2. معرکة الجمل أو المواجهة غیر المباشرة من قبل معاویة للإمام(علیه السلام)

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
عاشوراء جذورها، أهدافها، حوادثها، معطیاتها
3. معرکة صفین، مواجهة معاویة المباشرة للإمام(علیه السلام)1. التخلی عن عثمان

تمّت مراسم بیعة الأمّة والعناصر الثوریة لأمیرالمؤمنین(علیه السلام) بلهفة ورغبة جامحة. فالإمام(علیه السلام) بعد أن أبى قبول الخلافة فی البدایة ـ لمصلحة ما(1)، أعرب عن استعداده لتسلم زمام الأمور إزاء إصرار الأمّة شریطة إلغاء الإمتیازات الطبقیة کافّة التی ظهرت منذ عهد الخلیفة الثانی، ومساواة جمیع الأفراد فی الحقوق إزاء القانون الإسلامی وبیت المال. وقد التفت المغیرة بن شعبة إلى الإمام علی(علیه السلام) بعد بیعته وقال له: آرى إقرار معاویة على الشام وعبدالله بن عامر ابن خال عثمان على البصره إلى أن یسکن شغب الناس ولک بعد رأیک فلم یأخذ(علیه السلام) برأی المغیرة(2).

وجاء فی تاریخ الطبری: إنّ مغیرة بن شعبة قال لعلی(علیه السلام) بعد استلامه للخلافة: أترک معاویة فإنّ لمعاویة جرأة وهو فی أهل الشام یسمع منه ولک حجّة فی إثباته کان عمر بن الخطاب قد ولاه الشام کلها.

فأجابه علی(علیه السلام):

«واللهِ لا أَستَعمِلُ مُعاوِیةَ یَوْمَینِ أبَداً»(3).

فعدالة علی(علیه السلام) المذهلة کانت تقتضی مصادرة جمیع الثروات التی حصلت علیها عصابة بنی أمیة على عهد عثمان وإعادتها إلى بیت المال. ومن هنا أعلن(علیه السلام)فی الیوم الثانی من حکومته:

«وَاللهِ لَوْ وجَدَتُهُ تُزُوِجَ بِهِ النِسَاءُ وَمُلِکَ بِهِ الإمِاءُ لَرَدَدُتهُ»(4).

 

فلما بلغ ذلک الخبر عمرو بن العاص قال لمعاویة:

«ما کُنتَ صانِعاً فَاصْنَع إذ قَشَرک ابْنُ أبی طالِب مِنْ کُلِّ مال تَمْلِکُهُ کَما تُقْشَرُ عَنِ الْعَصا لِحاها»(5).

وروح المساواة لدى علی(علیه السلام) دون أن تأخذه فی الله لومة لائم أو یبزر أدنى مرونة وهوادة إزاء التوقعات المفرطة لشخصیات مرموقة فی المجتمع کطلحة والزبیر جعلتهم یخلصون بعد مضی بضعة شهور على بیعة علی(علیه السلام) إلى هذه النتیجة التی ذکرها الطبری أنّهم قالوا:

«ما لَنا مِنْ هَذا الأَمْرِ إلاّ کَلَحسَةِ الکَلْبِ أَنْفَهُ»(6).

وفی الوقت الذی یئس فیه أمثال طلحة والزبیر من الحصول على أی امتیاز ومنصب فی حکومة علی(علیه السلام)، کان معاویة یتابع عن کثب فی الشام أوضاع المدینة، فقد کان یعلم بشغف طلحة والزبیر بالدنیا وعمق شوقهما للحکومة، فعمد إلى مؤامرة أخرى، فکتب لهما کتاباً دفعهما فیه لقتال الإمام(علیه السلام) من خلال إثارة طمعهما فی السلطة(7).

إنطلَت حیلة معاویة علیهما. فقصدا علیاً(علیه السلام) بحجة العمرة وزیارة بیت الله. فأخذ(علیه السلام)منهما البیعة ثانیة وقال لهما أو لبعض أصحابه: «وَاللهِ ما أرادا العُمرَةَ، ولکنّهما أرادا الغَدرة»(8). وبالتالی إنطلقا إلى مکة لیلتفّا حول رایة مواجهة علی(علیه السلام)والتی حملتها عائشة وسائر زعماء بنی أمیة. لا شک فی أنّ معاویة کان على یقین أنّه لا یستطیع منافسة أمیرالمؤمنین(علیه السلام) لا فی سابقته ولا فی فضائله. ویعلم أنّ نتیجة تلک المعرکة  ستکون لصالحه، فإن هزم علی(علیه السلام)فقد بلغ مراده، وإن هزم طلحة والزبیر فقد تخلص من أقوى منافسین له فی الخلافة، وفی کلا الحالتین یمکنه حث الخطى بإتجاه الخلافة.

والفائدة الأخرى التی یجنیها معاویة من معرکة الجمل هی أنّه لا یمتلک الجرأة والشجاعة لمواجهة علی(علیه السلام) بمفرده، ومن هنا کان یجب على سائر البارزین من الأفراد کعائشة وطلحة والزبیر أن یمهدوا له ذلک السبیل لیسیر علیه بسهولة. والواقع کان یفکر فی ضرورة استغلال بعض الأفراد کطلحة والزبیر الذین أصبحا یوماً فی مصاف علی(علیه السلام) فی الشورى التی أوصى بها الخلیفة الثانی بغیة خداع السذج من الناس، لیتمهد السبیل أمام أمثال معاویة للخروج على خلیفة المسلمین. من جانب آخر فإنّ بنی أمیة الذین یُکنّون العداء لعلی(علیه السلام) منذ القدم وینتظرون الفرصة للوقوف بوجهه إنّما اجتمعوا من کل حدب وصوب بترغیب معاویة وترهیبه لیجتمعوا حول عائشة فی مکة، کما سارع إلیها سائر ولاة عثمان وعماله بعد أن عزلهم أمیرالمؤمنین(علیه السلام)الواحد تلو الآخر. کما کان لمروان بن الحکم ـ صهر عثمان ومشاوره المقرب وحضوره الفاعل فی تلک الواقعة.

روى المؤرخ المعروف الطبری عن الزهری أنّ عبد الله بن عامر ـ ابن خال عثمان ووالی البصرة من قبل عثمان ـ هرب بثروته إلى مکة بعد أن عزله علی(علیه السلام)فالتحق بعائشة، کما إلتحق بها یعلی بن أمیة ـ والی عثمان على الیمن ـ بعد عزله من جانب علی(علیه السلام)(9).

وعلى هذا الضوء صُرِفَتْ نفقات معرکة الجمل وما یلزمها من أسلحة من تلک الثروات الضخمة التی نهبها أزلام بنی أمیة على عهد عثمان من بیت مال المسلمین. وبناءً على ما تقدم لا نرانا مجانبین للحقیقة إن اعتبرنا موقعة الجمل مواجهة غیر مباشرة بین معاویة وحکومة أمیرالمؤمنین علی(علیه السلام).


1 . راجع نفحات الولایة، ج 4، ص 208 ذیل الخطبة 92.
2 . صوت العدالة الإنسانیة، ج 1، ص 79; شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید، ج 1، ص 232.
3 . تاریخ الطبری، ج 3، ص 461.
4 . نهج البلاغة، الخطبة 15; راجع نفحات الولایة، ج 1، ص 525.
5 . شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید، ج 1، ص 202 ذیل الخطبة 15.
6 . تاریخ الطبری، ج 5، ص 53.
7 . جاء فی کتاب معاویة، «قد بایعت لک أهل الشام فأجابوا واستوثقوا الحلف فدونک الکوفة والبصرة لا یسبقنّک إلیها ابن أبی طالب ... وقد بایعت لطلحة ابن عبید الله من بعدک فأظهروا الطلب بدم عثمان وادع الناس إلى ذلک» فلما بلغت الزبیر أطلع علیها طلحة ولم یشکا فی أنّ معاویة یرید بهما خیراً. فعزما على قتال علی (علیه السلام). بحار الأنوار، ج 32، ص 5; شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید، ج 1، ص 231.
8 . تاریخ الیعقوبی، ج 2، ص 127; تاریخ ابن الأعثم، ص 166-167.
9 . تاریخ الطبری، ج 3، ص 469 وما بعدها.

 

 

3. معرکة صفین، مواجهة معاویة المباشرة للإمام(علیه السلام)1. التخلی عن عثمان
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma