذلک لم یعودوا خیر أمة ولم یترشح منهم النفع للمجتمع البشری!

نعم.. فالمسلمون إنّما یمکنهم أن یکونوا قادة الأمم فی العالم وأن تستفید البشریّة جمعاء من وجودهم، فیما لو طبقوا هاتین الوظیفتین الکبیرتین.

وبتعبیر آخر: کل واحد من أفراد الأمة الإسلامیّة، لابدّ أن یشعر بالمسؤولیة، وخلافاً لما نراه الیوم حیث توکل مسؤولیة مکافحة الفساد إلى مجموعة معینة من المأمورین الحکومیین ویبقى سائر أفراد المجتمع فی حلٍّ من تحمل هذه المسؤولیة الاجتماعیّة المهمّة فیبقون متفرجین على الممارسات الاجتماعیة السلبیة بلاحراک.

فالآیة تؤکد على أنّ هذه المسؤولیة مسؤولیة عامة لابدّ أن یتحملها الصغیر والکبیر، الشّاب والشّیخ والرّجل والمرأة والعالم والجاهل.

واستعمال کلمة «المعروف» و«المنکر» فی الآیة لنکتة مهمة أُخرى، إذ هی من جهة، تبیّن أنّ الواجبات والمحرمات اُمورٌ یدرکها ویعرفها عقل الإنسان وروحه جیداً، فهو یعشق الواجبات، فی حین أنّ المنکرات أُمور بعیدة عن ذوقه فهو یجهلها وینفر منها.

ومن جهة أخرى، فإنّ من البدیهی إننا لو نسینا هاتین الوظیفتین واعتاد المحیط على المنکرات والبعد عن الخیر والمعروف، صار المنکر معروفاً والمعروف منکراً فی نظر الناس، وهذه أکبر خسارة یمکن أن یتحملها مجتمع من المجتمعات، وهذا البلاء هو الذی عمَّ الیوم کثیراً من المجتمعات العالمیة، حیث تبدل المعروف عندهم منکراً والمنکر معروفاً!

والآیة الثانیة ناظرة إلى قسم آخر من الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر والتی تختص بها مجموعة من الاُمّة الإسلامیّة، وبتعبیر آخر هی مختصة بالحکومة وموظفی الحکومة حیث ورد فیها: (وَلْتَکُنْ مِّنْکُمْ اُمَّةٌ یَدْعُونَ اِلَى الْخَیْرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَاُولَئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

وعندما نضع هذه الآیة فی قبال الآیة السّابقة نجد أنّ الآیة السّابقة تتحدث عن مرحلة من مراحل هاتین الوظیفتین المهمتین غیر المرحلة التی تتحدث عنها هذه الآیة، فتلک مرحلة القلب واللسان وهذه مرحلة استخدام القوة والشدَّة، والملفت للنظر هو أنّ هذه الآیة تحصر الفلاح بأولئک الأشخاص الّذین یؤدون هاتین الوظیفتین العظیمتین (إلتفتوا إلى أنّ جملة أولئک هم المفلحون تدل على الحصر)(1).

والتعبیر بالأمَّة، قد یکون إشارة إلى أنّ هذه الوظیفة لابدّ أنْ تؤدّى بصورة «جماعیة»، وأن تکون مقترنة «بمنهج تنظیم»، ونحن نعلم بأنّ الأمور الّتی تحتاج إلى شدة والتی تؤدّى من قبل الحکومة لا تکون ممکنة بغیر الشّرطین.

وذیل الآیة یبیّن بوضوح أنّ کل فلاح ونجاح فی الدّنیا والآخرة وفی الفرد والمجتمع، لا یتحقق إلاّ فی ظل هاتین الوظیفتین.

وفی الآیة الثّالثة، إشارة إلى نکتة ظریفة اُخرى فی مجال هاتین الوظیفتین العظیمتین، تتضح لنا من خلال دراسة سبب النزول.

فقد ورد فی سبب نزول هذه الآیة أنّ مجموعة من علماء وأخبار الیهود کانوا قد أسلموا والتحقوا بصفوف المسلمین، ممّا أدّى إلى غضب زعماء الیهود جدّاً، فمن أجل إذلال وتحقیر هؤلاء المؤمنین ادّعى زعماء الیهود أنّ ثلّة من أشرارهم قد اعتنقوا الإسلام وإنّهم لو کانوا صالحین ما ترکوا دینهم!!

 

 

وکذلک فإنّ ما قاله البعض من أنّ «من» تبعیضیة للواجب الکفائی، مخالف للظاهر أیضاً، لأنّ الواجب الکفائی واجب على الجمیع، غایته أنّ نوع الوجوب فیه یختلف عن نوع الواجب العینی (وتوضیح ذلک موکول إلى علم الأصول).

فالآیة المذکورة أعلاه تجیب هؤلاء وتقول: (لَیْسُوا سَوَاءً مِّنْ اَهْلِ الْکِتابِ اُمَّةٌ قائِمَةٌ یَتْلُونَ آیَاتِ اللهِ آناءَ اللَّیْلِ وَهُمْ یَسْجُدُونَ * یُؤْمِنُونَ باِللهِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوف ویَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَیُسَارِعُونَ فِى الْخَیْراتِ وَاُولَئِکَ مِنَ الصَّالِحیِنَ).

فالآیة تلخص خصائص الصّالحین من أهل الکتاب الذین اعتنقوا الإسلام فی ثلاثة أمور: الإیمان بالمبدأ والمعاد، ثُمّ الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر، وفی النّهایة المسارعة فی الخیرات. وهذا یدل على أنّ الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر یعدُّ من أبرز مظاهر الصّالحین بعد الإیمان بالله ویوم القیامة، وأنّه أصل کل الخیر.

وفی الآیة الرّابعة، یعتبر الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر أول خصوصیّة من خصائص المؤمنین، حتّى أنّ إقامة الصلاة وأداء الزّکاة وإطاعة الله والنّبیّ(صلى الله علیه وآله) جاءت بعدها، وهذا یدل على أنّ هاتین الوظیفتین العظیمتین إذا لم تطبقاً، فإنّ أساس العبادة والطّاعة وعبودیّة الله تتعرض للخطر.

یقول الله تعالى: (وَالْمُؤمِنُونَ والْمُؤمِنَاتُ بَعْضُهُمْ اَوْلَیاءُ بَعْض یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَیُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَیُطیعُونَ اللهَ ورَسُولَهُ اُولَئِکَ سَیَرْحَمُهُمُ اللهُ اِنَّ اللهَ عَزیزٌ حَکِیمٌ).

وقد احْتُمِلَت عدّة أمور فی تفسیر جملة (بَعْضُهُمْ اَوْلِیاءُ بَعْض)، من جملتها أنّ هؤلاء منسجمون فی الإیمان بالله ومبانی الإسلام ـ والآخر هو أنّ أحدهم ینصر الآخر فی اُمور الدین والدنیا، والثّالث هو أنّ هؤلاء بالتّعلیم والتّربیة یخرجون الآخرین صوب درجات الکمال العالیة.

ومن الواضح أنّ هذه التفسیرات الثّلاثة لا منافاة فیما بینها، ویمکن أن تجتمع فی مفهوم الآیة، لأنّ الولایة فی الآیة جاءت مطلقة فتشمل ارتباط المؤمنین ببعضهم فی أبعاد مختلفة.

 

وفی الآیة الخامسة وبعد ذکر التجارة المربحة التی یتّجر بها المؤمنون الحقیقیون مع الله، أی الجهاد فی سبیله، حیث یشرون أنفسهم وأموالهم بالجنة الغالیة، وبعد بیان أنّ الله عزّوجلّ یبارک لهم هذه المعاملة ویعدها فوزاً عظیماً، یلخّص أوصاف هؤلاء فی تسعة أمور ویقول: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاکِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ والنَّاهُونَ عَنِ المُنْکَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤمِنِینَ).

وفی الواقع فإنّ الأوصاف السّتة المذکورة أوّلا، إشارة إلى مراحل العبادة والطّاعة والعبودیّة فی هؤلاء، والأوصاف الثّلاثة الأخیرة (وهی الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر وحفظ الحدود) إشارة إلى جهاد هؤلاء الاجتماعی فی طریق إرساء مبانی الحق والعدالة وإجراء الأحکام الإلهیّة، وبعد هذه الأمور جاءت البشارة الإلهیّة لهم بشکل مطلق.

وبتعبیر آخر، فإنّ الأوصاف الستة الاولى ناظرة إلى علاقة الخلق بالخالق، والثّلاثة الأخیرة ناظرة إلى علاقة الخلق بأنفسهم وهذه البشارة الّتی ذکرت فی آخر الأمر تشمل سعادة الدّنیا وسعادة الآخرة معاً.

وفی الآیة السّادسة، إشارة إلى بُعد آخر من هذه المسألة وهو البعد الحکومتی، وبتعبیر آخر تعتبر الآیة الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر أحد وظائف الحکّام الإسلامیین المهمّة، حیث یقول عزّوجلّ:

(الَّذِینَ اِنْ مَّکَّنَّاهُمْ فِى الاَرْضِ أَقامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّکاةَ وَاَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْکَرِ وَلِلّهِ عَاقِبَةُ الاُمُورِ).

وفی الحقیقة فإنّ الوعد بنصر الله، الوارد فی الآیة السّابقة لهذه الآیة (ولَیَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ یَنْصُرُهُ) مختصة بمثل هؤلاء الأشخاص، الذین إذا ما تسلموا زمام القدرة والحکم فی الأرض فإنّهم مضافاً إلى أدائهم الصّلاة وحدهم، یقیمونها أیضاً فی کل مکان، ویؤتون الزکاة لمستحقیها، ویأمرون بالمعروف وینهون عن المنکر.

 

هذا على الرّغم من أنّ البعض یتصور أنّ مراد الآیة، المهاجرون فقط، ولکن من الواضح أنّ الآیة الشّریفة لها مفهوم أوسع وتشمل الجمیع حتى قیام القیامة.

والنکتة التی لابدّ من الإلتفات إلیها أیضاً هی أنّ القرآن الکریم غالباً ما یعبر بلفظ «الإقامة» فی خصوص الصّلاة إلاّ فی مورد المنافقین حیث عبر بالقیام بدل الإقامة، حیث یقول واصفاً إیّاهم، (وَإِذَا قَامُوا اِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا کُسَالى).   (النّساء / 142)

وهذا التعبیر قد یکون إشارة إلى أنّ المؤمنین الحقیقیین لا یؤدّون الصلاة بأنفسهم فحسب، بل إنّهم یحاولون إقامة الصلاة فی کل المجتمع، وقال البعض إنّ ذلک إشارة إلى أنّ هؤلاء المؤمنین لیس فقط یأتون بظاهر الصّلاة وصورتها بل إنّهم یحاولون إقامة الصلاة بکل محتواها الحقیقی وشرائط صحتها وکمالها (والجمع بین هذین التفسیرین لیس مشکلا).

وفی الآیة السّابعة والأخیرة نلاحظ نکتة اُخرى حول الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر، وهی أنّ هذین الأمرین المهمین لیسا من مختصات الشریعة الإسلامیة فقط، بل إنّ هناک تأکید شدید علیهما فی الأمم السّالفة أیضاً (وإن کانتا قد أخذتا شکلا موسعاً وأساسیاً فی الشّریعة الإسلامیّة).

فینقل لنا القرآن الکریم عن لسان لقمان ذلک الرّجل الحکیم العالم:

(یَا بُنَىَّ اَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنکَرِ وَاصْبِرْ عَلَى ما اَصَابَکَ اِنَّ ذلِکَ مِنْ عَزْمِ الاُمُورِ).

فهنا اعتبرت الآیة أنّ رمز انتصار الإنسان فی أربعة أُمور:

إقامة الصلاة، الأمر بالمعروف، النّهی عن المنکر، والصّبر.

وجملة (إِن ذَلِکَ مِنْ عَزمِ الأمُورِ) قد تکون إشارة إلى خصوص الصبر المذکور فی الذیل، وقد تکون شاملة للاصول الأربعة جمیعاً.

ولابدّ هنا من التدقیق فی هذه النّکتة وهی أنّ اقتران الصّبر بمسألة الأمر بالمعروف

والنّهی عن المنکر إشارة إلى الارتباط الوثیق بین هذین الأمرین، إذ إنّ أداء هاتین الوظیفتین الإلهیتین المهمتین یقترن أحیاناً بالمشاکل والصعوبات، ولا یمکن تحقق الأمر بالمعروف، والنّهی عن المنکر إلاّ بالصّبر والإستقامة. کما أنّ هذین الأمرین على ارتباط وثیق أیضاً بالصلاة، لإننا نعلم جیداً بأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنکر، أو بتعبیر آخر هی الأساس الأصلی للأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر (إنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحشَاءِ والمُنکَرِ).   (العنکبوت / 45)


1. ما قاله البعض من أنّ «من» التی وردت فی الآیة زائدة أو أنّها للبیان، وأنّ مفهوم الآیة شاملٌ لکل المؤمنین، مخالف لظاهر الآیة، فالظاهر منها هو أنّ «من» تبعیضیة، أی أنّه یجب على مجموعة منکم فقط القیام بهذه الوظیفة.

 

الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر فی الروایات:تمهید:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma