تنامی الاختلاف مع انبثاق الدعوة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
عاشوراء جذورها، أهدافها، حوادثها، معطیاتها
الفصل الثانی3. الفضائل الشخصیة

کانت معظم القدرة السیاسیة والإقتصادیة لمکة خاضعة لسلطة بنی أمیة إبان انبثاق الدعوة الإسلامیة. فقد جمع زعماء هذه القبیلة أموالاً ضخمة من خلال التجارة والربا، کما حصلوا على سلطة دینیة بفضل سدانتهم لبیت الله واستقبال الحجیج.

وعلى هذا الأساس کانت قریش تحمل بضاعتها من المزدلفة حین کان یفیض الحجاج من عرفات. ذلک لاعتقادهم بوجوب طواف الکعبة بثیاب طاهرة والثیاب إنّما تکون طاهرة حین تؤخذ من إحدى طوائف قریش! وإن لم تمنح شخصاً ثوباً یضطر للطواف عریاناً(1). والواقع أنّ قریشَ سنّت فی ظل هذه الریاسة والسلطة الدینیة بعض القوانین التی انصاعت لها سائر القبائل العربیة. ولکن بانبثاق الدعوة الإسلامیة تعرضت السلطة الظاهریة لقریش لتهدید جدی على جهتین: الهیمنة المادیة والریاسة الدینیة، وقد اقتصرت الدعوة أوائل انبثاقها على التوحید وأداء الشهادتین. ورافقت شیئاً فشیئاً هذه الدعوة البسیطة بظاهرها نداءات أخرى فی مجال العدالة الاجتماعیة والمساواة بین الناس عند الله وتفویض ولایة الکعبة للصالحین. وهی النداءات التی لا تنسجم قط ومصالح زعماء قریش ـ لاسیما زعماء بنی أمیة کأبی سفیان وأبی جهل ـ ومکانتهم الاجتماعیة وإن تأمل أولى آیات سورة الهمزة التی نزلت أوائل الدعوة لیکشف عن مدى جدیة التهدید الذی شکله الإسلام على أولئک الظلمة وکانزی الأموال:

(وَیْلٌ لِّکُلِّ هُمَزَة لُّمَزَة * الَّذِی جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ * یَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * کَلاَّ لَیُنْبَذَنَّ فِی الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاک مَا الْحُطَمَةُ ...).

فناقوس الخطر هذا لم یکن یروق لأسماع زعماء قریش الطاغین، من جانب أخر فإنّ اختراق دعوة النبی(صلى الله علیه وآله) للطبقات الضعیفة أو المتوسطة للمجتمع التی استماتت فی الدفاع عن إیمانها لفت انتباه قریش إلى هذا الخطر الذی تمثل بتهدید القوانین الإسلامیة لسلطتها الدینیة إلى جانب هیمنتها الاقتصادیة.

وهذا ما فجر أحقادهم الدفینة سیما بعد أن لمسوا زوال مصالحهم اللامشروعة ونفوذهم الاجتماعی. ومن هنا وقفوا بکل ما أوتوا من قوة بوجه الدعوة، فقد عمدوا إلى ممارسة عدّة أمور دون أن یعوا ماذا یفعلون، من قبیل: تألیب مختلف القبائل ضد الدعوة الإسلامیة، إبرام الإتفاقیات مع القبائل الیهودیة المقیمة فی المدینة وإثارتها ضد النبی(صلى الله علیه وآله) وأخیراً شن المعارک الدمویة وتدبیر المؤامرات، إلاّ أنّ کل هذه الجهود منیت بالفشل. کما ظن هؤلاء بتوقیعهم لصلح الحدیبیة ـ فی السنة السادسة للهجرة ـ أنّهم کسروا شوکة النبی(صلى الله علیه وآله) بمنعه من دخول مکة ورسخوا سلطتهم على مکة; فی حین لم یکن یعنی توقیعهم سوى إنهائهم لحکومتهم الرسمیة على الحجاز واعترافهم ضمنیاً بحکومة النبی(صلى الله علیه وآله) لیثرب، فکان من الطبیعی أن تتهشم اتفاقیاتهم التی عقدوها مع سائر القبائل فی ظل ذلک الإعتراف. ومنذ ذلک العام حتى العام الثامن للهجرة کان زعماء سائر القبائل فی الحجاز یتطلعون إلى نهایة هذا الصراع لصالح الإسلام والنبی(صلى الله علیه وآله)، وبالتالی انهارت قدرة قریش إثر استسلام مکة.

والواقع أنّ قریش فقدت فی ظل تلک الهزیمة سلطتها الدینیة وکذلک موقعها الاجتماعی وهیمنتها الاقتصادیة ولکن لاینبغی أن ننسى أنّ الرأس المدبر لتلک المعارک والمؤامرات ضد النبی والإسلام طیلة هذا الصراع المریر والشامل إنّما کان أبو سفیان زعیم طائفة بنی أمیة. فقد جنح ورهطه حین فقد قبل غیره تلک الرفاهیة المادیة والمعنویة، للإسلام لما لم یکن له من سبیل آخر.

إضافة إلى أنّهم ظنوا بانفتاح باب جدید لاستعادة تلک المطامع الدنیویة بحیث یمکنهم تحقیق أهدافهم إن تمکنوا من رکوب هذه الموجة، ومن هنا دفعتهم انتهازیتهم ومصالحهم لاعتناق الإسلام(2).

ولکن حیث فقدوا جمیع امتیازاتهم فی العصر الجاهلی وباستحقاقهم لعنوان الطلقاء (الذین حرروا من قیود الأسر یوم فتح مکة) تحملوا هزیمة منکرة وذلّة فائقة فاعتراهم بغض النبی(صلى الله علیه وآله) وبنی هاشم إلى جانب ما ورثوه من بغض وکراهیة. ولهذا لم یکفوا لحظة بعد استسلامهم من التآمر الخفی والعلنی. وبناءً على ما تقدم، لا نتعجب من وقوع حادثة الطف الدمویة من قبل هذه الطائفة، وقد تحدث یزید صراحة عن انتقامه من بنی هاشم بعد واقعة کربلاء (وهذا ما سیأتی فی الفصل القادم).


1 . انظر: سیرة ابن هشام، ج 1، ص 125 وما بعدها.
2 . قال علی(علیه السلام) بشأن إسلام هذه الطائفة، «وما أسلموا ولکن استسلموا وأسروا الکفر فلما وجدوا أعواناً علیه أظهروه» نهج البلاغة، الرسالة 16.

 

 

الفصل الثانی3. الفضائل الشخصیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma