جمع الآیات و تفسیرها

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء العاشر)
قصّة «الجزیة»:تمهید:

الآیة الأولى الّتی وردت بعد آیات تحذر المسلمین من عقد الصّداقة مع أعداء الله، وتذکرهم ببغض هؤلاء للنّبیّ (صلى الله علیه وآله) والمسلمین، وإیذائهم بالید واللسان للمسلمین الأبریاء، تقول: (لاَ یَنْهَاکُمُ اللهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقَاتِلُوکُمْ فِى الدِّینِ وَلَمْ یُخْرِجُوکُمْ مِّنْ دیَارِکُمْ اَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا اِلَیْهِمْ إِنَّ اللهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ).

ثُمّ تضیف للتأکید الأقوى فی مورد الذین یحاربون المسلمین وتقول: (إِنَّما یَنْهَاکُمُ اللهُ عَنِ الَّذِینَ قَاتَلُوکُمْ فِى الدِّینِ واَخْرَجُوکُمْ مِّنْ دِیَارِکُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِکُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ یَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ).

من ملاحظة سبب نزول هاتین الآیتین والآیات السّابقة لهما فی سورة «الممتحنة»، وبملاحظة القرائن الموجودة فی نفس الآیات، یتضح تماماً أنّ هذه الآیات ناظرة إلى المشرکین وعبدة الأوثان، فهی تقسِّمُهُمْ إلى مجموعتین: مجموعة قاتلت المؤمنین وآذتهم ولم تتردد عن کل مخالفة وممارسة عدائیة ضدهم، ومجموعة ثانیة کانت مستعدة للعیش معهم بسلام.

ففی هذه الآیات نجد منع إنشاء العلاقة والتّعامل مع المجموعة الأولى وقد أجازت ذلک منع المجموعة الثّانیة، وعدّت الّذین یرتبطون بالمجموعة الأولى من الظّالمین، أمّا المتعاملین مع المجموعة الثّانیة فاعتبرتهم الآیة الشریفة من أنصار العدالة.

وإذا کان الحکم الإلهی فی مورد المشرکین وعبدة الأوثان على هذا النّحو، فهو بالنسبة للکفار من أهل الکتاب من باب أولى.

واعتبر بعض المفسرین أنّ الأمر الوارد فی هذه الآیة قد نُسِخ، وأنّ ناسخة هو قوله تعالى: (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشهُرُ الحُرُمُ فَاقتُلُوا المشُرِکِینَ حَیثُ وَجَدتُّمُوهُمْ).   (التوبة / 5)

ولکن وبقرینة أنّ هذه الآیة بشهادة سائر آیات سورة التّوبة، نازلة فی شأن المشرکین الذین ینقضون العهد، والّذین أعلنوا العداء للمسلمین، یتضح لنا تماماً أنّ الآیة لم تُنْسَخْ، بل إنّ آیات سورة التّوبة مرتبطة بالمجموعة الأولى.

وروى بعض المفسرین فی تفسیر هذه الآیة أنّ زوجة أبی بکر المطلّقة قد جاءت لإبنتها «أسماء» ببعض الهدایا من مکة، ولما کانت لا تزال مشرکة، امتنعتْ أسماء من قبول تلک الهدایا منها، حتى أنّها لم تسمح لأمِّها بالدّخول علیها، فنزلت الآیة المذکورة، وأمرها الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) أنْ تستقبل اُمَّها وتقبل هدیتها وأنْ تحترمها(1).

وعلى أیّة حال، یستفاد من هذه الآیات، أصلٌ عام کلّی فی کیفیة تعامل المسلمین مع غیر المسلمین، بلا تحدید ذلک بزمان أو مکان خاص، وهذا الأصل هو أنّ المسلمین مکلّفین بسلوک طریق السّلم مع کلّ فرد أو مجموعة أو مجتمع أو دولة لا تتخذ موقفاً معادیاً تجاههم، أو تحارب الإسلام والمسلمین وتنصر أعداءهم، سواءً کان هؤلاء مشرکین أو کانوا من أهل الکتاب.

 

 

وحتى لو کانت مجموعة أو دولة تقف فی صف أعداء الإسلام ثمّ تراجعت عن ذلک وغیرّت سیاستها، فإنّ على المسلمین أنْ یقبلوهم وأن لا یعادوهم، فالمعیار هو الموقف الراهن لأولئک تجاه الإسلام والمسلمین.


1. تفسیر روح البیان، ج9، ص481، کما نقلت هذه الروایة فی کثیر من کتب التفسیر، وفی صحیح البخاری بتفاوت.

 

قصّة «الجزیة»:تمهید:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma